كان هناك شاب يدعي أندرو، يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً، كان دائماً يجد أن السعادة الحقيقية في السفر والاستمتاع بجمال الطبيعة والهدوء والوحدة والبعد عن الناس، وفي يوم قرر الهروب من حياته وعائلته وجميع اصدقائة وروتين حياته التي كان يجدها ممله تماماً، قرر الخروج للبحث عن سعادته الحقيقية التي يفتقدها، حمل معه حقيبة صغيرة بها مذكرة ليسجل بها كل ما سيقابله في حياته الجديدة المشوقة، اخذ يتنقل من مكان إلي مكان ومن بلد إلي بلد، من الجبال إلي الأودية ومن الغابات إلي الأنهار ومن الصحاري المحرقة حتي الثلوج المتجمدة .. التقي بالكثير من الاشخاص واستمع بملايين الحكايات والقصص، وكان كل فترة يمكث في مكان ما مع بعض الاشخاص ثم يشعر بالممل فيرحل عنهم باحثاً عن سعادته الحقيقية من جديد .
وكان يسجل في مذكرته الصغيرة التي يحملها معها كل ما يخوضه ويقابله من مغامرات وأحداث، واستمر في انتقاله عدة ايام حتي ذهب إلي غابة وجد بها مقطوره متحركة ” كرافان ” مهجورة تماماً ومتوقفة وسط الغابة، استخذ منها مسكناً مؤقتاً له ، وكان كل يوم يخرج ليسير في الغابة ويري ما بها من اشجار ونباتات وينابيع مياه متدفقه ويستمتع بالطبيعة الجميلة وحيداً، وفي صباح كل يوم يخرج ليبحث عما يتناوله، فمرة يصطاد ومرة يتناول فاكهة من بعض الاشجار، استمر علي هذة الحال لعدة اسابيع وفي كل مرة يخرج بها إلي هذة الغابة يلاحظ أنها مهجورة بشكل غريب، لا يزورها أى شخص ولا توجد بها حيوانات إلا قليلاً جداً، ومع مرور الوقت تناقصت فرص الطعام بالنسبة له وكان لا يجد ما يصطاده أو يأكله، فامتدت يده إلي حقيبته واخرج منها كتاباً عن النباتات ووصفها، أخذ يقرأ عن أى نباتات صالحة للاكل يصفها الكتاب وتكون متواجدة بأرض هذة الغابة .
وفي يوم بينما كان الشاب يسير وحيداً في الغابة يتضور جوعاً شاهد نباتاً اعتقد أنه يطاق وصف الكتاب بأنه فصيلة من التوت البري، فتناوله علي الفور ونام ليلته ليستيقظ في الصباح وأضعة الشمس تتسلل إليه من نوافذ المقطورة الشبة متهالكة، وبمجرد أن فتح عيناه جحظتا من الألم يكاد يقتلع أحشاءة، تعجب كثيراً من هذا الألم ثم تذكر كتاب النباتات والتوت البري الذي تناوله ليلة البارحة، أمسك الكتاب بيمناه وبقايا النباتات بيسراه ليقارن بينهما، وهنا وقعت الكارثة، اكتشف أن هذة النباتات لا تطابق وصف فصيلة التوت البري الذي رآه في الكتاب من قبل، ولكنه أعشاب سامة .. نعم لقد تسمم الشاب بسبب تناول هذة الاعشاب، وبسبب شدة جوعه وقته لم يدقق في معلومات الكتاب وتناولها علي الفور ليشبع جوعه، أدرك الشاب ما ه مقدم عليه، مرت عليه عدة أيام والالم يزداد، يداه ترتعشان وهو يدون ما يشعر به في مذكرته الصغيرة، وبعد فترة قصيرة شعر أنها النهاية، فامتدت أصابعة المرتعشة إلي القلم ليخط آخر سطر كتبه في مذكرته وتكون هذة النهاية، نهاية رحلة الهروب التي خرج فيها الشاب بحثاً عما ظنه معني السعادة، بينما كان يعيش هذة السعادة يومياً ولكن عقله انصرف عنها ولم يدركها حتي لحظة النهاية .. وكان آخر سطر كتبه الشاب : ” السعادة الحقيقية هي في مشاركة الحياة مع من حولك ” . ومات وحيداً مهاجراً نادماً متمنياً العودة إلي وطنه وسط اهله وعائلته واصدقائة ولو للحظات قليلة ليعانق احباءه، للأسف أدرك سعادته بعد نهاية المطاف .