قصة نجاح القائد مايكل كولنز

الكاتب: رامي -
قصة نجاح القائد مايكل كولنز
"نشأ مايكل كولنز أيرلندي الأصل ، في منزل بسيط لأب يعمل مزارعًا وأستاذًا لتدريس الرياضيات ، وكان والده قد توفى وهو بعمر سبع سنوات .

لم يكن هذا الأب هو العنصر المؤثر الوحيد في حياة كولنز ، بل كان كل من دينيس ليون أستاذه المقرب بالمدرسة ، وحداد القرية جيمس سانتري ، عمل كلاهما على تغذية مايكل بكراهية بريطانيا المحتلة لوطنه ، ونمى مايكل وهو يمني نفسه باستقلال أيرلندا من قبضة الاحتلال البريطاني .

أنهى كولنز تعليمه بسن الثانية عشر ، وكان قارئًا نهمًا لتاريخ وطنه وعمل كعضوًا ناشطًا في الحزب القومي الأيرلندي ، ثم انتقل إلى لندن وهو بسن الخامسة عشر من عمره ليعمل بها ، وينضم إلى تنظيم الإخوان الجمهوريين الأيرلنديين ، وعمل كولنز معهم بالسر ، وكانت أهدافهم هي تحقيق استقلال أيرلندا .

عاد كولنز إلى أيرلندا مرة أخرى ، ليشارك في ثورة عيد الفصح عام 1916م ، حيث كان مساعدًا لقائدالثورة جوزيف بلانكيت ، الذي تم إعدامه فيما بعد بينما اعتقل كولنز ضمن آلاف من المنتفضين آنذاك .

ودرس كولنز داخل المعتقل تاريخ أيرلندا الثوري ، وأخذ يحدد ماكمن الفشل في ثورتهم ، والثورات القديمة أيضًا ويضع نصب عينيه الاستراتيجيات العسكرية التي تتيح له القيام بانتفاضة أقوى من سابقتها عقب خروجه من المعتقل ، وتحقيق استقلال الدولة .

كان خطأ الانتفاضة الأخيرة هو غياب التنظيم بها ، لذلك عقب خروجه من معقله ، لعب كولنز على جانبين هما ؛ رصد الجماعات التي لها صدى قوي بالشارع ، مثل تنظيم الإخوان الجمهوريين الأيرلنديين ، ومنظمة المتطوعين الأيرلنديين ، وحزب شين فاين ، وانخرط كولنز داخل الكيانات الثلاث ، من أجل أخذ دورًا رئيسًا بهم والعمل على تعزيز العلاقات بينهم ، والعمل تحت هدف واحد.

والأمر الآخر ؛ هو انخراطه مع منظمة المساعدات الوطنية المدمجة التي وفرت الكثير من المساعدات المادية للأرامل ، والأيتام ممن تشردوا عقب الانتفاضة الأولى ، وذلك من أجل كسب هؤلاء في صفه ، حتى لا يسخطوا على الانتفاضة ولا ينضموا في صفها فيما بعد .

تدرج كولنز في عدد من المناصب عقب خروجه من المعتقل بثلاثة أشهر ، مما ساعده على توسيع نطاقات معارفه ، وأتاح له التأثير في علاقات تنظيم الإخوان الجمهوريين الأيرلنديين ، مع الكيانات الثورية الأخرى .

وكان من بين ما لفت نظر كولنز ، بشأن فشل الانتفاضات السابقة هو معرفة الجانب المستعمر كافة المعلومات حول تحركات الثوريين ، ونشاطهم بينما لا يعلم الطرف الثوري شيئًا بشأن المحتل ، ولذلك عمل كونلز على تبديل هذه المعادلة لصالح الثوريين ، حتى تنتصر ثورتهم .

قام كولنز بتأسيس أكبر شبكة استخباراتية في أيرلندا ، لالتقاط المعلومات بشأن الجانب البريطاني ، وكان له شبكة ضخمة للغاية من الجواسيس ، لدرجة أن القيادات الثورية كانت تتعقب ، وترصد العديد من الرسائل البريطانية شديدة السرية ، والموجهة إما لشرطة بأيرلندا أو شرطة دبلن العاصمة.

وهما الجهتان المنوط بهما حكم أيرلندا لخدمة البريطانيين ، فكان الجواسيس يلتقطون الرسائل قبل وصولها إلى وجهتها الأساسية ، ما فعله كولنز جعله مطلوبًا لدى السلطات البريطانية ، وعلى رأس القائمة أيضًا لمدة ثلاثة أعوام متتالية .

فاعتقلت السلطات البريطانية كافة أعضاء حزب الشين فاين ، ولكنهم لم يستطيعوا إلقاء القبض على كولنز ،  مما جعله أكثر إحكامًا لقبضته على الحركة الثورية التي كلفت بريطانيا الكثير فيما بعد .

من أجل أن يدخل كولنز مع البريطانيين في قتال مسلح ، كان عليه سد ثغرة الفشل في العمل الثوري ، لذلك قام بإعادة تشكيل التركيبة العسكرية كاملة ، فقسم الثوار إلى مجموعات صغيرة ومسلحة تسليحًا خفيفًا ، ولا يزيد أعداد الثوار في كل مجموعة عن ثلاثين ثائر ، يقومون بعمل هجمات على كمائن الجيش البريطاني أو مراكز الشرطة العسكرية .

ثم ينسحبون مخلفين وراءهم أكبر عدد من الخسائر ، ولعل هذا هو ما دفع الجانب البريطاني لغلق أقسام وثكنات الشرطة ، ونقلها إلى ثكنات أكبر وذات حراسات أشد ، كان كولنز أحد أشد كوابيس بريطانيا خلال فترة احتلالها لأيرلندا .

وكانت تكمن قوته في قدرته على التخطيط العسكري شديد الإتقان ، مما منحه قدرة أعلى على كيفية تعقب وملاحقة خصومه ببراعة ، ثم التخفي كما يحلو له نظرًا لاعتماده على سياسة النفس الطويل مع الخصم .

حاول الجانب البريطاني التخلص من كولنز مرات عديدة ، ولكنهم لم يستطيعوا وكانت شعبيته في ازدياد عندما يفر في كل مرة من الموت ، مما جعل الجانب البريطاني يشعر بأنهم يطاردون شبحًا ، وساعده على ذلك عدم وجود صورة واضحة له ، فكان يعبر بالكمائن كأي مواطن مسالم ، وقد يحصل على بعض المعلومات أيضًا من الجنود البريطانيين ، فصار بالنسبة لهم مجرد سراب .

بحلول عام 1921م قام الجيش الجمهوري بأكبر هجوم له ، نحو أحد مكاتب العاصمة دبلن ،وبالرغم من النتائج العنيفة لهذا الهجوم على الجانب الثوري الأيرلندي ، إلا أنه قد نجح في نسف المكتب تمامًا ، مما تسبب في هلع شديد للجانب البريطاني ، وأعلن الملك جورج الخامس عن استعداداه للتفاوض مع الثوار .

كان كولنز ضمن الوفد الذي ذهب لإجراء وتوقيع الهدنة مع الجانب البريطاني ، ولكنه كان يعلم بأنه يوقع شهادة وفاته ، لأن زملائه من الثوريين سوف يرفضون تلك المعاهدة ، وفاء لما سال من دماء وأزهق من أرواح ، حيث أصر الجانب البريطاني على تحرير 26 مقاطعة ، بينما يحتفظون لأنفسهم بـ 6 مقاطعات أيرلندية تحت حكم الاحتلال البريطاني .

ولكن كولنز نظر للأمر بأنه أكبر معجزة قد تتحقق للثوار ، وأن المقاطعات الست الأخرى يمكنهم تحريرها بالتبعية فيما بعد ، عقب استقلال العدد الأكبر من المقاطعات ، ووقع كولنز على المعاهدة إيمانًا بقيمة ما حدث ، في مواجهة تلك القوة العسكرية البريطانية .

وبحلول عام 1922م ، حدث ما توقعه كولنز حيث اندلعت الحرب الأهلية الأيرلندية التي قسمتالجيش الجمهوري إلى طرفين ، أحدهما مؤيد للمعاهدة والآخر رافضًا لها ، ولكن بالطبع أية حرب أهلية مهما كان نبل أهدافها إلا أنها لن تفلح .

وسوف يستفيد منها العدو ، وبالفعل هذا ما حدث ، حيث انطلق كولنز نحو المعسكر الرافض للمعاهدة وهو يعلم أنه معرض للاغتيال من جانبهم ، ولكنه أصر على الذهاب مطلقًا جملته الشهيرة ؛ أصدقائي وزملاء الكفاح لن يحاولوا قتلي ، ولكن للأسف هذا ما حدث وتم اغتيال كولنز بعد نصب كمينًا له ، أزاح أقوى معارض أيرلندي لبريطانيا بالقرن العشرين ، وانتهت قصة الأسطورة الجنرال مايكل كولنز ، صاحب العقل الأكثر ذكاء ودهاء وألمعية في تاريخ أيرلندا .

"
شارك المقالة:
55 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook