قصة نجاح بوبي فيشر

الكاتب: رامي -
قصة نجاح بوبي فيشر
"الحديث عن نجاح بعض الشخصيات سواء أكانت عالمية أم عربية ، هو شيء ملهم جدًا لمن أراد أن يحقق نجاحًا ملموسًا في شيء ما يحبه ويثير شغفه طوال الوقت ، حتى وإن كانت الظروف حوله غير ملائمة لتحقيق تلك الأهداف ، وإذا كنا نرغب بالنجاح حقًا فلابد لنا من استلهام النجاح من محاكاة تجارب من سبقونا ، والتعلم من كافة المتاعب التي خاضوها وواجهوها قبل أن يصلوا إلى تحقيق أحلامهم وأهدافهم .

وبوبي فيشر هو من أكثر الشخصيات نجاحًا ، فهو أعظم من تربع على عرش لعبة الشطرنج على مستوى العالم ، هذا الرجل الذي خاض على المستوى الشخصي معارك طويلة في حياته صنعت من عقليته موهبة فريدة ، استطاع من خلالها تنمية مهاراته في مواجهة خصومة على رقعة الشطرنج ، وكذلك على المستوى السياسي في الواقع أيضًا ؛ حيث عُرف عنه تقرّبه للشيوعية ومعاداته لأمريكا وإسرائيل.

بدايته :
وُلد بوبي عام 1943م بولاية إيلينوى في الولايات المتحدة الأمريكية ، كان فيشر في طفولته غير ملتزمبالدراسة ، وقد عانى كثيرًا خلال تلك الفترة ؛ نظرًا لأنه لم يكن تلميذًا نجيبًا يواظب مثل غيره من الأطفال على مراجعة دروسه وتجهيز الحلول التي تم تكليفه بها من قبل المعلمين بالمدرسة ، مثل غيره من أقرانه ، ولكن هذا لم يجعله يتعرض للإهانة من قبل والديه.

أظهر بوبي نبوغًا متميزًا في لعبة الشطرنج منذ نعومة أظفاره ، في مقابل إهماله لدروسه وقلة اهتمامه بها ، وعلى الرغم من أن لعبة الشطرنج هي مجرد لعبة ، لا قيمة لها في حياتنا سوى أنها تنمي المهارات ، والقدرات العقلية وتعمل على نضوج ذهن الطفل .

بل ويحتقرها البعض أحيانًا ، إلا أن السيدة ريجينا والدة بوبي لم تنظر إلى تلك اللعبة مثلنا ، بأنها تلك الأداة الشيطانية التي ستقضي على مستقبل طفلها ، بل بالعكس من ذلك تمامًا ، فقد احترمت والدة فيشر ميوله وقدراته وولعه الشديد نحو تلك اللعبة ، ولم تقتل تلك الموهبة بل ساعدته على تنميتها ، في شكل يلائم أسرتها وميزانيتها الخاصة ، وتخصصها.

كانت والدة بوبي فيشر امرأة مستنيرة ومثالية ، كان دافعها لحب العلم والمعرفة بوجه عام هو المحرك القوي لها خلالها حياتها العملية ، حيث تدرجت في مناصبها ووظائفها ، بداية من عملها كمعلمة في إحدى المدارس ، ثم انتقالها للعمل كممرضة ، ثم طبيبة ماهرة ومحترفة للغاية ، في فترة اشتعال الحرب العالمية الثانية وتناحر القوى العظمى بين معسكري الشرق والغرب .

ولكنها تجاوزت تلك العقبات والفقر وصمدت في مواجهة الحياة ، وتعلّمت أن ابنها موهوبًا فرأت أن تشجعه على تنميتها وألا تقتل مهاراته ، فقامت السيدة ريجينا بنشر إعلانًا في إحدى الصحف المحلية ، تبحث فيه عن شخص ما يشاطر ابنها لعبته المفضلة ، وكان هدفها من هذا الإعلان أمرين ؛ أولهما هو تنمية مهارات ابنها ، والآخر هو الحرص على هذا الطفل من الانعزال بعيدًا عن الآخرين.

تطوير مهارات وقناعات :
لم تفرض والدته عليه أن يهتم بالرياضيات فقط ليصير مهندسًا شهيرًا ، أو تطلب منه التميز بعلوم الأحياء ليصير طبيبًا بشريًا تتباهى به بين عائلتها ، وجيرانها بل أبدعت في إطلاق وتحرير قدراته المتميزة بالفعل ، لتشق عبقريته طريقها في لعبة الشطرنج تحديدًا .

ويقال أن والد فيشر هو أحد رجلين برعا في مجال الفيزياء ، منهما باول نيمني أو هانز فيشر غير هارد ، والذي أطلق على بوبي اسمه من خلاله ، وهذا قد يكون محل الدهشة لنا ، فإذا كانت الأم طبيبة ماهرة ، والأب فيزيائي متخصص وبارع في مجاله ، وتركا طفلهما تقوده لعبة الشطرنج التي برع فيها.

مع نضوج فيشر وتكون معتقداته وتوجهاته ، انسحب من إحدى المسابقات التي لم تبالي بمعتقداته تلك ، خاصة مع تهاون المنظمين للحدث بها ، حيث أراد بوبي ألا يلعب أيام السبت من كل أسبوع ولكن مع الضغوط الشديدة ، قرر بوبي الانسحاب بهدوء من المسابقة بلا تردد.

فبوبي فيشر لم يكن يكره سوى السياسة وممارساتها المتعصبة ، حيث هاجرت أسرته عدة مرات من دولة إلى أخرى ، مما منع بوبي من المشاركة في العديد من المسابقات الدولية ، ووضعته تحت المراقبة المستمرة ، حتى وصل الأمر في إحدى المرات بالتهديد بالقتل أو الاعتقال .

حيث تم منعه من المشاركة في المسابقات التي عُقدت في بعض البلدان التي كانت تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية من بقايا الاتحاد السوفيتي ، فامتدت الأيادي لتمنع فيشر من المشاركة ولم يسلم من المكائد التي كان تحاك ضده.

عمل بوبي على نفسه في اللعبة المحببة إلى نفسه كثيرًا ، وأصبح يتعامل بأساليب أكثر تطورًا وحنكة ، وأخذ يتمرن نفسيًا وذهنيًا كثيرًا على لعبته ، حتى صار ساحقًا لأكبر منافسيه في هذا الوسط .

كما ذكرنا ، لم يكن لدى بوبي الكثير من الأصدقاء ، وبالتالي مع تقدمه وتطويره لملكاته الذهنية أصيب بوبي ببعض الأمراض النفسية مثل البارانويا والشيزوفرينا ، وكان يتقدم على مهل نحو حافة الجنون !

سلسلة نجاح وهزيمة واحدة :
بحلول عام 1972م تشاطر بوبي اللعب مع منافسه تايمنوف Taimanov القادم من الاتحاد السوفيتي ، وقام بهزيمته 6/0 في أول مباراه مدهشة يقوم بها بوبي ضده ، تلاها منافسة مع لارسونLarson أفضل لاعب بالعالم وهزمه بوبي 6/0 أيضًا ، ثم مباراة ومنافسة جديدة مع بتروشن اللاعب القوي ، ولكن بوبي حطمه مثل من سبقوه.

عملت تلك السلسلة من الانتصارات على انتقال بوبي للعب مع بوريس سباسكي  Boris Spassky وهو لاعب سوفيتي قوي ، توفر له الدعم والتدريب والمال  ، وكافة ما حُرم منه بوبي ، وكانت آيسلندا هي من تستضيف هذا اللقاء الحصري ، وعرضت الدولة مبلغ 125 ألف دولار ، ولكن بوبي رفضتوقيع التعاقد وانسحب من المباراة ، وعندما وصل إلى المطار أبلغ محاميه أنه سوف ينسحب لأنه لا يرغب بوجود كاميرات وإعلام ، وفر هاربًا نحو المطار مرة أخرى.

قبع بوبي في أمريكا ، إلى أن دفع ثري بريطاني المبلغ الذي طلبه بوبي من أجل أن يراه الرجل وهو يلعب ، وبالفعل سافر بوبي إلى آيسلندا وتحكم مرة أخرى في شروط القاعة ، وتم تحقيق ما أراد ، وبدأ اللعب ولكنه توتر كثيرًا واتخذ خطوة جعلته ينهزم في مباراته.

بعد خسارته اشترط بوبي أن يلعب مرة أخرى مع منافسه سباسيكي في غرفة داخلية ، ولا يوجد بها سوى كاميرا واحدة لا تصدر صوتًا ، ولكن الآيسلنديين رفضوا شروطه ، فانسحب بوبي مرة أخرى ، ولكن سباسيكي أراد النصر بجهده فوافق على شروط بوبي ولعبا مباراه جديدة انتصر فيها بوبي 2/1.

بوبي فيشر وخطاب الحكومة الأمريكية :
ذهب بوبي بعد الانتصار على خصمه ليرى حبيبته ، فوجدها قد هجرته إلى حبيب آخر ، وزاد هذا الأمر من عزلته واضطراباته النفسية فقد كانت تلكا لفتاة هي حبيبته الوحيدة على مدار حياته ، وخلال اثني عشر عامًا ارتحل فيها بوبي بين الدول الأوروبية وآسيا ، لم يلحق بوبي بجنازة أمه عام 1997م.

مما أثر عليه كثيرًا ، وأصبح معاديًا للولايات المتحدة الأمريكية واليهود ، وسب جورج بوش بألفاظ سيئة على راديو الفلبين ، ووصف اليهود بأنهم مغتصبون للأراضي الفلسطينية ، فعلى الرغم من أن والديه يدينان باليهودية وقد ولد هو في أمريكا ، إلا أنه لم يعتبر نفسه يهوديًا قط.

القبض على بوبي فيشر في اليابان :
تم إلقاء القبض علبى فيش رف ياليابان بدعوى أنه يحمل جواز سفر غير صالح ، فقد ألغت أمريكا جنسيته وجواز سفره عقب لقائه على راديو الفلبين وسبه لأمريكا ، وتم احتجازه باليابان تسعة أشهر حتى أنقذته آيسلندا ومنحته جنسيتها ، وخرج بوبي حزينًا على ما حدث له ، وعقد مؤتمرًا صحفيًا توجه من خلاله بكلمة للسلطة الأمريكية بألا يتعرضوا بالإساءة لشقيقته.

النهاية :
رحل بوبي فيشر عن عالمنا في عام 2008م ، حيث توفى إثر إصابته بفشل كلوي في مشفى مدينةريكيافيك ، حيث أصيب بانسداد في المسالك البولية ولكنه رفض العلاج أو الخضوع لعملية جراحية.

ودفن فيشر في كنيسة تبعد عن مدينة ريكيافيك بحوالي ستون كيلو مترًا ، ولم يحضر الجنازة سوى حبيبته اليابانية ميوكو واتاي وفقًا لوصيته ، وصديقه الوحيد جارور وبعض أفراد عائلته أيضًا.

"
شارك المقالة:
68 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook