قصة وعد الحر دين عليه

الكاتب: رامي -
قصة وعد الحر دين عليه
في أحد أيام صيف عام 1693م ، كان السير تريسترام الشاب ، قد عاد لتوه من جولة بالخيول خارجقصره الضخم ، الذي يقبع في أيرلندا وبسؤاله عن زوجته ، علم أنها في غرفتها لم تخرج طوال اليوم ، فصعد لرؤيتها ليعلم ما حل بها ، وهاله ما رآه من شحوب على وجهها ، فركض إليها مسرعًا ليسألها عما حل بها .

فأجابته وهي مرهقة أن لا شيء ، فألح عليها بالسؤال فأجابته أن اللورد تايرون ، الذي وُلد وتربى معها مثل توءمها ، قد مات يوم الأربعاء الماضي الساعة الرابعة عصرًا ، فربت على كتفيها وسألها من أين علمت ، فنظرت شاردة وأخبرته أنها تشعر بذلك فقط ، ولكنها متأكدة مما قالت ، فهما بمثابة التوءم منذ الصغر .

فهدأ زوجها من روعها وسألها عن هذا الرباط الأسود ، حول معصمها فأجابته أنها لن تخلع هذا الشريط طول حياتها قط ، وطلبت منه ألا يسألها عنه مرة أخرى ، فوافقها وحاول أن يخرجها لتمتطي خيلاً معه ، فأجابته أنها حاملاً فتهلل وجه السير فرحًا ، وصاح بالخدم أن السيدة ، لن تخرج وسوف يكونوا في خدمتها طيلة الأشهر القادمة .

فهم ينتظرون ولي العهد ، فقالت له زوجته أنها حامل بذكر ، فاندهش السير وارتبك قليلاً ، وخرج بعدها متهلل الوجه فرحًا بتلك البشارة ، ليأتيه أحد الخدم حاملاً رسالة ، من قصر اللورد تايرون في لندن ، وما أن قرأها السير تريسترام حتى شحب وجهه ، فالرسالة كان فحواها أن اللورد قد مات ، الأربعاء الماضي وفي الساعة الرابعة عصرًا !

طوى السير الرسالة وكأنه لم يرها ، وذهب لمتابعة أعماله والاستمتاع بخبر حمل زوجته ، السيدة نيكولا ، أنجبت السيدة نيكولا طفلاً ذكرًا ، وأسماه زوجها ماركوس ، وعقب مرور ستة أعوام فقط توفى السير ترسترام ، فاعتزلت السيدة نيكولا الناس جميعًا ، وجلست في قصرها متغرفة لرعاية طفلها ، على الرغم من جمالها الأخاذ وأنها كانت في ريعان شبابها ، حين صارت أرملة ولديها الكثير من الخاطبين ، ولكنها فضلت حياة العزلة كثيرًا .

حتى الكنيسة لم تعد تذهب إليها ، أو تحضر الصلوات بها ، ولكن فجأة بدأت السيدة نيكولا في الخروج ، والذهاب إلى الكنيسة لتأدية الصلوات ، وحضور الشعائر الدينية ، ومن ثم العودة إلى قصرها ، وبالطبع امرأة بهذا الجمال والثراء ، تهافت الجميع على طلب الزواج منها ، إلا أنها كانت ترفض رفضًا قاطعًا ، حتى مال قلبها إلى أحد الأشخاص ، وكان يصغرها بأربعة أعوام .

ولكنهما أحبا بعضهما البعض من النظرة الأولى ، وتزوجا ولكنها أدركت سوء اختيارها ، فقد أذاقها كافة ألوان العذاب ، حتى جاء اليوم الذي أنجبت فيه ابنتها فتحولت الحياة تمامًا ، وصار زوجها لطيفًا للغاية ويغدقها الحب من حيث لا تحتسب ، ومرت السنون في هدوء .

أتمت السيدة نيكولا عامها الحادي والخمسين ، وفي هذا اليوم علمت أنها حاملاً ، فأرادت أن تحتفل بتلك المناسبة السعيدة هي وزوجها ، فقد كانا في غاية السعادة ، وبدأت السيدة نيكولا  بالفعل في إعداد القصر وتجهيزه ، من أجل الاحتفال ودعت كل من تعرفهم وأرسلت لابنها ماركوس ، في لندن من أجل الحضور ، وبدأ لجميع يلاحظون أنها مثل فتاة شابة ، في الثلاثينات من عمرها ، وفي قمة ريعان شبابها ، وهي تتبختر هنا وهناك بين ضيوفها ، وحتى كبير الأساقفة كان قد حضر ، تلبية لدعوتها الكريمة .

دخل إليها كبير الأساقفة ليباركها ، فنهضت لتسلم عليه فأخبرها أنها مازالت شابة ، فضحكت وأجابته أنه يجاملها ، فقال لها من يراك حقًا لا يظن أنك قد أتممت لتوك عامك الخمسين ، فأجابته ضاحكة بل الحادية والخمسين يا أبتاه ، فأجباها لا الخمسين يا ابنتي فأنا من حضر تعميدك ، فاضطربت السيدة نيكولا .

وأجابته ألم أولد مع اللورد تايرون بنفس العام ، فأجابها الرجل لا يا ابنتي ، ولدتي بعده بعام واحد فقط ، فانهارت السيدة نيكولا فجأة ، وقالت له إذًا فاليوم هو موعد وفاتي ، اتسعت عينا الرجل دهشة ، فأخبرته أن ينادي أبنائها جميعًا وسوف تروي لهم سرها الكبير .

دخل الأبناء جميعًا برفقة كبير الأساقفة ، فقالت السيدة نيكولا تعلمون جميعًا أنني قد تربيت برفقة اللورد تايرون ، منذ الصغر وكان هو بمثابة شقيقي وتوءمي ، وكان يأتينا مدرس لتعليمنا ، وكان هو أستاذًا بالفلسفة ، وكان هذا الرجل لا يؤمن بوجود الله ، وكل أفكاره تدور حول ، أننا مثل الحيوانات سوف ننفق هكذا ، وندفن ولا وجود لحساب أو إله ، ولا قيامة أو جنة أو نار ، كنا صغارًا ولكن فطرتنا جعلتنا ، نصلي في الخلوات بعيدًا عنه ، وتعاهدنا في أحد الأيام ، أن من يمت منا قبل الآخر ، يأتي إليه ويخبره عما وجده .

وفي أحد الأيام كنت نائمة في غرفتي ، وفجأة لمحت شخصًا يقف إلى جوار فراشي ، فنظرت له فإذا به اللورد تايرون ، فنهضت وسألته كيف أتى إلى هنا! فأجانبي وهو مبتسم ، عزيزتي لقد مت يوم الأربعاء في الرابعة عصرًا ، ووجدت أن كل ما أخبرنا به أستاذ الفلسفة غير حقيقي ، فعقب الموت توجد حياة ثانية ، ولكنها أكثر جمالاً وراحة من الحالية ، فأجابته وكيف لي أن أعلم بأنني لا أحلم ، أجابها تايرون أنت الآن حاملاً .

وسوف تنجبين ذكرًا ويسميه زوجك ماركوس ، وأنت ستغضبين من هذا لأنك أردت تسميته باسمي ، تايرون وعقب ستة أعوام سوف يموت زوجك ، وسوف تتزوجين بعد ذلك من شاب يصغرك ببضعة أعوام ، وسوف تذوقين معه القليل من العذاب ، إلى أن تنجبين له ابنتك ، وسوف تموتين عند بلوغك الخمسين من العمر وأنت حاملاً .

فأجابته ما الدليل أنني لا أحلم قال لها سوف أثني حديد النافذة ، فقالت له بعض النائمون قد يفعلون خوارق أثناء نومهم ، فأجابها حسنًا سوف أترك علامة على معصمك ، ولكن احذري أن يراها أحدهم ، ولمس معصمها فترك أصابعه علامة .

نهضت نيكولا من فراشها ، لتجد حديد النافذة قد تم ثنيه وعليه شريط أسود ، وضعته حول معصمها لإخفاء أثر أصابع اللورد تايرون ، وقالت نيكولا لأبنائها بالفعل أنجبت ابني ماركوس ، وبعدها بستة أعوام توفى زوجي ، فهلعت أن النبوءة تتحقق ، فاعتزلت الناس خشية الزواج واستكمال الطريق ، ولكن لا مفر من القدر لمت نفسي أنني مقصرة في الصلوات ، وما أن ذهبت للكنيسة حتى قابلت زوجي ، ومن أجل ألا تتحقق النبوءة كنت أمتنع عنه .

فظن أنني على علاقة بآخر وهددني بالفضيحة ، فانصعت له وأنجبت ابنتي وأنا هلعة ، النبوءة تسير بطريقها ، وكنت أظن أنني قد أتممت الخمسين منذ عام ، ولم يحدث شيء حتى علمت الآن ، أنني أواجه الموت حقًا ، فأجهش أبنائها بالبكاء وأخبروها أن تقضي يومها كما أعدته ، فقالت لهم لقد كنت أحتفل بيوم وفاتي ، وطلبت منهم أن تحضر خادمتها بعد خروجهم من غرفتها ، فنادوها وخرجوا وهم يفكرون في إبلاغ الضيوف ، بأن ولدتهم تعرضت لوعكة صحية فقط ، ولكن صرخة الخادمة أنهت كل شيء .

شارك المقالة:
109 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook