قصة ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله

الكاتب: رامي -
قصة ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله
يُحكى أن ملكًا من الملوك العظام رق قلبه لطفل يتيم التقطه بعض خدمه ، فأمر بتربيته وضمه إلى أهل بيته ، واختار له اسمًا كي ينادونه به سماه أحمد اليتيم ، كان أحمد طفلًا فطنًا ظهرت عليه أمارات النجابة والذكاء منذ حداثة سنه ، فعلمه الملك واعتنى به لما رآه فيه من أمارات الملوك .

ولما دنى أجل الملك الكريم أوصى بأحمد إلى ابنه وولي عهده من بعده ، وطلب منه أن يتخذه رجلًا من رجاله وأخذ عليه عهد بذلك ، فامتثل الأمير لأمر أبيه الملك ولما مات الملك تولى الأمير العرش وصار هو الملك الجديد ، ففعل بنصيحة أبيه وقرب أحمد اليتيم منه واصطفاه على غيره من رجال الحاشية .

كان خادمًا وفيًا وأمينًا للملك لذا قدمه في أعماله وصار له كلمة على كل حاشية الأمير ، كما أوكل له بالتصرف في شئون القصر لما رأه فيه من حسن التفكير وجودة التدبير ، وفي أحد الأيام طلب الملك من أحمد أن يحضر شيئًا من بعض حجرته الخاصة وأثناء مروره باتجاهها سمع صوتًا ما .

فنظر ليتبين الأمر فإذا بجارية من جواري الملك المقربة تزني وتفسق مع خادم له ، فتوسلت إليه الجارية أن يكتم الخبر ولا يبوح بما رأى ، وحاولت أن تراوده عن نفسه حتى تضمن صمته وعدم إفشاءه لما رأى ، ولكنه رفض أن يزني بها وقال لها : اتقي الله يا جارية كيف أغضب الله وأسيء لمن أحسن إليّ !

وبعدها هم أحمد بالانصراف وترك الجارية خلفه على أن يكتم السر ، ولكن الجارية اللعوب خافت أن يفشي أحمد سرها إلى الملك فيأمر بقطع رأسها ، لذا وضعت خطة للإيقاع بأحمد فلما حضر الملك إلى قصره ذهبت إليه وهي تبكي وتشكي مما فعله بها ذلك الشاب الذي رعاه الملك وقربه منه ، وقصت عليه أن أحمد اليتيم راودها عن نفسها وحاول قهرها على ذلك حتى ترضخ .

فلما سمع الملك بذلك غضب أشد الغضب فكيف يتجرأ أحد خدمه على المساس بنسوته ، وبعدها قرر الملك قتله في الخفاء حتى لا يعلم بنية الملك ويفكر في الهرب ولأن كل من في المملكة كان يحبه أيضًا وموته إن ذاع كان سيشكل جلبةً كبيرةً .

لذا أرسل الأمير في طلب كبير خدمه وقال له : إن بعثت إليك برسول يطلب منك طبق به كذا وكذا اقطع رأسه وضعها في الطبق ثم ابعث بها إليّ ، فامتثل الخادم لأمر الملك وقال له سمعًا وطاعة يا مولاي ، وفي اليوم التالي استدعى الملك أحمد اليتيم وأمره أن يذهب إلى الكبير الخدم ويطلب منه طبق به كذا وكذا .

فامتثل أحمد لأمر الملك وذهب إلى كبير الخدم ولكنه في الطريق وجد بعض الخدم وهم متخاصمون وطلبوا منه أن يحكم بينهم في الأمر ، فاعتذر منهم وأخبرهم أنه مكلف من قبل الملك بقضاء عملٍ ما ، فقالوا له فلتحكم بيننا ونبعث فلانًا الخادم يقضي الأمر عنك حتى تفصل في شأننا .

فأجابهم الشاب الأمين إلى ما طلبوه فأرسلوا منهم واحدًا كان هو نفسه الشاب الذي رآه أحمد يزني بالجارية ، فلما وصل الخادم إلى كبير الخدم طلب منه الطبق الذي أمر به الملك ، فأخذه كبير الخدم إلى المكان الذي كان قد أعده ، وقطع رأسه على فجأة ثم وضعها في الطبق وغطاها كي يقدمها إلى الملك .

فلما نظر الملك إلى الطبق وجد به رأسٍ غير رأس أحمد فتعجب من الأمر وأرسل في طلبه ، ولما امتثل أحمد اليتيم بين يديه سأله عما فعله حينما أرسله إلى كبير الخدم ، فقص عليه أحمد ما جرى فقال الملك : أتعرف لهذا الخادم ذنبًا ؟ فقال أحمد نعم يا مولاي لقد رأيته مع الجارية وقد سألاني أن أكتم الخبر .

فلما سمع الملك بذلك أمر بقطع رأس الجارية وحمد الله على أنه لم يحدث مكروه لخادمه الأمين أحمد اليتيم ، وعاد لما كان عليه من محبة الفتى وأكرمه وجزل له العطايا ، وكانت تلك هي مكافأة الوفاء ونهاية الخيانة فلا يحيق المكر السيئ إلا بأهله .

شارك المقالة:
83 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook