قصـــة قارون (الجزء الثاني)

الكاتب: ولاء الحمود -
قصـــة قارون (الجزء الثاني)

قصـــة قارون (الجزء الثاني).

 

تناول الناس في كافة الأرجاء الأحاديث حول عودة موسى عليه السلام من أرض مدين ورؤيته لربه في جبل الطور، وعلى الفور استدعى فرعون قارون ليتناقشا في أمر ابن عمه الذي ذهب إليه مدعيا وجود إله غيره، فرد عليه قارون بأن يتركه يفعل ما يفعل فلن ينساق إليه القوم؛ ولكن رد عليه فرعون بأن هذه المرة تختلف عن غيرها حيث أن موسى أخرج يده من جيبه فإذا هي بيضاء لامعة كأنه أحضر الشمس والقمر بيده إلى القاعة، علاوة على عصاه التي ألقاها على الأرض فتمثلت ثعبانا مبينا يخافه كل الناظرين، لكن قارون أخذ يضحك بجهله وغروره على أفعال موسى عليه السلام واتهمه بأنه ساحر مبين وأن كل ما فعله إنما هو من عمل السحر، ” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ، إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ”.

 

عمد فرعون إلى أمر وزيره هامان وكل جنوده بإرسال دعوة في طلب كل ساحر في البلاد استعدادا ليوم الزينة، ولكن كانت المشكلة في أن السحرة طلبوا نصف أجرهم قبل اليوم المشهود، وعندما أعلم هامان فرعون بعدم قدرتهم على الدفع أمر فرعون بإحضار قارون إلى قصره على الفور، وأخبره بأنه يعلم بثرائه الفاحش وأنه أغنى القوم لذلك فهو يريد منه عشرة آلاف قطعة ذهبية مقابل ما يريد، فرح قارون بعرض فرعون وانتهزها فرصة فطلب مقابل النقود كل الأرض الخصبة الواقعة غرب منف، تردد فرعون ولكن قارون له أساليبه الخاصة حيث أقنع فرعون بأن قطعة الأرض هذه لن تساوي شيئا مقابل فضيحة موسى أمام كل القوم، فوافق فرعون على طلبه وكان اللقاء بين موسى والسحرة.

 

اجتمع كل القوم لمشاهدة الحدث العظيم، فجاء فرعون وعلى يمينه وزيه هامان وعلى يساره قارون وكل السحرة يمنون أنفسهم بالجزاء العظيم الذي وعدهم به فرعون إن هزموا موسى وأذلوه أمام كل القوم؛ ولكن ما إن ألقى موسى عصاه حتى لقفت كل عصي السحرة، وقع السحرة ساجدين مؤمنين بأن لا إله إلا رب موسى وهارون، استشاط فرعون عليهم غضبا وأمر بتعذيبهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وصلبوا في جزوع النخل، ولم يستكفِ فرعون بهذا القدر فقط بل أمر بذبح أبنائهم واستحياء نسائهم على أمل منه بأن يعودوا إلي دينه، ولكنهم رجوا من الله أن يكفر عنهم سيئاتهم ويدخلهم جنات النعيم جزاء بما صبروا على ظلم وجبروت فرعون وتعذيبه لهم.

 

آمن مع موسى أناس كثيرون من القوم بعدما أيقنوا أن رب موسى هو رب العالمين، عمد فرعون إلى تنفيذ خطة محكمة حتى لا يؤمن بموسى ما تبقى من قومه، ذهب إلى قصر قارون وطلب منه طلبا لن يكلفه شيئا، طلب منه أن يخرج إلى القوم بأبهى زينته حتى ينشغل الناس بماله وثروته الطائلة ويتناسون قصة موسى وعصاه بالتحدث عن قارون وأمواله الطائلة التي لا حصر لها؛ وبالفعل تهيأ قارون وركب في عربته المصنوعة من الذهب الخالص ومن خلفه عصبة من الرجال الأشداء يحملون مفاتيح خزائنه والمصنوعة من الذهب الخالص أيضا.

 

لقد أراد فرعون أن يجعل من قارون الغني مثلا يحتذي به القوم بدلا من موسى الفقير ولكنه يجهل أنهم يرون فيه خلاصهم ونجاتهم من الظلم؛ وبالفعل فقارون الغني كل من رآه تمنى أن يكون مثله، وانشغل الناس بالحديث عن موكب قارون وماله وحظه الوفير من الدنيا؛ واستغل فرعون عنصر الوقت جيدا فأعد جيوشه وعدته للقضاء على موسى وأتباعه.

 

أرسل موسى البعض من أتباعه من آمنوا به إلى قارون حتى ينصحوه بألا يغتر بماله الزائل وأن يبتغي فيما أتاه الله الدار الآخرة وأيضا لا ينسى نصيبه من الدنيا، وأن يحسن إلى الفقراء والمحتاجين كما أحسن الله إليه؛ وأمروه بأن يكف فساده في الأرض فالله سبحانه وتعالى أنعم عليه بالثراء الفاحش وناظر ماذا يفعل به في الدنيا ليجازيه به في الآخرة؛ ولكن قارون تكبر وبغى وأنكر فضل الله عليه وأرجع كل النعم التي هو فيها ونسبها إلى ذكائه وعلمه وقدرته.

 

قال تعالى في كتابه العزيز: ” إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ، وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ”.

 

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــع

شارك المقالة:
181 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook