قصيدة أَنَهارَنا في غابِ كَسكاتينا الشاعر أبو الفضل الوليد

الكاتب: رامي -
 قصيدة أَنَهارَنا في غابِ كَسكاتينا الشاعر أبو الفضل الوليد
أَنَهارَنا في غابِ كَسكاتينا


من لي بنزعِكَ من حَشى ماضينا


لما جَنَحتَ أمامَ أجنِحةِ الدُّجى


كنّا بلذّاتِ الهوى لاهينا


فسرقتَ منّا زَفرتينِ وقبلةً


وتركتَنا في الظلِّ مُعتنقينا


ودَّعتَنا بأشعةٍ مُصفرَّةٍ


قد صفَّرت لي وجنةً وجبينا


سرعانَ ما مرَّت دقائقُكَ التي


كانت حقائقَ تنجلي ويَقينا


أجبالَ تَيجوكا عليكِ تحيّةٌ


فيها دموعُ أحبةٍ نائينا


هذي التحيةُ صيحةٌ أبديَّةٌ


في ذلكَ الوادي ترنُّ رنينا


بنتَ النَّعيمِ مع النَّسيمِ هبي لنا


في ذا الجحيمِ تحيَّةً تحيينا


إن لاحَ في المرآةِ رسمُ كهولتي


في مائكِ الصّافي أَرى العشرينا


لما رأيتُكِ بعدَ تسعة أشهرٍ


عادَ الهوى فذكرتُ ألِبرتينا


تلك المليحةُ من فؤادي أخرجت


ما عطّرَ الوادي وكان دفينا


كانت كعودٍ في يديَّ وزهرةٍ


فنَشقتُ ريّا واسَّمعتُ أَنينا


واليومَ عدتُ إليك بعدَ فراقها


أُعطيكِ من قلبي الذي تُعطينا


هَل أنتِ راويةٌ حديثَ غرامِنا


إذ بتُّ أمزجُ بالعيونِ عيونا


فأقولُ هذا الحبُّ علَّمني التُّقى


فكأنّه آياتُ أفلاطونا


أطلقتُ قلبي للهواءِ وللهَوى


فتعلّمَ التَّحليقَ والتلحينا


خَفقُ الجناحِ على الرياحِ يشوقُه


ولطالما رقَبَ الصَّباحَ حزينا


فلكلِّ عصفورٍ جناحٌ خافقٌ


فيه وتغريدٌ له يُبكينا


هلاّ بسمت إذا لثمت قرنفلاً


في رَوضِ خَدّكِ جاور النّسرينا


كم لثمة تُغني الفقيرَ وبسمةٍ


تهدي الضَّليلَ وتُطلقُ المسجونا


فتقولُ لي أنتَ الصّبا وأنا الشّذا


فخُذِ الأريجَ وأعطني التلوينا


دَعني على غُصني النضيرِ وشمَّني


وإِلى الأزاهِرِ لا تمدَّ يمينا


ولئن رأيتَ على طريقكَ زهرة


فاعقل ولا تكُ عاشقاً مفتونا


ولربما حلَّ الذبولُ بها فقل


ما كانَ أشقى قَلبَها المَغبونا


فذبولها من لامسٍ أو قاطفٍ


ما أشبه الجانينَ بالجانينا


تيجوكَ يا بنتَ السحائبِ أمّني


قلبي فقَلبي يطلبُ التأمينا


وهبي لهُ من عمقِ قلبكِ نفحةً


يَنسى بها الأشراك والسكّينا


كم فيكِ عصفوراً ينقِّر آمناً


حَبّاً ويملك وكنه وغصونا


وأنا بلا وكرٍ ولا غصنٍ ألا


تهِبينَ لي مما لهُ تهِبينا


شمسي معلّقةٌ وليلي مُغلَقٌ


ودقايقي طالت عليَّ سنينا


وربيعُ عمري في البعادِ خريفُهُ


واحسرتاه لقد فَقَدتُ ثمينا


فأنا من الإهمالِ وَردٌ ذابلٌ


لكنَّ عَرفي لم يزل مخزونا


ولكم رأيتُ الشَّوكَ حولي نامياً


فرحمتُ بهلولاً غداً مسكينا


هذا نصيبي زَهرتي في كمّها


تَذوي وتأميلي يموتُ جنينا


فإذا زرعتُ رأيتُ غَيري حاصداً


وإذا سمحتُ له يصيرُ ضنينا


لا خيرَ في الخيرِ الذي يُشقِي الفَتى


فَعَن المذلّةِ حرصنا يغنينا


نفسي تحنُّ إلى السكينة بعدَ ما


رأت المدائن والقصورَ سُجونا


والناسُ فيها كالوحوشِ فليتَ لي


مأوَىً على تِلكَ الصخورِ أمينا


أبداً تُرَفرِفُ لا على أفواههم


فكأنهم وُلدوا لها هاوينا


وقلوبُهم مما غدوا عبَّادُه


لا تَقبَلُ التأثيرَ والتليينا


عبدوا معادنَ أفسدت أخلاقهم


فرأيتُهم غاوينَ مُستَغوينا


كم ذقتُ منهم لوعة فتفطّرت


كبدي ولم أرَ في الخطوبِ مُعينا


فَفَتَحتُ جرحي تارةً وضمَدتُه


طوراً وسالَ دمي ودمعي حينا


ومحاسني وفضائلي وقصائدي


عن صفرةِ الدّينارِ لا يُغنينا


ألأجل قطعة معدن تنتابُها


أيدي بَغيَّاتٍ وسكِّيرينا


تتألَّمُ النفسُ التي نجماتُها


قد زَيَّنَت فلكَ العلى تزيينا


أجلافُنا اقتسموا الخلاعةَ والغِنى


وتسوَّلَ الأشرافُ مضطرّينا


من يُعطِ لا يوهَب ومن يمنَع يَنَل


كن مؤمناً بالله واشبع دِينا


وإذا رأيتَ اليأس يحملُ خنجراً


لا تعذلِ الزّنديق والمجنونا


الفقرُ أصلُ الشرّ والكفرُ الذي


في اليأسِ مزّقَ سترَ علّيّينا


من للفضيلة إن تخرَّ صريعةً


وتُجَرَّع الزقُّومَ والغِسلينا


إني رأيتُ اللهَ عنها لاهياً


والناس ما بَرحوا لها ناسينا


إنّ العواطفَ كالعواصفِ في الحشى


فاسأل عَنِ البحرِ الخضمِّ سفينا


أَمَلٌ على ألم حياتي كلُّها


وأرى الذي يُودي بنا يُحيينا


تيجوكَ يا أُمّي الحنون وأمتي


فيكِ الطبيعةُ ترحَمُ التَّعِسينا


فلقد رأيتُكِ في الصّباحِ صبيةً


للظلّ والأنوارِ تَبتَسمينا


وعليكِ ثوبُ الملكِ أخضرُ مُزهِرٌ


وشَّاهُ نورُ الشمسِ لا أيدينا


ومن الغمامِ على المحيّا بُرقُعٌ


فعشقتُ فيكِ الحسنَ لا التحسينا


وأعَدتِ لي وأعدتِ لي أُغنيَّةً


فيها أرى الفردوسَ والتكوينا


ولقد رأيتُكِ في المساءِ تقيّة


عهدَ الصِّبا والحبّ تذَّكرينا


وعليكِ ثوبُ النسكِ تحتَ سوادهِ


تخفينَ أسراراً وتنتحبينا


وعلى جبينِك تاجُ نجمٍ ساطعٍ


بضيائهِ وبهائهِ يَهدينا


والرّيحُ تزفرُ في خمائلَ غَضّةٍ


بزلالِها وظلالِها تشفينا


كم أعبدُ البدرَ المطلَّ على ذُرى


تلكَ الجبالِ وأحسدُ الشاهينا


ما ألطفَ النوحاتِ في الدوحاتِ ما


أبهاكَ يا شلاّلَ كسكاتينا


مُتَحدِّراً مُتَكَسِّراً مُتنثِّراً


في الحوضِ والروضِ الكثيفِ يقينا


وخَريرُهُ وزَفيرُهُ وصفيرُهُ


وعبيرُهُ آلامَنا تُنسينا


فكأنه حرسٌ تجمَّعَ حَولنا


لكنَّه حرسٌ يَظلُّ أمينا


تيجوكَ في البَلوى جَنَيتِ على فتى


ما زالَ حنَّاناً إليكِ حنينا


يشكو مع الشّاكينَ في ليلِ النَّوى


ومن الهوى يَبكي معَ الباكينا
شارك المقالة:
103 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook