قصيدة ماذا تريد من الدنيا تعانيها الشاعر أبو مسلم البهلاني

الكاتب: رامي -
قصيدة ماذا تريد من الدنيا تعانيها الشاعر أبو مسلم البهلاني
ماذا تريد من الدنيا تعانيها


أما ترى كيف تفنيها عواديها


غداوة ما وفت عهداً وإن وعدت


خانت وإن سالمت فالحرب توريها


ما خالصتك وإن لانت ملامسها


ولا اطمأن إلى صدق مصافيها


سحر ومكر وأحزان نضارتها


فاحذر إذا خالست مكراً وتمويها


وانفر فديتك عنها أنها فتن


وإن دعتك وإن زانت دعاويها


كذابة في دعاويها منافقة


والشاهدات على قولي معانيها


تريك حسناً وتحت الحسن مهلكة


يا عاشقيها أما بانت مساويها


نسعى إليها على علم بسيرتها


ونستقر وإن ساءت مساعيها


أم عقوق وبئس الأم تحضننا


على غذاء سموم من أفاعيها


بئس القرار ولا ننفك نألفها


ما أعجب النفس تهوى من يعاديها


تنافس الناس فيها وهي ساحرة


بهم وهمهم أن يهلكوا فيها


يجنون منها على مقدار شهوتهم


وما جنوه ذعاف من مجانيها


من الذي لم ترعه من طوارقها


وأي نفس من البلوى تفاديها


كل البرية موتور لما فتكت


لا ثار يؤخذ لا أنصار تكفيها


تروعهم روعة للحسن مدهشة


وهي الحبائل تبديها وتخفيها


ما أغفل الناس فيها عن معائبها


وإنما راقهم منها ملاهيها


وللبصائر حكم في تقلبها


بأن عيشتها فيها سترديها


غول تغول أشكالاً حقيقتها


مكراً ولا يرعوي عنها مدانيها


نجري إلى غاية فيها فتصرعنا


لا بد من صرع جار في مجاريها


وإن داراً إلى حد نصاحبها


من أحزم الأمر إنا لا نصافيها


أنيَّ نصافي التي آباءنا طحنت


والآن تطحننا الانياب في فيها


أنستقر على لهو بلا ثقة


ولا أمان ولا نفس تعافيها


ما سالمت من نأى عنها وحاربها


ولا تسالم قطعاً من يداجيها


لا ترحم الطفل تردى عنه والده


ولا الثكالى ولو سالت مآقيها


لم تهدء الدور من نوح وصارخة


ولا المقابر من مستودع فيها


نمر بالطرق والايتام تملأها


ولا نفكر فيمن كان يؤويها


ونرسل الطرف والأبواب مغلقة


والدور فارغة والدهر يبليها


أين الذين غنوا فيها مقرهم


أظنهم في طباق الأرض تطويها


أين الذين عهدنا أين مكثهم


أين القرون لمن تبقى مغانيها


أين الحميم الذي كنا نخالطه


أين الأحبة نبكيها ونرثيها


أين الملوك ومن كانت تطوف بها


أو من ينازعها أو من يداريها


أين الأباعد أين الجار ما فعلت


بهم بنات الليالي في تقاضيها


لو أمكن القوم نطق كان نطقهم


ريب المنون جرت فينا عواديها


عظامهم نخرت بل حال حائلها


تربا لدى الريح تذروها عوافيها


لا شبر في الأرض إلا من رفاتهم


فخل رجلك رفقاً في مواطيها


نبني القصور وذاك الطين من جسد


بال ونحرث أرضاً مزقوا فيها


عواتق الناس لا ترتاح آونة


من النعوش ولا يرتاح ناعيها


ما بين غارة صبح تحت ممسية


يراقب الناس إذ نادى مناديها


تغدو وتمسي على الأرواح حاصدة


لا ينتهي الحصد أو تفنى بواقيها


ونحن في أثرهم ننحو مصيرهم


وجوعة اللحد تدعونا ونقريها


والعين جامدة والنفس لاهية


والزاد ذنب إلى عقبى نوافيها


ونهمة النفس فيما تشتهيه طغت


على الأزمة والآمال تطغيها


ما هكذا عمل الأكيَاس فانتبهوا


من غفلة وعمايات نواتيها


حقاً ولا سلك الأبرار مسلكها


ساروا خماصاً من الدنيا وما فيها


شدوا الحيازيم صبراً عن زخارفها


إذ كل ما زخترفته من مخازيها


لا تحسن الظن فيها أنها ملئت


غدراً ولا تتبعوها في دعاويها


فالكيس الحر من يقوى بعفوتها


على السلوك إلى دار تنافيها


تدعو حذاراً وتزهو من ملابسها


تذللاً لجهول ليس يدريها


والمدركون لمعناها رأوا أجلاً


ينعى الركون إليها في دواهيها


فشمروا الذيل واستاقوا نفوسهم


سوق القلاص سراعاً عن مراعيها


تعرضت لهم فاستبصروا جنفا


عنها سوى بلغة في ربهم فيها


ماذا يريدون منها وهي شاهرة


سيف الملاحم لا ترثي لأهليها


دست شباك هلاك تحت زخرفها


فما تورط فيها غير باغيها


تخفي الدسائس خدعاً في بشاشتها


لكنه بان للابصار خافيها


لم ينج منها سوى المستبصرين بها


ولا توهق فيها غير غاويها


تأثلوا صالح الأعمال وامتثلوا


بغضاً ولم يستقيموا نحو تاليها


وكان من شأنهم أن لا تغرهم


نضارة حشوها الحيات تغريها


فروا إلى اللّه من دنيا تجارتها


خسر وغم وآفات تصاليها


رأوا يقيناً بأن اللّه حقرها


فنابذوها ولم يصغوا لداعيها


وحاربوا النفس والشيطان واجتنبوا


ذل الحياة لري من سواقيها


تلكم هموم رجال نحو ضرتها


ليست غضارة دنياهم تناويها


أزكى بضاعتهم منها قناعتهم


على الكفاء وأن تبقى لأهليها


تلك البضاعة لا الأموال تجمعها


وعن قريب إلى الوراث تلقيها


تشقى بمكسبها والخصم يأكلها


صفواً يمتع نفساً ما يمنيها


دفنت من بعد اخراج الدفين لهم


وصار دفنك للأعداء ترفيها


وصرت في القبر مرهوناً بمأثمها


وفات نفسك في العقبى تلافيها


أعدد جوابك في حين الحساب إذا


نوقشت كيف أتت أو كيف تجريها


ما تبتغي من حطام أصله تعب


والمنتهى حسرة لا حد يقصيها


كم تخزن المال لا تعطى حقائقه


تلك المخازن ملأى من مكاويها


ماذا تريد بجمر عشت تركمه


جحيمه باشتداد الحرص تذكيها


هلا نجوت سليماً من معاطبها


فالنفس ميسور هذا العيش يكفيها


قرص وطمر وشكر فهي مملكة


عظيمة ملك كسرى لا يوازيها


هي السلامة لا كي الجباه بما


كنزت لا تتوخى فيه تنزيها


ارفق بنفسك لا تقوى على سقر


وافزع إلى اللّه من ذنب سيخزيها


ارحم عظامك أن تصلى بزفرتها


وخز البعوضة لو فكرت يؤذيها


ألا يهولك ما قدمت من خطأ


إن الذنوب ديون سوف توفيها


بادر إلى توبة تمحو الذنوب بها


فما سوى أوبة الاخلاص ماحيها


بادر لأوبة نفس كلما أدكرت


قبح الخطيئة نار الخوف تشويها


وحقق الصبر واعزم عزم مصطبر


في حربك النفس تغنيها وتطويها


واركب مطايا الليالي في العبادة لا


تنم على غفلة المغرور تقضيها


لطالما شحنتها منك منقصة


شغلاً بدنياك عن عقبى ستنهيها


يمر عمرك لا حسنى بها رمق


تجديك نفعاً ولا شنعاء تنفيها


ولا هوى يعقب الأهوال تدفعه


ولا مراشد تأتيها وتحويها


تمضي لياليك صفراً منك من حسن


وبالفظائع والحوبات تزجيها


جلال ربك لا تخشى وسطوته


وأخذة العدل حتماً أنت لاقيها


لزمت فعل معاصيه برحمته


أنعمة اللّه بالكفران تجزيها


تغذوك نعماه يا بطال نامية


بغير حولك فضلاً منه يوليها


وأنت تقوى ملياً في مساخطه


بنعمة منه لا مخلوق يحصيها


فافرغ الدمع إن الذنب منطبق


يا غمة ليس غير التوب يجليها


من مقلة ملأ العصيان ساحتها


دعها من الخوف منصباً عزاليا


عساك تغسل أدرانا بها اتسخت


صحيفة طالما اسودت نواحيها


واندب حياتك فالحدباء باركة


بعتبة الباب لا تردى براقيها


حامت عليك المنايا وهي واقعة


كيف الأمان ورأس الروح في فيها


لا تبعد الموت وارقبه باهبته


واهبة الموت بالتقوى توفيها


خذ فسحة العمر من أيدي بطالته


إن الأماني والتسويف يرديها


إن المنية لا تقدير يمنعها


لها جياد إلى الغايات تجريها


الوالدين ونسل الظهر قد أخذت


وأنت من فعلها فيهم تفاديها


كم قد دفنت وكم ترجو لتدفنه


وأنت نفسك بالآمال تغريها


كلا ستهجم عند الحد غايتها


فليس يفديك شاكيها وباكيها


فكر إذا قعقعت في الصدر حشرجة


هل أنت بالمال تلك الحال تكفيها


والروح تنساب من أقصى اكنتها


والعين شاخصة والكرب يعميها


ملقى صريعاً وعزرائيل ينزعها


وغصة النزع والحلقوم تلويها


تلك المصارع لا توقى بمقدرة


ولا يحاول أن يوقى ملاقيها


لا بد منها ولا أحكام تكشفها


وإنما الشأن في إحسان تاليها


قد بين اللّه للتقوى مراشدها


لم يخف عنك هداها من مناهيها


فاثبت على خطة التقوى تفز أبداً


لا تلق نفسك تهوي في مهاويها


لا تستخفنك الدنيا بزهرتها


فاخسر الناس في أخراه هاويها


فقد تبين منها فوز تاركها


كما تبين منها خسر غاويها


وارغب إلى اللّه في إحسان خاتمة


تلقى بها اللّه والرضوان يؤتيها


فإنما بالخواتيم الأمور عسى ال


رب الكريم بفضل منه يسديها
شارك المقالة:
215 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook