تحتمل لفظة الرِقّ في اللغةً مجموعة من المعاني يرجع أصلها إلى مصدر كلمة الرق وهو رقّ يرقّ، ومن تلك المعاني ما يلي:
عندما كانت النظرة السائدة للرق والاسترقاق أنّه أمر رفاهيّ لازمٌ لأسياد وكبراء القوم، جاء الإسلام ليصحح تلك النظرة؛ فاعتبر ظاهرة الرق نتيجةً سلبية للصّراع المتجدد بين الدول والجماعات في شَتّى العصور، واعتبر أنّ تلك الظاهرة التي استفحل وجودها في المجتمعات منذ قرون هي ظاهرةٌ تعرب عن تخلف ورجعية تلك الجماعات، وأنه لا بد من إنهاء تلك الظاهرة بأي شكلٍ من الأشكال، ولهذا وضعت الشريعة الإسلامية السمحة خُطّة متكاملة الأركان لا تتجاهل الواقع، بل تنطلق منه لحل تلك الظاهرة، فلم يُحرِّم الإسلام الرق ابتداءً؛ بل ترك تلك المسألة على حالها، ولكنه لم يُقرَّها على النّحو الذي كان يجري تداولها فيه من حيث هضم حقوق الرقيق وتعذيبهم وإذلالهم.
عمدت الشريعة الإسلامية إلى ثلاث مراحل استطاعت من خلالها أن تُنشئ نظاماً خاصاً للتعامل مع الرِقّ، وكان ذلك النظام أكثر عدلاً للرِّقيق من أي نظام آخر، وتلك المَراحل هي:
رفع الإسلام مستوى الرقيق المعنوي واعتبرهم بشراً لهم من الحقوق ما لأي إنسانٍ آخر، وذلك الأمر لم يكن قبل الإسلام، حيث كان العبد مجرد مخلوقٍ ليس له أي حق أو احترام لدى الناس، فنظر الإسلام للعبيد على أنّهم بشرٌ كغيرهم، لهم من الحقوق ما لغيرهم غير أن عليهم شيئاً من الواجبات تجاه من يملكهم، وليس ذلك مبنياً على أساس دينهم أو لونهم أو عرقهم بل على أساس ما آل إليه حالهم في الحروب أو المعارك فقط، وقد حسّن الإسلام واقع الرقيق معنويّاً وعمليّاً من خلال:
فقد ضيَّق الإسلام مصادر الرق وحصر جميع منابعه، فحرَّم جميع الوسائل التي تخرج بالرّقيق عن الصّفة الإنسانيّة، وأوجد الوسائل والطرق التي تضيّق الخناق على جميع منابع الرق حتى تنتهى تلك الظاهرة بالكليّة، ومن طرق الرِقّ التي كانت شائعةً قبل الإسلام البيع؛ فيبيع شخصٌ أحد أبناءه أو من يُعيل، أو أن يبيع صاحب الدين مدينَه ليأخذ ثمنه عوضاً عن الدَّين الذي عجز عن سداده، ومن طرق الرق أيضاً المُقامرة؛ فيُؤخذ الخاسر في لعب القمار هو أو أحد أبنائه عبداً للفائز، ومنها النّهب والسّطو واسترقاق القوي للضعيف بقصد بيعهم في أسواق النخاسة، ومنها الحروب والمعارك والغارات، وقد حرّم الإسلام من الطرق السابقة جميعها وترك الاسترقاق القائم على الأسر في الحروب، حيث صحَّ في الحديث القدسيّ: يقول الله تعالى: (ثلاثةٌ أنا خَصمُهم في القيامةِ ومَن كُنْتُ خَصمَه أخصِمُه : رجُلٌ أعطى بي ثمَّ غدَر ورجُلٌ باع عرا فأكَل ثمنَه ورجُلٌ استأجَر أجيرًا فاستوفى منه ولَمْ يُوفِّه أجرَه) فكانة الطريقة الوحيدة للرق هي المعارك والحروب.
فتح الإسلام الباب أمام تحرير الرقيق وجعل ذلك من القربات التي يتقرب بها المسلم إلى الله، قال تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أوزارها).
جعل الإسلام لباب عتق الرِّقاب مجموعة من الوسائل التي تضمن استنفاد ظاهرة الرق، ومنها:
بما أنّ الإسلام لم يُحرّم الرِّق لكونه من المظاهر المنتشرة والمتعارف عليها في تلك الفترة فقد عمد إلى تشريعِ ما يضمن استنفاد جميع مصادر الرق والعبوديّة، فقد ضمن الإسلام لكل الناس حقهم في كونهم أحراراً، وأنه ليس لأحد تقييد تلك الحرية مطلقاً، أو سلبها منهم بغير حقّ مشروع، ومن فعل ذلك فهو ظالم جائرٌ، ولا توجد ديانة تعاملت مع تلك الظاهرة كما تعامل معها الإسلام الذي حدد منابعها، وفتح الكثير من أبواب تحرير العبيد.
إنّ النّاظر في كيفيّة تعامل الإسلام مع مسألة الرّق سيعي جيداً أن الإسلام أنصف الرقّيق، فقد أعطاهم حقوقاً لم تُعطها لهم سائر الديانات والأعراف السائدة قبل مجيء الإسلام وضمن لهم حفظ كرامتهم وصون إنسانيتهم، وقد أقرّ الإسلام مُساواتهم في الحقوق والواجبات مع الأحرار في كثيرٍ من الأحيان، وسهّل عليهم كسب الحريّة وتوسيع أبوابها، وسيجد المتأمل والباحث أن مشكلة الرق لم تعالجها ديانة ولا شريعة كما عالجها الإسلام، وقد جاءت الحضارة الغربية في الوقت الحاضر لتتهم الإسلام بأنه هو من أوجد الرق والاسترقاق، في حين أنها هي من تمارس الاسترقاق على أرض الواقع بطرق عصرية وتقدمية، والإسلام بريء من اتهاماتهم ومزاعهم التي لا تخلو من الحقد والعنصرية ضد الإسلام.
موسوعة موضوع