قوم شعيب

الكاتب: مروى قويدر -
قوم شعيب

قوم شعيب.

 

 

نبي الله شُعيب:

 

هو نبيّ الله شعيب بن ميكيل بن يشجر بن مدين، من نسل إبراهيم عليه السلام، وقيل هو ابن بنت نبيّ الله لوط، وقيل غير ذلك، وهو من الأنبياء العرب كما ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، اشتُهر بالفصاحة والبلاغة، وقد كلّفه الله -تعالى- بحمل الرسالة إلى قومه، فدعاهم إلى الإيمان، والتوحيد، وأمّا قبيلته فهي مدين، وهم قوم عرب سكنوا بلاد الحجاز، ممّا يلي جهة الشام، قريباً من خليج العقبة، قريباً من أرض معان، وهي كذلك قريبة من أرض قوم لوط عليه السلام، حيث ذُكر ذلك في القرآن الكريم بقول الله تعالى: (وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ).

كان قوم شعيب -عليه السلام- على دين إبراهيم عليه السلام، موحّدون، يعبدون الله تعالى، لكنّهم ما لبثوا أن غيّروا دينهم، وانحرفوا عن طريق التوحيد، فقد كانوا أصحاب تجارةٍ عظيمةٍ، وأموالٍ كثيرةٍ، يتنقّلون بقوافلهم التجارية بين اليمن والشام، وبين العراق ومصر، فانشغلوا بذلك عن دينهم، وعبادة ربّهم، وسيطر حبّ المال والربح على تفكيرهم وأولويّاتهم، وبلغ بهم ذلك إلى أن يطفّفوا المكيال، ويغشّوا بيعهم؛ طمعاً في تحقيق المزيد من الأرباح والأموال، فأكلوا الحرام وهم يعلمون، ثمّ فسدت أخلاقهم أكثر فصاروا يقطعون الطرق على تجارة غيرهم، يسرقونها، ويخيفون أصحابها، ثمّ زادوا على ذلك أن زاغوا عن عبادة ربّهم إلى عبادة شجر الأيك، فكانوا أصحاب الأيكة كما قال فيهم الله تعالى، فكان هذا حالهم حين بُعث فيهم نبيّ الله شعيب عليه السلام.

 

دعوة شُعيب لقومه:

 

بدأ شُعيب -عليه السلام- دعوة قومه؛ بتوجيههم إلى توحيد الله تعالى، وترك ما يشركون، فإنّ أوّل ما يُدعى إليه الكافر هو توحيد الله تعالى، وعبادته، حيث قال الله تعالى: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، فإنْ آمن المرء وصحّت عقيدته؛ سهُلت عليه أوامر المعبود وشرائعه، لكنّ قوم شعيب -عليه السلام- لم يتّبعوا نبيّهم، ولم يوافقوه على دعوته، بل كفروا، وأنكروا ما جاء به، فانتقل إلى ما دون ذلك أن يوجّههم إلى خير الأخلاق ورفيعها، فلا يصحّ أن يطفّفوا الميزان، فيغشّوا الناس ويسترزقوا جرّاء ذلك، قال الله تعالى: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ)، وذكّرهم بأنّ الحلال القليل خيرٌ من الحرام الكثير، فهذه أرزاق الله -تعالى- لا تزال تأتيهم، وتتنزّل عليهم فليكتفوا بذلك، ولا يجرّهم الطمع إلى عاقبةٍ سيّئة، قال الله سُبحانه: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)، فحذّرهم أنّه ناصح لهم، لكنّه لن يستطيع أن يكشف عنهم العذاب إذا حلّ بهم.

بعد كلّ الأساليب اللينة الناصحة التي انتهجها شعيب -عليه السلام- لنُصح قومه وإرشادهم، لم يبدر منهم إلّا الكفر والعِناد، واتّهامه بالتدخّل في شؤونهم الشخصيّة، حيث زعموا أنّ هذه أموالهم الخاصّة، وليس لأحدٍ الحقّ في التدخّل بكيفيّة إنمائها، والعمل بها، متناسين أنّها رزق الله -تعالى- لهم، وردّوا على نبيّهم متهكّمين ساخرين، وقال الله -عزّ وجلّ- في ذلك: (أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)، لكنّ شعيباً -عليه السلام- قابلهم باللين مجدّداً، وذكّرهم بأنّه نبيّ من الله سبحانه، قد اختصّه الله بالرسالة والوحي، وأنّه إن أمرهم بشيء كان هو أوّل من طبّق هذا وأتاه، قال الله تعالى: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ).

ولم يكتفِ شعيب -عليه السلام- بهذا الحدّ، فقد كان مخلصاً لدعوة قومه، راغباً إيّاهم أن يتّبعوه فيكونوا من المكرمين الناجين، فعاد وذكّرهم بإهلاك الأقوام من قبلهم، كيف كانوا وكيف صاروا، قال الله -تعالى- في ذلك: (وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَو قَومَ هودٍ أَو قَومَ صالِحٍ وَما قَومُ لوطٍ مِنكُم بِبَعيدٍ)، فخوّفهم حال من قبلهم؛ لعلّهم يرجعون إلى دينهم وتوحيدهم، لكنّ التمادي بالباطل كان صفة لديهم، فجاؤوا بحُجّةٍ جديدةٍ هذه المرّة، فردّوا على نبيّهم، حيثث قال الله: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ)، فكان خطابه وردّه لهم كما كلّ مرّةٍ فيه من اللين، والحِكمة، والحُجّة الشيء الظاهر، لكنّهم قوم مرائين، ابتغوا الجدال لا الوصول إلى الحقيقة، فعندما طال كفرهم وتكذيبهم توجّه إليهم نبيّهم بقوله: (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)، وبعدها لم يطل تكذيبهم حتى لحقهم من عذاب الله ما لحقهم.

 

عذاب قوم شُعيب:

 

جاء نبيّ الله شُعيب -عليه السلام- قومه بالتوحيد، وأمرهم بالأخلاق الحسنة، وعدم تطفيف الميزان، وأعلمهم حُرمة ذلك، وعظمه عند ربّ العالمين، فكفر قومه بقوله، وكذّبوه، واستهزؤوا به وبصلاته، فلم يطُل إنذار الله -تعالى- لهم، حتى أدركهم عذابه، وتحقّق وعيده، حيث أرسل عليهم الله -تعالى- ألواناً متعدّدةً من العذاب؛ جزاء كفرهم وسوء أفعالهم، فأسكن الهواء عليهم سبعة أيّام، فشعروا بالحرّ الشديد الذي لم ينفع معه ظلّ ولا ماء، فخرجوا من ديارهم باتجاه البريّة؛ باحثين عن ظلّ وراحة، فأرسل الله عليهم غيمةً عظيمةً، فسُعدوا بها، فتنادوا يستظلّون بظلّها، فلمّا أقبلوا جميعاً في مكانٍ واحدٍ أذن الله -تعالى- للظُّلل أن ترميهم بالشرار والنار، ثمّ جاءتهم رجفة عظيمة زلزلت الأرض من تحت أقدامهم، وألقت بجثثهم على الأرض ساكنةً لا حِراك لها، وزامن ذلك إرسال صيحة من السماء أسكتت أصواتهم، فكان هذا هلاكهم، ولقد مرّ بهم نبيّهم شعيب -عليه السلام- بعد ذلك، فعاتبهم، وقال لهم: (وَقالَ يا قَومِ لَقَد أَبلَغتُكُم رِسالَةَ رَبّي وَنَصَحتُ لَكُم وَلـكِن لا تُحِبّونَ النّاصِحينَ).

 

وفاة شُعيب عليه السلام:

 

مات نبيّ الله شعيب -عليه السلام- بعد حينٍ من إهلاك الكافرين، وقد جاءت منيّته في الأردن، ودُفن فيها، وقبره موجود في وادي شعيب، وهو مقام معروف ومشهور يؤتى إليه، وقيل: إنّه مات في مكّة، ومن نجا معه من المؤمنين، وقبورهم غربيّ الكعبة؛ بين دار الندوة ودار بني سهم.

شارك المقالة:
98 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook