قيام الدولة السعودية الأولى في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
قيام الدولة السعودية الأولى في المملكة العربية السعودية

قيام الدولة السعودية الأولى في المملكة العربية السعودية.

 
 

 مبايعة الدرعية

 
سبقت الإشارة إلى أن الدرعية دخلت مرحلة من الاستقرار بعد وصول الأمير محمد بن سعود   إلى حكمها. وقد ازدادت قوتها، وكان الشيخ محمد بن عبدالوهاب على علم بتلك التطورات.كان وصول الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية في أواخر سنة 1157هـ / 1744م على أرجح الأقوال، وقد نـزل في ضيافة آل سويلم، ولما علم الأمير محمد بن سعود بوصوله جاء لمقابلته في منـزل أحمد بن سويلم. ووجد الشيخ في مستقره الجديد الترحيب، والوعد بالمؤازرة، ولقيت دعوته قبولاً وأنصارًا؛ من آل سويلم، ومشاري وثنيان أخوي أمير الدرعية، وابنه عبدالعزيز. وتمت مبايعة الشيخ محمد بن عبدالوهاب للأمير محمد بن سعود، وبهذا وُضعت أسس الدولة السعودية الأولى  بدأ الشيخ يؤسس لمجتمع دعوي في الدرعية، فكثر أنصاره، ولحق به كثير من مؤيديه، ومنهم من استقر عنده طلبًا للعلم ورغبةً في الإسهام في نشر الدعوة الإصلاحية. وهكذا تحولت الدرعية في بضع سنين إلى مركز جذب سكاني، وإلى مركز علمي فاق ما سواه من المراكز العلمية الأخرى في نجد. واهتم الشيخ كثيرًا بأمر الفقراء من الوافدين بدافع شغفهم وحبهم لطلب العلم، والذين اضطروا للعمل ليلاً والدراسة عند الشيخ نهارًا؛ فقد كان يستدين لمساعدتهم من ناحية أخرى كان العمل جاريًا على قَدَم وساق لنشر الدعوة الإصلاحية خارج الدرعية، فقد كان الشيخ محمد بن عبدالوهاب يراسل العلماء ورؤساء البلدان وقبائل البادية لشرح الدعوة لهم، ودعوتهم للانضواء تحت لواء الدولة الجديدة. وقد نجحت هذه الجهود بانضمام بعض البلدان سِلمًا، فقد انضمت العيينة بزعامة أميرها عثمان بن معمر، بعد عدم تمكنه من إقناع الشيخ بالعودة إلى بلدته. كما انضمت منفوحة بزعامة أميرها علي بن مزروع، وحريملاء بزعامة أميرها محمد بن مبارك، وقبل ذلك كانت بلدتا عرقة والعمارية القريبتان من الدرعية قد أعلنتا ولاءهما للدولة الجديدة  وهكذا قُدِّر لهذه الجهود أن تنجح في تأسيس دولة قوية مترامية الأطراف تَعاقَب على حكمها أربعة من الأئمة تولوا بناءها، ومد رقعتها، وتوحيد مناطقها واحدة بعد الأخرى، والذود عن حياضها عندما تعرضت للأخطار الخارجية.
 

 مراحل توحيد الدولة السعودية الأولى

 
استكمال توحيد إقليم نجد:
 
كان من الطبيعي لدولة تتخذ من الدرعية مركزًا لها أن تستهل توسُّعها ونشر دعوتها بما حولها من المناطق في نجد، ولكن في ظل ما عهدته هذه المنطقة من تفكك وانقسامات سياسية وقبلية لم يكن من السهل على الدولة السعودية الناشئة أن تتوسع فيما حولها، ونتيجةً لذلك فقد أمضت هذه الدولة أكثر من أربعين عامًا قبل أن تتمكن من توحيد نجد.أمضى الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب العامين الأولين من عمر الدولة في عمل متواصل من الأنشطة السياسية والدينية من أجل وضع الأساسات اللازمة للتهيؤ للمرحلة القادمة. وقد ظهر جليًا أن العدد الكبير من الوافدين إلى الدرعية - بقدر ما كان عِبئًا على موارد الدرعية المحدودة - أصبح لديها منهم جيشٌ متحمس للدعوة الإصلاحية وبناء دولتها، ونتيجةً لذلك رأى الشيخ والأمير أن الوقت قد حان للتوسع في نشر الدعوة.وقد شهد عام 1159هـ / 1746م بداية الحملات العسكرية ضد أمير الرياض دهام بن دواس الذي كان خصمًا لدودًا للدولة، فلا يكاد يمر عام إلا وفيه معركة أو أكثر بين الرياض والدرعية. فقد هاجم دهام بن دواس بلدة منفوحة وبلدة العمارية عام 1159هـ / 1746م، كما التقى جيشُه في العام نفسه بجيش الدرعية في شعيب لبن، وبعد ذلك بمدة قصيرة جرت وقعة الشياب، ثم وقعة العبيد خارج أسوار الرياض، ورد دهام بغارة على الدرعية قُتل فيها فيصل وسعود ابنا الإمام محمد بن سعود وعلى الرغم من شدة الخلاف مع حاكم الرياض إلا أن جهود الدولة لم تتوقف في نشر نفوذها وتوسعها، وقد أحرزت بعض النجاح؛ فقد انضمت لها بلدة ضرما سِلمًا.ومن ناحية أخرى واجهت الدولة الجديدة بعض المشكلات من بعض من انضمَّ إليها سابقًا، وأبرز مثال على ذلك عثمان بن معمر - الذي أخرج الشيخ محمد بن عبدالوهاب من العيينة - وبعد أن أدرك خطأه حاول إقناعه بالعودة، ولكن دون جدوى، انضم بعد ذلك تحت لواء الدرعية، وشارك في قيادة بعض حملاتها العسكرية ولكن الشكوك ثارت حول بعض مواقفه، ما أغضب أنصار الدعوة في العيينة فاغتيل بعد صلاة الجمعة سنة 1163هـ / 1749م، وعلى إثر تلك الحادثة الخطيرة لم ير الشيخ محمد بن عبدالوهاب بدًا من التدخل شخصيًا، حيث ذهب إلى العيينة للتشاور في الأمر، ورغم معارضة أنصار الدعوة إلا أنه تم تعيين مشاري بن معمر أميرًا على البلدة وفي المقابل تمكنت الدولة من ضم بعض البلدان المهمة سِلمًا، مثل شقراء سنة 1168هـ / 1754م، وقد ثبتت على ولائها على الرغم من تعرضها لبعض الهجمات من خصوم الدولة  .  كما تمكنت الدولة في العام التالي من ضم بلدة القويعية في إقليم العِرْض، إذ قَدِم إلى الدرعية وفد من أهلها، وبايعوا الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب على السمع والطاعة وعندما تخفق الجهود السلمية لنشر الدعوة كانت الدولة ترسل جيشها إلى البلدان التي لم تنضم طوعًا كما حصل مع بلدة ثادق قاعدة المحمل؛ إذ أرسلت إليها الدولة عددًا من الحملات حتى بايعت سنة 1170هـ / 1756م  .  وبعد ذلك بعامين أرسل الإمام محمد بن سعود حملةً على بلدة القصب، وتوصل مع أهلها إلى صلح، فبايعوه على السمع والطاعة  .  وفي سنة 1175هـ / 1761م ضُمت بلدتا مرات والفرعة (المجاورتان لبلدة أشيقر). أما بلدة أثيثية فقد بايعت مبكرة، ثم نقضت البيعة سنة 1176هـ / 1762م، ولكن الإمام محمد بن سعود تمكَّن بالطرق السلمية من إعادة انضمامها إلى الدولة مرةً أخرى، وكل هذه البلدان تقع في إقليم الوشم لم تمر تلك التطورات دون ملاحظة القوى القريبة من نجد، وبخاصة الأحساء التي رأى حكامها أن الدولة الجديدة تشكل خطرًا على مستقبلهم؛ لذا قرر عريعر بن دجين دعم المعارضة المحلية فأرسل حملةً إلى نجد سنة 1172هـ / 1758م، لكنها فشلت في هجومَيها على حريملاء والجبيلة  .  وكان لتلك الحملة أثر عكسي كبير؛ إذ أدى فشلها إلى إظهار ضعف المعارضة وقوة الدولة، فازدادت أنشطتها العسكرية، وبخاصة في أقاليم الخرج وسدير والوشم؛ ما جعل بعض البلدان تعلن ولاءها للدرعية  .  بالإضافة إلى ذلك فقد أعطت تلك الحملة الفاشلة للدولة الجديدة دفعةً معنويةً كبيرةً جعلتها تبادر بالرد على بني خالد في عُقْر دارهم، إذ أرسلت حملة إلى الأحساء سنة 1176هـ / 1762م من ناحية أخرى تعرضت الدولة السعودية لهجوم آخر من نجران لم يكن بسبب خلافات سياسية سابقة أو محاولة بسط نفوذ بقدر ما كان قَبَليًا وعَرَضيًا. حصل ذلك عندما هاجم عبدالعزيز بن محمد جماعة من قبيلة العجمان في ردة فعل على هجومهم على قبيلة سبيع الموالية للدرعية؛ ما جعلهم يستنجدون بقبيلة يام في نجران - الذين تجمعهم بهم صلة النسب - بزعامة حسن بن هبة الله المكرمي ومَن معه من قبائل يام، فقَدِِم المكرمي على رأس جيش كبير سنة 1178هـ / 1764م ليلتقي الجيشَ السعودي الذي مُنِي بهزيمة كبيرة في معركة الحائر، وقد أُسر كثير منه، وعلى الرغم من تلك النتيجة إلا أن السعوديين تمكنوا من السيطرة على الموقف فعقدوا صلحًا مع المكرمي تم بموجبه تبادل الأسرى، ودفعوا له مبالغ مالية، ثم انسحب إلى نجران كان لتلك النكسة أثر في المعارضة النجدية التي حاولت استغلال الفرصة، إذ استنجدت بزعيم بني خالد فأرسل إلى المكرمي يطلب منه البقاء في نجد، لكن الأخير اكتفى بما حصل عليه من انتصار في معركة الحائر. أما زعيم بني خالد ومن معه من المعارضة فقد اتجهوا إلى الدرعية وحاصروها، ولكنهم فشلوا في اقتحامها، ففكُّوا الحصار عنها  .  والحقيقة أن صمود الدرعية أمام هذا الهجوم أزال آثار معركة الحائر، وثبَّط همم المعارضة وعلى رأسهم دهام بن دواس الذي رأى نفسه مضطرًا إلى عقد هدنة مع الدرعية، ولكنها لم تستمر أكثر من تسعة أشهر وفي تلك الأثناء توفي الإمام محمد بن سعود سنة 1179هـ / 1765م، بعد أن أسَّس الدولة، وتوسع حكمه ليشمل منطقة العارض وما حولها من المناطق، فقد امتدَّ ناحية الشرق والجنوب حتى الحائر، وامتد إلى إقليمَي الشعيب والمحمل، وجزء كبير من إقليم سدير شمالاً، أما في الغرب فقد وصلت الدولة الجديدة إلى ضرما والقويعية وكثير من بلدان الوشم باستثناء بلدتَي ثرمداء وأشيقر، في حين بقيت الرياض مستعصية، ولكنها معزولة ومطوقة بمناطق الحكم السعودي.خَلَفَ الإمامَ محمد بن سعود في الحكم ابنُه الإمامُ عبدالعزيز بن محمد، والحقيقة أنه لم يكن بعيدًا عن الدولة وإدارتها وما واجهتها من أحداث، فقد عاش في كنف والده، وتتلمذ على يد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، كما كان قائدًا للجيش لفترة طويلة؛ فكان جاهزًا لإكمال مسيرة توحيد البلاد. وقد شهدت الدولة السعودية في عهده كثيرًا من الإنجازات السياسية والعسكرية، فقد توسعت وامتد نفوذها إلى مناطق جديدة في وسط الجزيرة العربية وشماليها وشرقيها وجنوبيها وغربيها، وبهذا تضاعفت مساحة الدولة مراتٍ عما كانت عليه في عهد والده أدرك الإمام عبدالعزيز بن محمد أن الدولة لا يمكنها التوسع في مناطق جديدة حتى تُحكِمَ قبضتها على نجد؛ لذا ركز جهوده على ضم ما تبقى من مناطقها. فاستهلَّ نشاطه بعدد من المواجهات مع جيش دهام بن دواس في مواقع مختلفة، كما قاد حملة التقت بأهل ثرمداء في معركة الصحن سنة 1180هـ / 1766م. ويبدو أن ظهور الدولة السعودية بالمظهر القوي عسكريًا قد أقنع أهل أشيقر - بشكل خاص - وبقية بلدان الوشم بضرورة الانضمام إلى الدولة الجديدة أما إقليم سدير فقد أرسل إليه الإمام عبدالعزيز بن محمد عددًا من الحملات، ضم بها بلدتَي جلاجل والعودة سنة 1181هـ / 1767م، ثم بلدتَي حرمة والمجمعة سنة 1188هـ / 1774م. وبعد سنتين قَدِم وفد من بلدة الزلفي مبايعًا الإمام عبدالعزيز بن محمد والشيخ محمد بن عبدالوهاب في الدرعية. وأخيرًا تمت السيطرة على إقليم سدير بحملة أرسلتها الدرعية إلى بلدة الروضة سنة 1196هـ / 1781م فتمكنت من ضمها إلى سيادة الدولة الجديدة  .ومع أهمية تلك الإنجازات إلا أن الرياض ومقاومتها الشديدة لم تغب عن بال الإمام عبدالعزيز بن محمد؛ لذا واصل ضغطه وركز حملاته عليها، حتى رأى دهام بن دواس أن لا أمل في إطالة الحرب. وفي أثناء الصراع بين الدرعية ودهام قُتل ابناه دواس وسعدون سنة 1185هـ / 1771م ما أثَّر فيه، وبدأ العد التنازلي لسلطته في الرياض  .  وقد شهدت سنة 1187هـ / 1773م نشاطًا عسكريًا مكثفًا على الرياض، إذ قاد الإمام عبدالعزيز بن محمد سلسلة من الهجمات أدَّت إلى هروب دهام بن دواس من المدينة بأسرته وكثير من أنصاره. وأخيرًا تُوِّجت جهود الإمام عبدالعزيز بدخوله الرياض من دون قتال وهكذا بعد 28 عامًا من الحروب، تخللها كثير من المعارك والهُدَن وخسارة أربعة آلاف رجل من كلا الجانبين  ؛  أُسْدل الستار على حكم دهام بن دواس الذي قاد أطول مجابهة شهدتها الدولة السعودية الأولى مع خصومها، ليس في نجد فحسب، بل في كل المناطق التي امتد إليها حكم الدولة السعودية الأولىكان ضم الرياض حدثًا مهمًا ذا نتائج سياسية واقتصادية وعسكرية ومعنوية انعكست على مستقبل الدولة، وقد سمَّاه المؤرخ المعاصر ابن غنام فتحًا، وخلَّده بقصيدة طويلة. وبزوال حكم دهام تخلصت الدرعية من شوكة في خاصرتها، وأصبحت أكثر أمنًا، وأصبح الطريق ممهدًا للتوسع من ناحية أخرى أسهم ضم الرياض في تثبيط هِمم خصوم الدولة، ورفع معنويات قادتها، وزاد من هيبة جيشها، وفتح المجال أمامها لتنطلق إلى مناطق جديدة بعد أن أمَّنت عاصمتها، وخطوط مواصلاتها، وتموين حملاتها. عندها أدرك الإمام عبدالعزيز بن محمد أن الفرصة سانحة لتوجيه ضربة إلى خصوم الدولة في الخرج الغنية بثرواتها الزراعية، خصوصًا أن زيد بن زامل كان حليفًا لدهام بن دواس.كانت الدولة السعودية قد وجَّهت عددًا من الحملات إلى إقليم الخرج، كان أولها في سنة 1165هـ / 1751م، ثم أتبعتها بحملتين في سنة 1173هـ / 1759م، وبعد ذلك بعامين قاد الإمام عبدالعزيز بن محمد حملة على ذلك الإقليم، وهاجم فيه بلدة نعجان وبعد سقوط الرياض كثفت الدولة السعودية هجماتها على زيد بن زامل، فأرسلت حملة بقيادة الأمير سعود بن عبدالعزيز إلى الدلم سنة 1188هـ / 1774م، وفي العام التالي قَدِم الإمام عبدالعزيز بنفسه على رأس حملة إلى الخرج  .  ومن المؤكد أن هذا الضغط المتزايد أخاف زيد بن زامل؛ ما جعله يبحث عن حليف يتقوَّى به، فطلب النصرة من حاكم نجران حسن بن هبة الله المكرمي الذي كان صدى انتصاره في معركة الحائر لا يزال حاضرًا في الأذهان جاء المكرمي إلى نجد سنة 1189هـ / 1775م، ولكن مجيئه في هذه المرة كان مقابل مكافأة مالية، وقد انضم إليه بعض الدواسر وزيد بن زامل ومن معه من أهل الخرج، وزحف هذا الجيش المتحالف حتى وصل إلى الحائر، ودخل في مناوشات مع الجيش السعودي ما أدى إلى سقوط بعض القتلى من أفراده، واكتفى المكرمي بذلك، وعقد صلحًا مع الدرعية، ثم ارتحل إلى ضرما، حيث خاض معركة هناك قبل أن ينسحب   دون أن يحقق أي نتيجة لحليفه وأمام هذه الأوضاع الصعبة لم يرَ زيد بن زامل بُدًَّا من الصلح، فذهب فجأةً ودون ترتيب مسبق على رأس وفد من أعيان الدلم إلى الدرعية للمبايعة وإعلان الولاء والطاعة. ولم تهدأ الأمور بهذه البيعة؛ لذا جاء الإمام عبدالعزيز بن محمد في العام التالي إلى الدلم، وحاصرها حتى استسلمت، ثم عيَّن سليمان بن عفيصان أميرًا عليها بعد أن فر منها زيد بن زامل  .  ثم عاد زيد بن زامل إلى الدلم؛ فأرسلت الدولة السعودية حملة سنة 1195هـ / 1780م، لكنها لم تتمكن من دخولها فبنت حصنًا قربها. ومرة أخرى بحث زيد عن حليف فاستعان ببني خالد في الأحساء، لكن حملتهم باءت بالفشل. وبعد سنتين قُتل زيد بن زامل على يد كتيبة سعودية، وآلت الأمور إلى ابنه براك، ولكن خلافًا داخليًا على الإمارة أدى إلى قتله، ولجأ القاتلون إلى الدرعية. فتمكنت الدرعية من استغلال تلك الظروف، فأرسلت حملتين سنة 1199هـ / 1784م فقضت على ما تبقى من مقاومة في الدلم، وضمتها مع ما تبقى من مناطق الخرج إلى سيادة الدولة السعودية الأولى، وعُيِّن سليمان بن عفيصان أميرًا عليها وضمن جهود الإمام عبدالعزيز بن محمد لضم جنوبي نجد؛ قام سعود بن عبدالعزيز بحملة إلى حوطة بني تميم سنة 1194هـ / 1780م، ولكنه لم يتمكن من إخضاعها. وفي العام التالي خرج الإمام عبدالعزيز بن محمد إلى حوطة بني تميم، حيث تحارب مع أهلها، ولكنه لم يستطع إخضاعها إلا بعد سقوط الدلم، وفي هذا يقول ابن بشر:"ثم أذعن جميع الخرج وأهل الحوطة والحريق... وغيرهم" أما بالنسبة إلى وادي الدواسر فإن بداية دخوله في حكم الدولة السعودية الأولى يعود إلى سنة 1199هـ / 1784م، وذلك عندما قدم إلى الدرعية ربيع وبدن ابنا زيد الدوسري رئيس المخاريم، ومعهما وفد من جماعتهما، وبايعوا الإمام عبدالعزيز بن محمد والشيخ محمد بن عبدالوهاب،  .  وعاد بعد ذلك ربيع بن زيد إلى وادي الدواسر، وبدأ في نشر الدعوة الإصلاحية هناك، ولكنه لم يُوفَّق في ذلك، فقد تأزمت الأمور واندلعت الحرب؛ ما جعله يبني قصرًا ليحتمي به مع أنصار الدعوة هناك. عندما علم الإمام عبدالعزيز بن محمد بخطورة الوضع أمدَّ ربيع بن زيد ومن معه بالمال والسلاح، كما طلب من مبارك بن هادي بن قرملة مساعدتهم  .  ومع ذلك لم تستقر الأمور فنشبت الحرب مرةً أخرى؛ فدخل ربيع في صلح مكَّنه من الخروج هو ومن معه من القصر، ثم ذهبوا إلى الدرعية سنة 1202هـ / 1787م، حيث أمدهم الإمام عبدالعزيز بن محمد بالمال والسلاح. ثم عاد ربيع ومن معه إلى وادي الدواسر وشيَّدوا قصرًا جديدًا؛ ما أسهم في زيادة نفوذ الدولة وانتشار الدعوة هناك. بالإضافة إلى ذلك فإن الدولة أثبتت قوَّتها وسرعة توسعها على أكثر من جبهة، وعندما أدرك أهل الوادي ذلك بايعوا ممثلي الدرعية، وقد عبَّر عن ذلك ابن بشر بقوله: "وفشا الدين في الوادي، ورغب كثير منهم فيه، وأرسلوا إلى ربيع ومبارك يطلبون منهم أنهم يأتون إليهم، فقدموا إليهم وبايعوهم"، وقد تُوِّجت تلك الجهود بقدوم ربيع على رأس وفد إلى الدرعية لتأكيد البيعة ولم تكن جهود الدولة السعودية في التوسع ونشر الدعوة محصورةً في اتجاه واحد، ففي الوقت الذي كانت الدولة توالي فيه توسعاتها في جنوبي نجد، كانت تحقق بعض التقدم في القصيم، وكانت بريدة أول بلدة تدخل ضمن الحكم السعودي سنة 1182هـ / 1768م؛ وبعد أن أصبحت الدرعية بعيدة المنال كانت بريدة هدفًا لهجوم عريعر بن دجين سنة 1188هـ / 1774م  ،  وقد ردت الدولة السعودية في العام التالي بإرسال جيش بقيادة سعود بن عبدالعزيز لاستعادة بريدة، وعندما لم يُوَفَّق في استعادتها بنى حولها قصرًا وترك فيه محاربين تمكنوا من الاستيلاء عليها بعد ذلك وبهذا دخل جزء مهم من منطقة القصيم ضمن حكم الدولة السعودية، إلا أن بريدة شهدت بعض الاضطرابات وعودة تدخُّل زعيم بني خالد سعدون بن عريعر، ولكن الدولة بعزمها وإصرارها وتنامي قوتها تمكنت من التغلب عليها، على أن بلدة عنيزة لم تخضع خضوعًا تامًا للدولة إلا سنة 1202هـ / 1787م، وقد كان لحجيلان بن حمد (أمير بريدة) دورٌ مهمٌّ في ذلك وبحكم تحمُّس حجيلان بن حمد لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وموقعه الجغرافي المجاور لمنطقة حائل فقد أوكلت إليه الدولة مهمَّة مد نفوذها وتوسيع حكمها في تلك المنطقة. ونتيجةً لذلك سار حجيلان بن حمد على رأس حملة إلى منطقة حائل سنة 1200هـ / 1785م، واعترض قافلة تجارية قادمة من العراق، وأخذ ما معها من بضائع لأهل حائل  .  كما أردف ذلك في العام التالي بغزوة ناجحة على منطقة حائل، ولم يعد منها إلا بعد أن أدخلها ضمن حكم الدولة السعودية، وفي هذا قال ابن غنام:"وأقام فيه مدة أيام وليال، وغالَبَ أهل البلاد...، فَقدِم عليه في ذلك الزمن كثير من بلدان ذلك الوطن، ورغبوا في الدخول والاستسلام" أما حائل فمن الواضح هنا سهولة ضمِّها وكان أميرها في ذلك الوقت هو محمد بن عبدالمحسن بن علي؛ وقد يكون هذا عائدًا إلى ما أشار إليه أحد الباحثين من وصول الدعوة إلى حائل قبل وصول الحملات العسكرية  ،  ويرى بعضهم الآخر أن الأمير أدرك مع بقية أسرة آل علي أن لا فائدة في المقاومة؛ لأن الدولة السعودية أثبتت قوتها السياسية والعسكرية من خلال انتصاراتها في المعارك وتوسعاتها السريعة، وانتشار دعوتها في مناطق واسعة من الجزيرة العربية  ومن المؤكد أن إمارة محمد بن عبدالمحسن بن علي قد تعززت وتقوَّت كثيرًا بعد تلك التطورات، فقد امتدت سلطته إلى منطقة حائل كلها، وأصبح يعمل بوصفه ممثلاً للدولة السعودية، وقد ذكر أحد المصادر عند حديثه عن أعمال حجيلان بن حمد: "نصب شيخ الجبل محمد بن علي، وأقام يجاهد"   أي يحارب لمد نفوذ الدولة إلى مناطق أخرى. ومما يُلاحَظ أن بادية حائل لم تدخل ضمن الحكم السعودي في بداية الأمر كما اتَّضح جليًا عندما انضمَّت مع غيرها من القبائل إلى حملة الشريف عبدالعزيز بن مساعد على نجد سنة 1205هـ / 1790م. وردًا على تلك الحملة توجَّه الأمير سعود بن عبدالعزيز على رأس جيش كبير إلى تلك المنطقة ليلتقي تلك الجموع على مورد ماء يُسمى العِدْوة   حيث دارت معركة عنيفة سُمِّيت بمعركة العدوة نسبةً إلى ذلك المكان  .  وهكذا ثبَّتت معركة العدوة الحكم السعودي على منطقة حائل باديةً وحاضرةً، بالإضافة إلى أنها مهَّدت لانضمام المناطق الواقعة إلى الشمال منها إلى الدولة الجديدةوكما جرت العادة في الدولة السعودية الأولى بإسناد مهمة غزو المناطق الجديدة إلى حكام الأقاليم الأقرب لها؛ فقد بدأ محمد بن عبدالمحسن بن علي نشاطه بغزوة على منطقة الجوف سنة 1207هـ / 1792م. وفي العام التالي وصلت إليه قوات من الوشم والقصيم، وأُسندت قيادة الجيش العامة لمحمد بن معيقل أمير الوشم، وساروا إلى منطقة الجوف، وبعد سلسلة من الأعمال العسكرية أخضعت تلك المنطقة للحكم السعودي، وربطت إداريًا بأمير حائل  .  كما تمكَّن أمير حائل من ضم مناطق أخرى إلى حكم الدولة السعودية الأولى، مثل: تيماء، ووادي السرحان، وخيبر وما حولها  .وبهذه الجهود المتواصلة في كل المناطق تمكَّن الإمام عبدالعزيز بن محمد من إكمال ضم نجد حاضرةً وباديةً، مسديًا بذلك للدولة السعودية الأولى خدمةً جليلةً، فقد أُمِّنت طرق مواصلاتها وإمداداتها؛ مما سهَّل لها الانطلاق إلى ما حولها من مناطق شرقي الجزيرة العربية وغربيها.
 
ضم شرقي الجزيرة العربية وجنوبها الشرقي
 
يُعد شرقي الجزيرة العربية امتدادًا طبيعيًا لمنطقة نجد جغرافيًا وسكانيًا، ولذا فليس من المستغرب أن تكون أول منطقة خارج نجد يمتد إليها الحكم السعودي. وكما أُشير إلى ذلك سابقًا فإن العلاقات كانت سيئةً بين الدولة السعودية وبين بني خالد في الأحساء؛ ولذا قاموا بعدة غزوات على نجد، وشجعوا المعارضة المحلية. لكن نتيجةً لما أحرزته الدولة السعودية من تقدم كبير في نجد بدأت الأمور تتغير بنهاية القرن الثاني عشر وبداية القرن الثالث عشر الهجريين / الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، إذ بدأت الدولة السعودية سلسلة من الحملات نجحت في إخضاع شرقي الجزيرة العربية لحكمهااستهلَّ سعود بن عبدالعزيز غزواته على الأحساء في سنة 1198هـ / 1783م، وبعد ذلك بعامين نشبت مشكلة بين أفراد البيت الحاكم؛ حيث ثار دويحس بن عريعر على أخيه سعدون وانضم إليه قسم من بني خالد، ورئيس قبيلة المنتفق ثويني بن عبدالله وتقابل السعدون مع المتحالفين ضده فهزموه؛ ما اضطر سعدون بن عريعر إلى الالتجاء إلى الدرعية، وعلى الرغم من تردُّد الإمام عبدالعزيز بن محمد إلا أنه قَبِلَ به لاجئًا بعد مشورة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وفي سنة 1202هـ / 1787م هاجمت القوات السعودية بقيادة سليمان بن عفيصان الأحساء مرتين، ثم أردف سعود بن عبدالعزيز ذلك بهجومين في العامين التاليين مكَّناه من تعيين زيد بن عريعر أميرًا على بني خالد، لكن هذا لم يمكِّن لدخول المنطقة بكاملها ضمن الحكم السعودي؛ ولذا تواصلت الهجمات السعودية، ففي سنة 1206هـ / 1791م هاجم سعود بن عبدالعزيز عددًا من القرى حول القطيف. من ناحية أخرى ثارت قبيلة زيد بن عريعر ضده؛ ما استدعى قدوم الأمير سعود بن عبدالعزيز لدعمه ضد خصومه، فالتقى بهم وهزمهم في معركة الشيط، وفرَّ الناجون إلى العراق، أما أهل الأحساء فقد أعلنوا ولاءهم للدولة السعودية لم تخلُد الأحساء إلى الراحة، فما أن غادر الأمير سعود المنطقة حتى ثاروا على الأمير المعين عليهم محمد الحملي وقتلوه، كما قتلوا مدير بيت المال والمرشدين الذين تركهم هناك لوعظ الناس وتعليمهم أمور دينهم، ثم قدم زيد بن عريعر إليهم وتزعم الثورة ضد الحكم السعودي،، فما كان من الأمير سعود بن عبدالعزيز إلا أن عاد بجيشه ووجَّه عددًا من الضربات الشديدة لبعض البلدان؛ ما جعل أهل الأحساء يطلبون الأمان بعد أن انسحب بقواته. وبناءً على ذلك ذهب إلى الدرعية وفد للمبايعة، ولكن بعد عودته إلى الأحساء انقسم الناس بين مؤيد للحكم السعودي ومعارض له؛ ما استدعى إرسال قوات سعودية بقيادة إبراهيم بن عفيصان سنة 1208هـ / 1793م تمكنت من بسط السيادة السعودية وعيَّنت براك بن عبدالمحسن أميرًا عليها. على أن الأمور لم تستقر بعد ذلك، فبعد عامين نشب تمرد في الأحساء بتواطؤ من براك بن عبدالمحسن، ولهذا أرسلت الدولة السعودية إبراهيم بن عفيصان على رأس قوة إلى هناك، ثم لحق به الأمير سعود بن عبدالعزيز بقوات كبيرة ثبَّتت السيادة على الأحساء بعد أن اتخذت إجراءات صارمة ضد المتمردين وبضم الدولة السعودية الأولى للأحساء أصبحت دولة بحرية، وتحسَّنَ اقتصادها، وازداد نفوذها وقوتها العسكرية، وتهيأت لها فرص التوسع في مناطق أخرى من ساحل الخليج العربي2وكانت الهجمات قد بدأت سنة 1202هـ / 1787م حينما غزا سليمان بن عفيصان قَطَر، ثم أتبعها بغزوة أخرى بعد ذلك بأربع سنوات، في ذلك الوقت كانت بلدة الزبارة أهم بلدة قَطَرية ومقر آل خليفة، وبعد أن أحكم السعوديون سيطرتهم على الأحساء تمكنوا من ضم شبه جزيرة قَطَر أما البحرين فقد تعرضت لغزو من سلطان عُمان سنة 1216هـ / 1801م واستولى عليها آل خليفة منها إلى الزبارة، ثم حصلوا على مساعدة سعودية مكَّنتهم من استعادة البحرين، إذ أصبح النفوذ السعودي كبيرًا. وفي سنة 1225هـ / 1810م أرسلت الدولة السعودية قوةً بقيادة فهد بن عفيصان تمكنت من الاستيلاء على البحرين؛ ما جعل آل خليفة يستنجدون بسلطان عُمان، وبعد مفاوضات مع الدرعية استعادوا سلطتهم في البحرين من ناحية أخرى وصلت الحملات السعودية إلى عُمان، فقد وجهت الدولة السعودية إليها عدة حملات بقيادة كل من: مطلق المطيري، وإبراهيم بن عفيصان، وسالم الحرق، وعبدالعزيز بن غردقة، وقد خاضوا كثيرًا من المعارك حتى تمكنوا من بسط السيادة السعودية على كثير من مناطقها. كما كان لتحمس القواسم لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أثر مهم في نشرها في تلك المناطق وفي تثبيت الحكم السعودي فيها  .  ومن الملاحَظ هنا أن المعارك لم تنقطع بين سلطان مسقط والسلطات السعودية هناك، حتى انشغلت الدولة السعودية بمقاومة حملات قوات محمد علي في الحجاز؛ فركزت قواتها وسلطاتها في البريمي  . 
 
ضم عسير
استهل السعوديون نشاطهم في ضم عسير سنة 1211هـ / 1796م بحملة قادها ربيع بن زيد الدوسري على فئات من قبيلة شهران، وفي العام التالي سار بجيشه إلى بيشة، وحاصرها حتى اضطر سكانها إلى مبايعته والدخول ضمن سيادة الدولة السعودية. وقد غضب الشريف غالب (شريف مكة) كثيرًا من تلك التطورات؛ ولذا كان رده سريعًا، فقد قَدِم في العام نفسه على رأس جيش كبير واستولى على بيشة، ولكن ذلك لم يدم طويلاً، فقد اعترضته القوات السعودية في طريق عودته، وهزمته هزيمة كبيرة في الخرمة  .  والحقيقة أنه كانت لهذه المعركة نتائج مهمة؛ فهي لم تمهد الطريق لضم الحجاز فحسب، بل شملت آثارها منطقتَي عسير والمخلاف السليماني. وهكذا ففي سنة 1213هـ / 1798م سار ربيع بن زيد الدوسري إلى بيشة وأعادها إلى السيادة السعودية، وعُيِّن سالم بن محمد بن شكبان أميرًا عليها أما باقي منطقة عسير فقد ذكر بعض المصادر أن أخبار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وصلت إلى هناك في حدود سنة 1205هـ / 1790م، وقد لقيت رواجًا وقبولاً كبيرًا لدى الناس  .  وبهذا تكون الدعوة قد سبقت النفوذ السياسي في وصولها إلى تلك المنطقة، وهذا يفسر سرَّ تمسك سكان تلك المنطقة بالدعوة والدولة حتى بعد سقوطها، كما تمثل ذلك في صمودهم أمام حملات محمد علي. لكن السيادة السياسية لم تبدأ إلا بعد وفادة محمد بن عامر أبو نقطة وأخيه عبدالوهاب إلى الدرعية في طلب العلم، مصحوبةً بطموح سياسي، وذلك في سنة 1213هـ / 1798م، وأقاما فيها لمدة عام كامل. وبغض النظر عن الدوافع وراء تلك الزيارة؛ فقد ذهب بعض المصادر إلى أن الإمام عبدالعزيز بن محمد رأى في محمد بن عامر علامات الإمارة فأسندها إليه، وهكذا عاد إلى عسير مفوَّضًا في الزعامة ونشر الدعوة لم يكتفِ الإمام عبدالعزيز بن محمد بذلك، بل جهز مع محمد بن عامر جيشًا بقيادة ربيع بن زيد الدوسري، وسار هذا الجيش حتى وصل إلى قرية حجلا (قرب أبها) وهناك وافته وفود قبائل عسير معلنةً ولاءها للدولة السعودية. وهكذا أخذ محمد بن عامر يواصل نشر الدعوة الإصلاحية ومد سلطة الدولة السعودية على ما تبقى من أقاليم عسير حتى توفي سنة 1217هـ / 1802م  .  تولى عبدالوهاب بن عامر أبو نقطة الإمارة بعد وفاة أخيه، وقد اشتُهر بحماسه الكبير للدعوة والدولة السعودية، وقد بذل جهودًا كبيرةً في ضم كثير من المناطق إلى الحكم السعودي سواء كانت في المخلاف السليماني أم في نجران أم في الحجاز.
 
 ضم المخلاف السليماني (جازان)
 
كما هي الحال في عسير فقد وصلت الدعوة إلى المخلاف السليماني (كما كان يُسمى آنذاك، وهو منطقة جازان حاليًا) قبل النفوذ السياسي عن طريق الشيخ أحمد بن حسين الفلقي الذي التقى السعوديين أثناء موسم حج سنة 1214هـ / 1799م  ،  ثم ذهب إلى الدرعية وعينه الإمام عبدالعزيز بن محمد داعيةً في المخلاف السليماني، وأرسل معه رسالة إلى رؤساء تلك المنطقة تحثهم على التعاون معه  .  وقد أدى أحمد الفلقي دورًا فعالاً في نشر الدعوة الإصلاحية في منطقة المخلاف السليماني وحقق نجاحًا كبيرًا، وعندما أدرك بعض زعماء تلك المنطقة خطورة الأمر بالنسبة إليهم حاربوه عسكريًا، ومع أنه هُزم إلا أنه لم يستسلم وواصل جهوده، وأمدته الدولة السعودية بمساعدات عسكرية. بالإضافة إلى ذلك كان لجهود عرار بن شار (أمير درب بني شعبة) دور مهم في نشر النفوذ السعودي، فقد تراسل مع سالم بن شكبان، وأعلن بيعته للدولة السعودية  في تلك الأثناء تمكن الشريف حمود بن محمد الملقب (أبو مسمار) من الوصول إلى إمارة أبي عريش، وبدأ في مقاومة النفوذ السعودي هناك. من ناحية أخرى كانت الأمور قد استقرت في عسير بوصول عبدالوهاب أبو نقطة إلى الإمارة وإخضاعه لما تبقى من قبائل عسير؛ لهذا صدرت إليه الأوامر بمساعدة أنصار الدولة السعودية في المخلاف السليماني، فجمع عبدالوهاب جيشًا كبيرًا سار به إلى تهامة سنة 1217هـ / 1802م وضم صبيا، ثم ضمد، قبل أن يصطدم مع أمير أبي عريش الشريف حمود بن محمد (أبو مسمار) في معركة عنيفة جعلت الشريف يعلن الطاعة للدولة السعودية. ونتيجةً لهذا الانتصار قَدِمت كثير من الوفود معلنةً ولاءها للدولة السعودية، وضم أرخبيل جزر فرسان. ثم رحل أبو نقطة عن تلك المنطقة بعد أن أسند إمارتها إلى الأمير الشريف حمود بن محمد (أبو مسمار)، وقد أقره الإمام عبدالعزيز على ذلك، وجعله تابعًا لأبي نقطة من الناحية الإدارية ومن الواضح أن رجلاً بطموح الشريف حمود لن يرضى بجعله تابعًا لأمير عسير؛ ولذا أخذ يعمل على التخلص من ذلك الوضع وبخاصة بعد أن فشلت جهوده في الحصول على دعم من إمام صنعاء؛ ونتيجةً لذلك بدأ يخطط في كيفية توظيف وضعه الجديد للانتقام من إمام صنعاء وأمير عسير في الوقت نفسه، وبالإضافة إلى ذلك أراد أن يثبت للسعوديين مدى إخلاصه وكفاءته بوصفه قائدًا عسكريًا؛ لذا قام بسلسلة من الأعمال العسكرية للتوسع في المناطق المجاورة لإمارته من تهامة اليمن، وقد تمكن من الاستيلاء على بعض المناطق مثل مور واللحية. وبعد أن قام الشريف حمود بتلك الأعمال التي لم تنل رضا أمير عسير أرسل الشريف حمود وفدًا إلى الدرعية طالبًا فصله إداريًا عن أمير عسير وربطه مباشرة بالدرعية، وقد كُلِّلت جهوده بالنجاح  ولم ينظر أمير عسير إلى تلك التطورات بعين الارتياح، واستمر التنافس بينه وبين الشريف حمود ووصل الأمر إلى حدِّ الاقتتال؛ ما أوجب استدعاءهما إلى الدرعية، فذهب عبدالوهاب أبو نقطة نفسه إلى الدرعية في حين أرسل الشريف حمود من ينوب عنه، ومع أن الإمام سعود كان يثق بعبدالوهاب أكثر إلا أنه أبقى على استقلال حمود. وعلى الرغم من تلك الجهود من الدرعية إلا أن الخلاف تواصل بين الطرفين، فأخذا يتسابقان على التوسع في المناطق اليمنية، ولكن نصيب الأمير حمود كان أكبر، فقد تمكن من الاستيلاء على الحديدة وزبيد. وفي تلك الظروف التي لمع فيها نجم الشريف حمود وازدادت منافسته مع أبي نقطة أراد الإمام سعود بن عبدالعزيز معرفة مدى إخلاصه للدولة السعودية، وربما أراد في الوقت نفسه التوسع، لذا طلب منه مهاجمة صنعاء، ولكنه لم يمتثل لتلك الأوامر؛ ونتيجةً لذلك أمر الإمام سعود عبدَالوهاب أبو نقطة بمهاجمة الشريف حمود، مما وافق هوى في نفس عبدالوهاب، فحشد الحشود، وزحف على المخلاف السليماني، ودارت بين الطرفين معركة عنيفة في وادي بيش سنة 1224هـ / 1809م قُتل فيها عبدالوهاب أبو نقطة، مع أن قواته انتصرت على قوات الشريف حمود بعد مقتل عبدالوهاب أبو نقطة أُسندت إمارة عسير إلى طامي بن شعيب، وتواصلت الحروب بينه وبين الشريف حمود، تمكن خلالها ابن شعيب من إحراز تقدم كبير، وخصوصًا بعد أن انتزع اللحية والحديدة من سيطرة الشريف حمود. وبعد ما يقارب عامين من الأعمال العسكرية أدرك الشريف حمود مدى ضعفه أمام إصرار الدولة السعودية على فرض سيادتها على تلك المناطق، ومن ناحية أخرى أخذت الدولة السعودية توجه جهودها لتدعيم سلطتها على ما تحت حكمها من المناطق؛ وذلك من أجل مواجهة الحملة العثمانية، وفي ظل تلك الظروف توصل الطرفان إلى صلحٍ تنازل بموجبه الشريف حمود عن بعض المناطق التابعة له  .  وهكذا كانت أوضاع المخلاف السليماني قبيل قدوم القوات العثمانية إلى الحجاز.
 
 ضم نجران
 
أوردت بعض المصادر أن أخبار الدعوة الإصلاحية وصلت إلى نجران في وقت مبكر، أما الاحتكاكات العسكرية فقد بدأت - كما سبقت الإشارة - بدعم حسن بن هبة الله المكرمي لخصوم الدولة السعودية، كما اتضح ذلك من خلال الحملتين اللتين وجههما ضد الدرعية، بالإضافة إلى دعمه لخصوم الدولة في وادي الدواسر سنة 1202هـ / 1787م وبعد أن أحكمت الدولة سيطرتها على وادي الدواسر أخذت تتطلع إلى المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية؛ لذا أرسلت حملة شبه استطلاعية بقيادة مبارك بن هادي بن قرملة إلى منطقة نجران سنة 1210هـ / 1795م، فاشتبكت مع بعض فئات من سكان باديتها، وعادت بعد أن حصلت على كثير من الأموال وفي محاولة أكثر جرأةً لمد سلطة الدولة ونشر الدعوة في منطقة نجران - وبخاصة بعد أن تمت السيطرة على الحجاز - أرسل الإمام سعود بن عبدالعزيز سنة 1220هـ / 1805م حملةً كبيرةً بقيادة عبدالوهاب أبو نقطة هاجمت بلدة بدر، وبعد عدد من الوقائع وبعد أن كثر القتلى في صفوف الجيش السعودي انسحب أبو نقطة بعد أن شيَّد حصنًا قرب تلك البلدة، وجهزه بحامية لتُرابِط فيه؛ وقد قدم وفدٌ من نجران على الإمام سعود مبايعين له، وبعث معهم الإمام رسالة إلى أهالي نجران يبين فيها منهج الدعوة وما تقوم عليه الدولةعلى أن بُعد منطقة نجران وانشغال الدولة بقضايا أخرى أكثر إلحاحًا عرقل مواصلة الجهود العسكرية؛ لذا لم تخبرنا المصادر عن إرسال حملات أخرى إلى هناك، باستثناء ما ذُكر حول اشتراك النجرانيين مع الشريف حمود بن محمد في معركة بيش ضد القوات السعودية التي كانت بقيادة عبدالوهاب أبو نقطة، بالإضافة إلى ذلك فإن المصادر لم تورد أخبارًا حول تعيين أمير أو مسؤول يمثل الدرعية هناك أسوةً بما حصل في المناطق الأخرى، ولكنها في الوقت نفسه ذكرت أن قبائل نجران أدت الزكاة للدولة السعودية الأولى  .  وكما أُشير سابقًا فإن الدولة السعودية في منتصف العشرينيات من القرن الثالث عشر الهجري / مطلع القرن التاسع عشر الميلادي أجَّلت كل خططها ومشروعاتها في سبيل التصدي للخطر القادم من خارج الجزيرة العربية.
 
ضم الحجاز
 
سبقت الإشارة إلى ما كان لأشراف مكة من نفوذ في بعض أقاليم نجد؛ ولذا اهتموا بظهور دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وما نتج منها من قيام الدولة السعودية. ومع ذلك كانت معلوماتهم عن تلك التطورات داخل نجد غير دقيقة؛ لذا وقف أشراف مكة من الدعوة موقفًا سلبيًا أدى إلى تأزم العلاقات بين الطرفين فترة طويلة نتج منها سجن بعض أتباع الدرعية الذين ذهبوا للحج، ثم صدر أمر بمنع أتباع الدعوة من الحج باستثناء بعض الأعوام التي يُسمح لهم فيها بالحج عندما تتحسن العلاقات بين الطرفين  ،  ومن ذلك ما حدث سنة 1184هـ / 1770م من تحسن للعلاقات حيث طلب الشريف أحمد بن سعيد من قادة الدرعية إرسال عالمٍ من علمائهم ليبين لعلماء مكة حقيقة ما يدعون إليه، وقد أرسل الشيخ عبدالعزيز الحصين وتناقش مع أولئك العلماء حول مسائل في أصول الدعوة ثم عاد إلى الدرعية معززًا مكرمًا.وقد تزامن إكمال ضم نجد في مطلع القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي وبداية تطلُّع الدولة السعودية إلى مد نفوذها في مناطق جديدة، مع تولي الشريف غالب بن مساعد مقاليد الأمور في مكة المكرمة سنة 1202هـ / 1787م، فدخلت العلاقات مرحلة جديدة.أراد الشريف غالب أن يتعامل مع الوضع بطريقة أفضل؛ فطلب من الدرعية إرسال أحد علمائها للتباحث، فأرسلت الشيخ عبدالعزيز الحصين   الذي كان قد قام بالمهمة نفسها في وقت سابق، ولكن علماء مكة المكرمة رفضوا التباحث معه، ويُستبعد أن يحدث مثل هذا الأمر من دون إيعاز من الشريف نفسه الذي ربما هدف من وراء ذلك إلى التظاهر بحسن النية أمام الناس وتبرير ما سيقدم عليه من أعمال عسكرية، فقد أرسل الشريف غالب حملة إلى نجد سنة 1205هـ / 1790م، ولكنها لم تنجح في تحقيق أهدافها؛ فأدرك الشريف غالب بداية تغير ميزان القوى لصالح الدرعية؛ ولذا طلب المساعدة من الدولة العثمانية وبعد خمس سنوات أردف الشريف غالب بحملة أخرى، فأمر الإمام عبدالعزيز بن محمد أتباعه بقيادة هادي بن قرملة (زعيم قبيلة قحطان) بالتصدي لها، فأحرزوا نصرًا كبيرًا في مواجهتها في معركة الجمانية، وفي سنة 1211هـ أرسل قادة الدرعية وفدًا من العلماء بقيادة حمد بن ناصر بن معمر إلى مكة المكرمة لمناقشة علمائها، وقد جمع الشريف غالب أعضاء من ذلك الوفد وعلماء المذاهب السنية في مكة المكرمة  ،  وعلى الرغم من هذه الجهود لإزالة مظاهر الخلاف إلا أن لم ينتج عنه أي تصالح، بل كانت معركة الجمانية ومعركة الخرمة - التي أعقبتها بعد ذلك بسنتين - نقطة تحول رئيسة في الصراع الدائر بين الطرفين، ليس من الناحية العسكرية فحسب، بل من الناحية السياسية أيضًا، إذ إن القبائل الحدودية أخذت تتخلى عن الشريف غالب وتنضم إلى السعوديين، بالإضافة إلى أن عدم حصوله على مساعدة عثمانية جعله يُجبَر على الدخول في مفاوضات مع السعوديين أدت إلى صلح سنة 1213هـ / 1798م، وكان من أهم بنوده: إيقاف الحرب، وتحديد القبائل التابعة لكل طرف، والسماح للسعوديين بالحج  استمر الصلح ثلاث سنوات تمكنت الدرعية خلالها من مد نفوذها في مناطق جديدة، كما تزايد خروج القبائل القريبة من مكة عن طاعة الشريف غالب؛ ونتيجةً لذلك انتكس الصلح، ووجد الشريف غالب نفسه مرةً أخرى في موقف صعب، فالدولة العثمانية لم تستجب لطلباته المتكررة بإرسال مساعدة عسكرية؛ ولذا لم يبقَ له من وسيلة إلا طَرْق باب الدبلوماسية. ومن هنا أرسل الشريف وفدًا برئاسة عثمان بن عبدالرحمن المضايفي   إلى الدرعية للتفاوض حول تجديد الصلح، ولكن رئيس ذلك الوفد وجد في الدرعية ما جعله يغير موقفه، وينضم إلى جانب الدولة السعودية، وأيًا كانت أسباب تغير موقف عثمان المضايفي من الشريف إلا أن ذلك يعد كسبًا عظيمًا لقادة الدرعية بعد عودة عثمان المضايفي إلى الحجاز تفجَّر الخلاف بينه وبين الشريف غالب فاتخذ من بلدة العبيلاء   مركزًا له، في حين أمر السعوديون أتباعهم من القبائل الحدودية بالوقوف معه. أما الشريف غالب فقام بحشد قواته ومهاجمة المضايفي في العبيلاء، لكنه لم يتمكن من اقتحامها؛ ما جعله يفقد السيطرة على الأمور في الحجاز. وهكذا أخذ السعوديون زمام المبادرة بقيادة المضايفي الذي جمع القوات السعودية هناك، وزحف على الطائف، واستولى عليها بعد معارك عنيفة. ومما زاد الأمور تعقيدًا بالنسبة إلى الشريف غالب أنه في أثناء قيادته لقواته المدافعة عن الطائف سمع بمحاولة انقلاب ضده تزعَّمها ابن أخيه الشريف عبدالله بن سرور؛ لذا أسرع عائدًا إلى مكة تاركًا أخاه الشريف عبدالمعين في الطائف بما تبقى معه من قوات؛ ما سهل للسعوديين ضمها، وكان ذلك في شهر ذي القعدة من عام 1217هـ / 1802م يُعد الطائف البوابة الشرقية لمكة المكرمة؛ ولذا فإن ضم السعوديين لها كان إنجازًا مهمًا في طريقهم إلى تلك المدينة المقدسة. وقبل أن يتقدم السعوديون إلى مكة أرادوا إحكام سيطرتهم على الطائف لكي تصبح قاعدة تجمُّع للقوات، ومحطة تموين متقدمة في الطريق إلى مد نفوذهم على كل الحجاز، ولذا عهدوا بإدارتها إلى عثمان المضايفي  .  أسند السعوديون قيادة قواتهم إلى الأمير سعود بن عبدالعزيز الذي زحف على مكة وعَسْكَرَ خارجها منتظرًا انقضاء موسم الحج. حاول الشريف غالب الحصول على مساعدة عسكرية من أمراء الحج، كما حاول استثارة همم أهل مكة لمحاربة الجيش السعودي، ولكن من دون جدوى؛ لذا انسحب إلى جدة تاركًا أخاه الشريف عبدالمعين وحيدًا ليتولى تصريف الأمور في مكةأرسل الشريف عبدالمعين مندوبًا إلى الأمير سعود بن عبدالعزيز يطلب الأمان لأهل مكة ويعرض عليه: "أن يكون عامله فيها بإمارته"، كما ندب أهل مكة للغرض نفسه وفدًا مكونًا من أربعة علماء. وبعد التفاوض مع الأمير سعود بن عبدالعزيز عاد الوفد يحمل كتاب الأمان الذي قُرئ بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام في اليوم السابع من شهر محرم سنة 1218هـ / 1803م  ،  وبناءً عليه دخل الأمير سعود بن عبدالعزيز وجيشه مكة في اليوم التالي بلباس الإحرام، مكبِّرين ومُهلِّلين بالعمرةأقام الأمير سعود بن عبدالعزيز بمكة مدة أسبوعين قام خلالها ببعض الإجراءات الإدارية، ثم غادرها بعد أن ترك فيها حامية صغيرة بقيادة فهاد بن سالم بن شكبان. وبعد أن أصبحت مكة ضمن الحكم السعودي كتب الأمير سعود بن عبدالعزيز رسالة إلى السلطان العثماني يخبره بما حصل ويطلب منه منع والي الشام ووالي مصر من إرسال المحمل؛ لما يصاحبه من طبول ومزامير يرى أنها مخالفة للشرع  .  توجه الأمير سعود بن عبدالعزيز بعد ذلك إلى جدة، وحاصرها لمدة ثمانية أيام، ثم عاد إلى نجد. في هذه الأثناء قَدِمَت قوات سعودية جديدة بقيادة عبدالوهاب أبو نقطة، وحاصر جدة لبعض الوقت ولكنه لم يتمكن من اقتحامها، فيمم صوب مكة، والتقى بأميرها الشريف عبدالمعين، وقبل أن يرحل ترك فيها حامية قوامها 400 رجل  تشجع الشريف غالب بعد صموده في جدة مرتين أمام السعوديين، واستعاد بعضًا من ثقته ونفوذه السياسي بين قبائل المنطقة وأهاليها، كما أمدَّه سلطان مسقط بمدفع كبير  .  وفي ظل هذه المعطيات تحرك الشريف غالب بجيشه إلى مكة مصحوبًا بقوات عثمانية، ولم يجد مقاومة تُذكر، فدخلها بسهولة وبتواطؤ واضح من أخيه الشريف عبدالمعين، ولم يبق أمامه إلا مقاومة الحاميتين السعوديتين، وقد تمكن من التغلب عليهما وهكذا عاد الشريف غالب إلى الحكم في مكة بعد انقطاع لم يدم أكثر من ثلاثة أشهر. وقد تحرك لاستعادة سيطرته على الطائف وعلى بعض المدن الساحلية مثل ينبع والليث، وكذلك على قبائل المنطقة، لكن نجاحه كان محدودًا جدًا؛ نظرًا إلى أن السعوديين ما زالوا في المنطقة، وهم يدعمون حلفاءهم ويتوسعون في شمالي الحجاز وجنوبيه. في تلك الأثناء أصبح سعود بن عبدالعزيز إمامًا بعد اغتيال أبيه سنة 1218هـ / 1803م، فتواصلت الجهود لتوسيع الدولة، وتجددت الحروب مع الشريف غالب.كثف السعوديون ضغوطهم على أكثر من جبهة لإكمال ضم الحجاز؛ ففي عام 1219هـ / 1804م أمر الإمام سعود ببناء قلعة في وادي فاطمة قرب مكة لمراقبة تحركات الشريف غالب، وزيادة الضغط الاقتصادي، وقد شعر سكان مكة بشدة وطأته؛ نظرًا إلى ما صاحبه من انتشار القحط في تلك الفترة. كما أمر عبدالوهاب أبو نقطة بغزو جدة، وعندما علم الشريف غالب بذلك جمع قواته وخرج للقائه، ولكنه هُزم. وفي أواخر عام 1220هـ / 1805م قرر السعوديون الحسم ووضعوا تحت تصرف عثمان المضايفي جيشًا قوامه نحو ثلاثين ألف مقاتل مكنه من إحكام الحصار حول مكة  أدرك الشريف غالب ضعف موقفه، فقرر التفاوض، وبناءً على ذلك قَدِم إليه وفد من معسكر الجيش السعودي، وبعد التفاوض اتفق الطرفان على الصلح والسماح للجيش السعودي بالحج  .  غادر الجيش السعودي مكة بعد انقضاء موسم الحج، واستُكملت المفاوضات بين الدرعية والشريف غالب فوافق على تبعيته للدولة السعودية شريطة احتفاظه بالإمارة، وبهذا يُعد مستهل عام 1221هـ / 1806م بداية الفترة الثانية من الحكم السعودي لمكة المكرمة  .أما بالنسبة إلى المدينة المنورة فقد دخلت ضمن الحكم السعودي بطريقة مختلفة، فقد قَدِم بادي وبداي ابنا بدوي بن مضيان (من زعماء قبيلة حرب) على رأس وفد إلى الدرعية، وبايعوا الإمام عبدالعزيز بن محمد، وقد رجح أحد الباحثين أن ذلك كان في حدود سنة 1214هـ / 1799م  .  أرسل الإمام عبدالعزيز بن محمد معهما عالمًا ليعلم قبيلتهما المبادئ الصحيحة للدين، وأمرهم بمحاربة حامية المدينة المنورة وبناء قصر (حصن) تُرابط فيه حامية عسكرية لم
شارك المقالة:
72 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم