قيام الدولة السعودية الثانية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
قيام الدولة السعودية الثانية في المملكة العربية السعودية

قيام الدولة السعودية الثانية في المملكة العربية السعودية.

 
 
لم يمضِ وقت طويل حتى ظهرت الرياض على مسرح الأحداث من جديد، بل أصبحت في قلب الأحداث؛ فقد ظهر رجل من آل سعود خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط الدرعية، ولم تكن له مطامع سياسية، وإنما كان يهدف إلى الحفاظ على البلاد كما كانت في عهد الدولة السعودية الأولى؛ إنه الأمير تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود الذي كان من المدافعين عن الدرعية حتى آخر لحظة قبل سقوطها، فقد كان يقف خلف أحد المتاريس الحصينة ومعه أخوه زيد، وعلى مقربة منهما يقف ولداه فيصل وفهد، وقد استشهد ابنه فهد في المعركة، وظل تركي يدافع عن الدرعية مع أفراد أسرته دفاعًا مستميتًا، لكن جهودهم لم تُوفَّق في الإبقاء على عاصمة بلادهم وكما سبقت الإشارة فإن الأمير تركي بن عبدالله كان ممن أيد محمد بن مشاري بن معمر عندما تولى الحكم في نجد في منتصف عام 1235هـ / 1820م، ثم وقف مع الأمير مشاري بن سعود عندما تسلم الحكم من ابن معمر، لكن سماته الشخصية أبت السكوت على الظلم والغدر من قِبَل ابن معمر في حق مشاري بن سعود؛ لذلك صمم على الوقوف ضد حكم ابن معمر منطلقًا من بلدة الحائر. ومن ضرما انضم إليه أتباعه، فسار بهم إلى الدرعية، وقبض على ابن معمر، ثم على ابنه مشاري أمير الرياض، وحقنًا للدماء وإنقاذًا للأمير مشاري بن سعود اشترط تركي لإطلاق ابن معمر وابنه أن يطلق أتباعهما سراح مشاري المعتقل في سدوس، وإلا فإنه سيقتلهما إذا حصل لمشاري أي مكروه. تسارعت الأحداث وخاف معتقِلو مشاري بن سعود انتقام آبوش آغا، فسلَّموا له مشاري الذي نُقل إلى عنيزة، حيث مات هناك في سجنه؛ ونتيجة لذلك قام تركي بن عبدالله بتنفيذ تهديده بحق ابن معمر وابنه في شهر ربيع الآخر عام 1236هـ / 1821م  . 
 

عهد الإمام تركي بن عبدالله

 
كان الأمير تركي أبرز شخصيات آل سعود في ذلك الوقت، وكان يجمع بين الحكمة وسداد الرأي والشجاعة، كما كانت له شخصية مؤثرة، وبالإضافة إلى ذلك كان يتمتع بالحرص على مبادئ الدعوة الإصلاحية، وعلى رسالة الدولة السعودية لتحقيق وحدة الجزيرة العربية على أسس ثابتة  .  وفي الحقيقة يُعد الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود المؤسس الأول والحقيقي للدولة السعودية الثانية التي قامت لتكمل الدور الديني والسياسي الذي اضطلعت به الدولة السعودية الأولى التي حيل بينها وبين استمرار هذا الدورلقد تميز حكم الإمام تركي بن عبدالله بصفتين ميَّزتا الدولة السعودية الثانية عن الأولى: إحداهما أن حكمه يمثل انتقال الحكم داخل الأسرة السعودية من سلالة عبدالعزيز بن محمد بن سعود إلى سلالة أخيه عبدالله بن محمد بن سعود الذي لا تزال سلالته تحكم البلاد حتى الوقت الحاضر، والثانية أنه استهل محاولته لإقامة الدولة بنقل العاصمة من الدرعية إلى الرياض التي بقيت عاصمةً للدولة السعودية حتى الآن. والواقع أن نقل الإمام تركي العاصمة إلى الرياض كانت له أسباب نفسية وأمنية؛ فقد كانت مقر إقامته عندما عينه مشاري بن سعود أميرًا عليها، كما أن قوة تحصينها وكثرة مزارعها من الأسباب التي أملت عليه اتخاذ هذا القرار  .  ومن جانب آخر تحاشى الإمام تركي اتخاذ الدرعية عاصمةً للدولة الجديدة؛ بسبب الدمار الذي لحق بها خلال حصار قوات إبراهيم باشا لها، ثم تخريبها بعد ذلك؛ فاتخاذها عاصمة للدولة كان يتطلب إعادة إعمارها بما يحتاج إليه من تكاليف باهظة لم يكن في مقدور الإمام تركي تأمينها في ذلك الوقت، بالإضافة إلى أن إعادة مكانتها السياسية بوصفها عاصمة للدولة قد يُفهم من جانب محمد علي باشا على أنه تحدٍّ له، وهو أمر يحاول الإمام تركي تجنبه قدر المستطاع، على الأقل في ذلك الوقت المبكر من حكمهوعلى الرغم من جهود الإمام تركي لاستقرار الدولة وتوسيع رقعتها إلا أن انعكاسات الوضع السابق ظلت مخيِّمةً عليها، سواء من الناحية السياسية أو من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية. فمن الناحية السياسية لم يستطع الإمام تركي السيطرة على الوضع في إقليم نجد، خصوصًا مع وجود حامية قوات محمد علي العسكرية المتمركزة في عنيزة التي استغلت مقتل محمد بن مشاري بن معمر وابنه لتحقيق مخطط محمد علي باشا في القضاء على أي كيان جديد في نجد. وتؤكد الوثائق العثمانية أن السلطان العثماني كان قلقًا من قيام الدولة السعودية من جديد، ولذلك عاتب محمد علي باشا على تهاونه في عدم القضاء على كل أثر للدولة السعودية وقد شهد عام 1236هـ / 1821م وما بعده تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الناتج من الوضع السياسي، فوجد قائد قوات محمد علي ذلك فرصة لاستقطاب بعض القوى المحلية، فقد سيَّر عددًا من رجاله لمهاجمة الإمام تركي في الرياض، لكنه صمد أمام المهاجمين مما اضطرهم إلى الانسحاب إلى الوشم  .  وكانت هذه الحادثة فرصة للإمام تركي لإثبات مقدرته على الدفاع عن بلاده، لكنها من جانب آخر نبهت محمد علي باشا إلى وجوب القضاء على هذه الدولة الفتية، فأرسل حملة كبيرة بقيادة حسين بك توجهت إلى القصيم، حيث انضمَّت إليها قوات آبوش آغا، ثم انطلقت الحملة إلى الوشم، ومن هناك بعث حسين بك فرقة من الجيش بقيادة آبوش لمحاصرة الرياض؛ ما اضطر الإمام تركي إلى مغادرتها ليلاً إلى جنوبي نجد، في حين استسلم أتباعه لقائد جيش محمد علي وعددهم سبعون رجلاً بعد تأمينهم، لكنه غدر بهم وقتلهم جميعًا، ثم نقل من وجده من زعماء آل سعود إلى مصر، ومنهم عمر بن عبدالعزيز آل سعود، وأبناؤه الثلاثة  .  وبذلك انتهت الفترة الأولى من محاولة الإمام تركي بن عبدالله التي استمرت نحو عام واحد من عام 1236هـ / 1821م حتى عام 1237هـ / 1822موإمعانًا في الانتقام من أهالي نجد بسبب مؤازرتهم للإمام تركي قام حسين بك قائد قوات محمد علي بأعمال شنيعة بحق الأهالي؛ بهدف إنـزال الرعب والخوف في قلوب السكان حتى يستكينوا للنظام الجديد؛ فقام بمصادرة أموالهم، وقطع نخيلهم، وسجن رجالهم، وكان أشدها إيلامًا عندما قتل غدرًا 230 رجلاً من أهل الدرعية  ،  كما انتشر أعوانه في نواحي نجد، وأعملوا السيف في رقاب الأهالي. وقبل مغادرته نجدًا عيَّن حاميات صغيرة في بعض المدن المهمة؛ لتكون جاهزة للتدخل السريع لقمع أي محاولة ترمي إلى إحياء الحكم السعودي في نجد. ولم تتوانَ هذه الحاميات في إرهاق الناس بفرض الضرائب على السكان وسلب أموالهم، ولم يسلم من أذاهم حتى النساء والأطفال ونتيجةً لذلك - وكما كان متوقعًا - تدهورت الأوضاع في الجزيرة العربية عمومًا وفي إقليم نجد خصوصًا تدهورًا خطيرًا، وانعدم الأمن، وضعفت السلطة؛ ما أتاح الفرصة لظهور الزعامات القديمة بكل ما تحمله من فوضى واضطراب وتطاحن من أجل الزعامة  .  ومما زاد الوضع سوءًا الحملة العسكرية التي أرسلها محمد علي باشا بقيادة حسين أبو ظاهر عام 1237هـ / 1822م لقمع الاضطرابات في إقليم نجد. وعلى الرغم من أن هذا القائد أظهر التدين والورع، وأبدى رغبته في مساعدة الأهالي، والانتقام من قُطَّاع الطرق، والعدل في جباية الزكاة، إلا أن المتمعن في أفعاله التالية يدرك أن ما قام به ما هو إلا من أجل تحقيق غاياته في السيطرة على البلدان وحصونها؛ إذ إنه بعد أن تمكن من إخضاع البلاد سلك مسلك سلفه في إذلال السكان والبطش بهم  ،  وأعاد ناصرَ بن حمد العائذي أميرَ الرياض الأسبق إلى الإمارة، وعيَّن معه حامية بقيادة أبي علي المغربي. وقد أخذ حسين بك يهاجم مناطق مختلفة من إقليم نجد، كما هاجم جبل شمَّر وأخذ من أهله الزكاة عنوة، ولم تسلم منه البوادي. وفي مرحلة ثانية هاجمت قواته قبيلة السهول قرب المجمعة، فصمدوا وقاتلوا قتالاً شديدًا حتى تمكنوا من قتل موسى كاشف (أحد قادة محمد علي باشا) وأكثر جيشه. أما إبراهيم كاشف (وهو أحد قادة محمد علي باشا أيضًا) فقد تحرك على رأس قوة من الحامية المتمركزة في الرياض ومنفوحة، وساعده أمير الرياض ناصر العائذي، وأمير منفوحة ابن مزروع، وهاجموا بوادي سبيع قرب حاير سبيع، وقد نشب قتال شديد بين الطرفين انهزم فيه إبراهيم كاشف وقُتل في المعركة  .  وإذا كانت هذه الأعمال العدائية تحمل في طياتها نتائج سلبية؛ فإنها في الوقت نفسه لم تخلُ من بعض النواحي الإيجابية، فقد زادت من غضب الناس على محمد علي باشا وأعوانه في الجزيرة العربية، وأصبحوا يتطلعون إلى عودة الحكم السعودي أكثر من ذي قبل وعلى الرغم من قوة الحملات العسكرية التي أرسلها محمد علي باشا، وتحقيقها هدفها المنظور وهو إسقاط حكم الإمام تركي بن عبدالله؛ إلا أنها من جانب آخر أيقظت في السكان روح المقاومة التي تأبى الظلم، وتردع المعتدي، وتعمل على تأمين الناس في أرواحهم وأملاكهم؛ ونتيجةً لذلك ظهرت بوادر مقاومة أهلية تعاضدت فيها قوة القبائل مع إصرار الأهالي، ففي أواخر عام 1237هـ / 1822م شنت قبيلة سبيع حملة ضد القوات الغازية وقتلت منها أكثر من 300 رجل قرب الحاير  .  وفي عنيزة ثار الأهالي على القائد حسين أبو ظاهر ورجاله وأرغموهم على الخروج من البلدة. وفي عام 1238هـ / 1823م حاصر أهالي عنيزة باقي قوات محمد علي المعسكرة في قصر الصفا خارج أسوار البلدة، وقتلوا منهم نحو 70 رجلاً، ثم أرغموهم على الخروج بلا سلاح  ،  وبهذا تقلص وجود قوات محمد علي في إقليم نجد ما عدا حاميتين في الرياض ومنفوحة.
 
 تأسيس الدولة 
 
أفرزت الأحداث التي أعقبت إرغام الإمام تركي بن عبدالله على ترك الحكم عام 1237هـ / 1822م بعض المتغيرات؛ منها: فشل مخططات محمد علي باشا في القضاء على الطموحات التي ترمي إلى إحياء الدولة السعودية، كما أن الحملات العسكرية المكثفة التي بعثها محمد علي باشا إلى نجد أبرزت جانبًا إيجابيًا هو تحريك مشاعر العزة والشهامة في الأهالي فهبوا مندفعين للوقوف ضد هذه الحملات، بالإضافة إلى أن جهود محمد علي باشا لم تثمر في إيجاد زعامة بديلة لآل سعود تكون مقبولة من السكان عامة، وكان وجود الإمام تركي قريبًا من مسرح الأحداث والتفاف الأهالي حوله دافعًا له إلى التحرك من جديد والتخطيط للعودة إلى الحكم.كان الإمام تركي يدرك مدى أهمية هذه المتغيرات، لكنه في الوقت نفسه كان يعلم أن مهمة استعادة الحكم لن تكون سهلة، خصوصًا مع تمركز حاميات قوات محمد علي القوية في كل من منفوحة والرياض، ولكن ثقته بربه واعتماده عليه، ثم سمو أهدافه ونبل غاياته التي ترمي إلى تحرير وطنه، وشجاعته وهمته، وكذلك تعاون الأهالي معه، كان كافيًا له لاقتحام الصعاب.تحرك الإمام تركي من بلدة الحلوة جنوبي نجد في شهر رمضان عام 1238هـ / 1823م متجهًا نحو قاعدة الحكم في الرياض، تصحبه قوة صغيرة. وفي عرقة وفد إليه كثير من الأنصار والمؤيدين من الوشم وسدير، فطلب منهم مساعدته بالرجال والسلاح  .  وفي الوقت نفسه كاتَبَ أهل البلدان النجدية الأخرى، مثل: الخرج، وسدير، والزلفي... وغيرها من البلدان النجدية، حتى تألَّفت قلوبهم ووعدوه بالمساعدة  .  كان تمركز قوات محمد علي في كل من منفوحة والرياض يمثل عقبة أمامه تحول دون استعادة الرياض؛ لكونها رمز عودة الحكم السعودي ومركز ثقله؛ ولذلك اتخذ خطة ذات محورين: حصار هاتين القوتين من جهة، ومحاولة ضم البلدان النجدية الأخرى من جهة أخرى. وعلى الرغم من طول مدة الحصار الذي استمر سنة كاملة؛ إلا أن نتائجه كانت في صالح الإمام تركي الذي استطاع خلال تلك الفترة ضم بلدتَي ضرما وحريملاء، وكذلك بلدان الوشم وسدير. وقد توطدت مكانة الإمام تركي لدى الأهالي، خصوصًا بعد أن قام بإنهاء المشكلات التي كانت قائمة بين أهل سدير ورئيس جلاجلوفي نهاية عام 1239هـ / 1824م أجبر الإمام تركي الحامية المتمركزة في منفوحة على مغادرتها، وذلك بمساعدة الأهالي له، ثم صالَحَ أهلها وضمَّها إلى حكمه  .  أما الحامية الأخرى المتمركزة في الرياض فقد حاصرها شهرًا، لكنها استعصت عليه، خصوصًا بعد أن استنجد أمير الرياض عبدالله بن حمد العائذي بفيصل الدويش (زعيم قبيلة مطير)؛ ما دفع الإمام تركي إلى فك الحصار عن الحامية، ثم عاد مرة أخرى وشدد الحصار عليها، حتى مال قائدها أبو علي المغربي إلى الصلح على شرط أن يغادر نجدًا بقواته وأسلحته، وأن يعطي الإمام تركي الأمان لمن تعاون مع المغربي من أهل الرياض  .  ولما كان هدف الإمام تركي أسمى من مجرد الانتقام فإنه لم يتشدد في قبول هذه الشروط، على الرغم من ثقته بأن الوقت في صالحه لو واصل الحصار. ولأن الثقة بقادة حاميات قوات محمد علي وما يعطونه من مواثيق بات منعدمًا؛ فقد كلف الإمام تركي أحد أعوانه (وهو الأمير مشاري بن ناصر بن مشاري آل سعود) أن يدخل الرياض، ويعلن قيام الحكم السعودي بزعامة الإمام تركي، وأن يشرف على انسحاب جيش محمد علي.اطمأن الإمام تركي وهو في مقر إقامته في شقراء على تنفيذ قائد جيش محمد علي الشروط، وتأكد ذلك بمروره بشقراء في طريقه إلى الحجاز. وفي هذه الفترة استطاع الإمام تركي ضم مناطق أخرى، مثل: حوطة بني تميم، والحريق، وثرمدا التي أيده أميرها سلطان بن عبدالله العنقري  .  وقد أقام الإمام تركي في الوشم مدة شهر، وقبل أن يغادر شقراء إلى عاصمته الرياض وَفَدَ إليه أمير عنيزة يحيى السليم، وبايعه على السمع والطاعة، كما كاتبه بقية زعماء القصيم، ثم وفدوا عليه مبايعين  .  وفي رمضان سنة 1240هـ / 1825م استجمع الإمام تركي قواته من أهل البلدان التي انضمت إليه، واتجه إلى الخرج وواجه رئيسها زقم بن زامل الذي انهزم عند أول مواجهة، ثم حاصره الإمام تركي حتى اضطر إلى الصلح على أن يخرج هو وأعوانه دون أسلحتهم، ثم استسلمت بلدتا السلمية واليمامة، وبذلك دانت جميع نواحي الخرج للإمام تركي بن عبدالله وكان تسارع الأحداث خلال هذا العام باستعادة الإمام تركي للرياض، وجلاء آخر قوات محمد علي عن نجد، وانضمام مناطق مهمة من نجد إلى حكم الإمام تركي طواعية، واستسلام البقية، كان ذلك إيذانًا باستعادة الإمام تركي حكم الدولة السعودية الثانية.
 

اتساع الدولة واستتباب الأمن

المتتبع لظروف قيام الدولة السعودية الثانية ونفوذها السياسي وإمكاناتها الاقتصادية والعسكرية يدرك أن الإمام تركي بن عبدالله رجل واقعي، لم يحاول أن يصل بحدود دولته إلى الاتساع الذي بلغته الدولة السعودية الأولى التي ضمت تحت لوائها أغلب مناطق الجزيرة العربية، من عسير جنوبًا إلى الجوف شمالاً، ومن الحجاز غربًا إلى القطيف شرقًا، وإنما اكتفى بما هو ممكن؛ ولذلك لم تزد رقعة الدولة السعودية الثانية في أقصى اتساعها عن إقليم نجد والأحساء. وعلى الرغم من ذلك ظلت علاقة الإمام تركي بالحجاز طبيعية في أغلب الفترات، على الرغم من خضوع بعض مشايخ القبائل الواقعة على حدود الحجاز مع نجد لسلطة أشراف الحجاز، كما ظلت علاقة هؤلاء مشايخ مع محمد علي باشا علاقة قوية  . 
 
 ضم الأحساء
 
شكلت الأحساء على مر العصور البوابة الخارجية لإقليم نجد؛ فهي أقرب المناطق إليها، فضلاً عن أنها كانت الوسيلة الوحيدة القريبة لأهل نجد للتجارة والاتصال بالعالم الخارجي، كما توجد روابط اقتصادية واجتماعية تأصَّلت بين سكان المنطقتين. كانت الأحساء تابعة للدولة السعودية الأولى، وبعد سقوط هذه الدولة استطاع حكام الأحساء السابقون من آل عريعر استعادة الحكم هناك، ومنذ ذلك التاريخ كانت علاقتهم مع نجد علاقة خوف وريبة، وكانوا يتخوفون من أي محاولة ترمي إلى إقامة دولة في نجد تحت أي اسم، كما حصل في محاولات كل من محمد بن مشاري بن معمر ومشاري بن سعودوعندما استقر الأمر للإمام تركي في نجد واطمأن إلى ضم جميع بلدانها بدأ يعد العدة لاستعادة الأحساء، ففي عام 1242هـ / 1826م بدأت مناوشات محدودة بين الإمام تركي وزعماء بني خالد كانت بمنـزلة جس النبض لقوة أولئك الزعماء  .  ففي هذه السنة بعث الإمام تركي ابن عمه مشاري بن عبدالرحمن على رأس حملة من أهل العارض وسدير والمحمل، وهاجم بني خالد في حفر العتك، وغَنِمَ منهم مغانم كثيرة. وفي عام 1245هـ / 1829م بدأت المواجهات العسكرية الحاسمة بين الطرفين؛ ففي أوائل هذه السنة بعث الإمام تركي قائده عمر بن عفيصان على رأس حملة إلى الأحساء وصل بها إلى العقير، واستولى عليها، وفي ردة فعل قام طلال الخالدي بحملة على بلدة حرمة، لكنه مُني بالفشل بعد أن دافع عنها أهلها  .  وقد جعل هذا الفشل زعماء بني خالد يُعِدُّون حملة كبيرة لمهاجمة نجد بقيادة محمد وماجد ابنَي عريعر ومن تبعهما من القبائل الأخرى. استعد الإمام تركي لهذه الحملة وأرسل ابنه فيصلاً على رأس قوة عسكرية لصد الحملة، ودارت معركة كبيرة بين الجانبين انهزمت فيها قوات بني خالد، وقُتل منها عدد كبير على رأسهم قائدهم ماجد بن عريعر، وقد اشتهرت هذه المعركة بمعركة السبية؛ لكثرة ما غنم فيها المنتصرون من الأموال والأنعام. وبهذه النتيجة الحاسمة لصالح جيش الدولة طلب الإمام تركي من أهل الأحساء المبايعة فأجابوه، ثم اتجه إليهم وحاصر محمد بن عريعر في حصن الكوت حتى استسلم في النهاية، وعامله الإمام تركي بالحسنى، وأثناء إقامة الإمام في الأحساء وَفَد أهالي القطيف عليه لمبايعته، وقبل مغادرتها عيَّن قائده عمر بن عفيصان أميرًا على الأحساء؛ وبذلك دانت الأحساء والقطيف لحكم الدولة السعودية الثانية  . 
 

نهاية عهد الإمام تركي

 
بعد سنوات حافلة بالجهاد لإعلاء كلمة الله، وتوحيد البلاد، وتطهيرها من الجيوش الأجنبية توفي الإمام تركي بن عبدالله اغتيالاً في آخر يوم من شهر ذي الحجة عام 1249هـ الموافق 9 مايو 1834م، وكانت وفاته خسارة عظيمة، وفاجعة للبلاد بأسرها، نُفِّذت بطريق الغدر والاغتيال. وعلى الرغم من أن القاتل هو مشاري بن عبدالرحمن بن حسن بن مشاري بن سعود بن محمد بن مقرن ابن أخت الإمام، وكان الإمام تركي يعطف عليه منذ كان في سجنه في مصر، وكان يحثه دائمًا على الهرب من سجنه والمجيء إليه ومن الأهمية بمكان استقصاء طبيعة هذه العوامل والأطراف التي قد تكون تورطت في عملية الاغتيال، إذ إنه لم يثبت تاريخيًا وجود عداوة بين الإمام تركي ومشاري بن عبدالرحمن حتى ما بعد عودة مشاري إلى نجد عام 1241هـ / 1825م. ومن الثابت أن الإمام فَرِح بعودة مشاري وأكرمه، بل إنه عينه أميرًا على منفوحة. وحتى بعد أن بلغ الإمام تركي وشاية بأن مشاري كان يدبر أمرًا ضده لم يتخذ الإمام تركي موقفًا قاسيًا تجاهه أو تجاه المتعاونين معه، بل اكتفى بعزله عن إمارة منفوحة عام 1245هـ / 1829م. وقد أضمر مشاري في نفسه شيئًا عندما خرج مغاضبًا مناوئًا للإمام، لكنه لم يجد من يؤيده في مسعاه داخل نجد، ما يدل على المكانة الرفيعة التي يكنها الأهالي للإمام تركي. ولما لم يجد مشاري بُغْيته اضطر إلى أن يذهب إلى الحجاز، لكنه أيضًا أُصيب بخيبة أمل؛ لأن الشريف محمد بن عون رفض أن يساعده ضد الإمام تركي، واكتفى بالترحيب به لاجئًا عنده. ويبدو أن مشاري ندم على ثورته ويئس من المناصرين، فعاد إلى نجد عام 1248هـ / 1832م، واستنجد بأهل المذنب كي يشفعوا له لدى خاله ففعلوا، وكان الإمام تركي ممن يعفو عند المقدرةوعند تلمس دوافع هذه الحادثة نجد دلائل كثيرة تشير إلى تورط أطراف أخرى دفعت بمشاري إلى ارتكاب هذه الجريمة، خصوصًا أنه يوجد من اشترك مع مشاري في المحاولة الفاشلة التي دُبِّرت ضد الإمام تركي عام 1245هـ / 1829م، وكما أشار ابن بشر وغيره من المؤرخين المعاصرين للحادث فقد استمر هؤلاء المتواطئون في الإيقاع بين مشاري والإمام تركي، واستغلوا الفرصة عندما ألزم الإمام تركي مشاري بعدم مغادرة بيته بعد أن أمَّن له ما يحتاج إليه هو وعائلته، كما منع الناس من الاتصال به خوفًا من الفتنة، فأوغروا صدر مشاري ضد الإمام، وأقنعوه أنه أولى بالحكم منه. ومن جانبه كان الإمام تركي يحسن إلى ابن أخته، ولم يلتفت إلى الأقاويل التي يتناقلها الناس عنه، لكن مع مضي الوقت زاد إغواء المتواطئين لمشاري حتى أحكم خطته، ونفذها مولى له اسمه إبراهيم بن حمزة  .  وهناك من يرى أن القول بأن الفتنة كانت بتدبير خارجي، وأن الإمام تركي قُتل بذهب محمد علي، وأن للقائد إسماعيل بك دورًا في هذا الموضوع قول مرجوح ولا تدعمه وقائع الأحداث وعلى الرغم من أن مشاري بن عبدالرحمن استولى على الحكم بعد مقتل الإمام تركي، وأعلن نفسه حاكمًا للبلاد؛ إلا أن بوادر الريبة وعدم الرضا كانت واضحة لدى الأهالي، فقد رفض زعماء البلدان البيعة له إلا بعد أن أمَّنهم. ولم يستمر مشاري في الحكم أكثر من أربعين يومًا، كان خلالها قَلِقًا متوتِّرًا، وقد اضطر إلى التقرب إلى الناس بالأموال، كما وزع الأسلحة على أعوانه وطلب من أهالي البلدان النجدية مبايعته وهم في بلدانهم وعدم القدوم عليه في الرياض، لكن هذه الاحترازات لم تجدِ نفعًا، فقد قدم الإمام فيصل الذي كان وقتها في الأحساء في مهمة عسكرية إلى الرياض، وحاصر مشاري حتى انفضَّ عنه أتباعه.
 

سمات عهد الإمام تركي

 
تكاد تكون الأحداث السياسية والمعارك الكثيرة التي قام بها الإمام تركي في سبيل استعادة الحكم وتوحيد البلاد هي السمة البارزة في كتابات المؤرخين المعاصرين، إلا أنه من الإنصاف لهذه الدولة القول بأنه توجد جوانب أخرى كانت ضمن اهتمامات الإمام تركي، سواء الإدارية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو العلمية، أو ما يتعلق بمعاملة الرعية وأخلاق الحروب.كان الإمام تركي يفضِّل دائمًا الصلح في حروبه، حتى لو كانت كفته هي الراجحة؛ حقنًا للدماء، ووأدًا للضغائن التي تتمخض عنها الحروب، وبخاصة بين أبناء البلد الواحد  .  ولا شك في أن لهذه السياسة أثرًا مباشرًا على المجتمع وأمراء البلدان؛ ولذلك كثيرًا ما نرى سرعة تجاوبهم وانضمامهم إلى الإمام تركي دون حرب. ومن الأمثلة على ذلك أنه لما نـزل الإمام تركي بلدة ثادق كتب إلى أهل سدير: أنه مَن كان سامعًا مطيعًا فليكُفَّ عن الحرب والفتنة ويُقبل إليَّ  ،  فلما ورد عليهم رسوله وكتابه لم يسعهم إلا المتابعة والسمع والطاعة، فركب إليه جميع رؤساء بلدان سدير وبايعوه. ومن جهة أخرى كان الإمام تركي يحرص على تحكيم الشريعة في علاقاته مع رعيته ومع رؤساء البلدان التي تنضم إليه، وكان يراقب أحوال الرعية، ويشدد دائمًا على ولاته بالإحسان إليهم وعدم تكليفهم أكثر مما يطيقون. ففي عام 1248هـ / 1832م عاد الإمام تركي من إحدى حملاته، وعند ماء وثيلان أمر رؤساءَ البلدان وأمراءَهم أن يجتمعوا، وقام فيهم واعظًا، وذكَّرهم بنعمة الله عليهم بالاجتماع بعد الفرقة، والأخوَّة بعد العداوة، والغنى بعد العيلة، ثم خاطب الأمراء ورؤساء البلدان وهددهم وتوعدهم ونهاهم عن ظلم الرعايا والأخذ منهم بغير حق وتحميلهم تكاليف الحرب، وبيَّن أنه لم يجعل على أهل البلدان زيادة في نفقات الحرب من أجل الرفق بهم، وقال: اعلموا أني لا أبيحكم أن تأخذوا من الرعايا كثيرًا ولا قليلاً، من حدث منه ظلم أو تعدٍّ على رعيته بغير حق فليس أدبه عزله، بل أجليه عن وطنه بأهله. ثم خاطب الأهالي وقال لهم: أيما أمير ظلمكم فأخبروني  كانت هذه الرعاية الخاصة سبب تقدير الأهالي للإمام تركي؛ ولذلك سارع كثير من البلدان إلى مبايعته على دين الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والسمع والطاعة. وبعد أن ضم الإمام تركي الأحساء عيَّن في كل قرية إمامًا في مسجدها لصلاة الجماعة وتأديب من تخلف عنها، وحضِّ الناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاجتماع على الذِّكر في مجالس الدرس، وتعليم الناس أحكام الإسلام وأركانه الخمسة، وعيَّن الشيخ العالم عبدالله الوهبي قاضيًا في الأحساء  لقد كان الإمام تركي رحيمًا برعيته، ميالاً إلى العفو عند المقدرة، ومن الأمثلة على ذلك أن الإمام تركي سار على رأس حملة ضد بعض القبائل في الحفر وانتصر عليهم وعاقبهم، وعندما حضر رؤساؤهم وادَّعوا أن لهم عنده ذمةً وعهدًا رد عليهم أموالهم وجميع ما أخذ منهم  .  وأخذًا بالمبدأ الشرعي والإنساني لم يكن الإمام تركي يثقل على أتباعه باستمرار الحروب، فكان كثيرًا ما يأذن لهم بالذهاب إلى أوطانهم في بعض الأوقات للالتحاق بأهلهم ورعايتهم والعناية بممتلكاتهم  .ولم يغفل الإمام تركي عن النواحي الإدارية التي تيسِّر للناس حياتهم وتنظم شؤونهم، فاهتم بانتقاء أمراء البلدان ممن يتصفون بالنـزاهة والمقدرة؛ فمنهم تعيين عمر بن محمد بن عفيصان أميرًا على الخرج عام 1241هـ / 1825م، وفي عام 1242هـ / 1826م استعمل محمد بن عبدالله من أهل ضرما أميرًا على سدير، ثم استعمل بعده محمد بن عبدان من أهل الأحساء أميرًا عليها، وفي عام 1244هـ / 1828م عزل ابن عبدان عن إمارة سدير وعيَّن بدلاً منه أحمد بن ناصر الصانع  .  وفي مجال القضاء حرص الإمام تركي على تسهيل معاملات الناس الشرعية باختيار القضاة الأَكْفاء، فمنهم تعيين الشيخ محمد بن مقرن عام 1240هـ / 1824م قاضيًا على نواحي حريملاء والمحمل، كما استعمل الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبابطين قاضيًا في الوشم، ثم أضاف إليه مسؤولية القضاء في سدير، وكان عالمًا يفد إليه طلاب العلم من كل بلدان سدير. وفي عام 1241هـ / 1825م قَدِم الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ من منفاه في مصر فأكرمه الإمام تركي وفَرِح الأهالي بعودته، وجلس للفتيا وتعليم الناس أمور دينهم  .وفي المجال الاقتصادي كان عهد الإمام تركي عهد رخاء، وكان نـزول الأمطار نعمة عظيمة تساعد على خصب المراعي، وتزيد المخزون المائي في الآبار، وهذا يؤدي إلى رخص الأسعار، كما نمت في عهده الزروع، ولم يشهد إقليم نجد في عهده سنة قحط إلا نادرًا  .  ومن جهة أخرى لم تنقطع التجارة في عهده بين إقليم نجد والبلدان المجاورة للجزيرة العربية، على الرغم من الأوضاع السيئة التي عاشتها نجد قبل قيام الدولة السعودية الثانية وأثناءها، وما ترتب عليها من صعوبة في المواصلات وكثرة قطاع الطرق  . 
 

 عهد الإمام فيصل بن تركي

 
تربى الإمام فيصل في كنف والده الإمام تركي بن عبدالله، وكان متدينًا ملمًا بأحكام الشريعة، فقد كان يجالس العلماء، وقد حفظ القرآن الكريم منذ الصغر، وكان يحرص على التهجد في الليل، ويكثر التضرع والابتهال إلى الله تعالى  .  وقد واجه الإمام فيصل ظروفًا صعبة وهو في مقتبل عمره؛ ففي شبابه عايش - مثل غيره من آل سعود - الظروف الصعبة التي صاحبت سقوط الدولة السعودية الأولى عام 1233هـ / 1818م، كما اكتوى - مثل غيره من أهالي نجد - من سوء الأحوال الاقتصادية واضطراب الأمن في غياب حكومة مركزية. ومع هذه الصورة القاتمة والإمكانات الضعيفة؛ فإن رجالاً من آل سعود ظلوا يعملون على تخليص بلادهم من الوجود الأجنبي. وإذا كانت إمكاناتهم المادية ضعفت عن تحقيق هذا الهدف فقد كانت لديهم على الدوام قوة معنوية دافعة، وهي الإيمان الجازم بنصر الله للمستضعفين، والعقيدة الصحيحة التي كانت هي المحرك لدولتهم الأولى، وهي السبيل لإحياء هذه الدولة من جديد، ومن هؤلاء النفر برز الإمام فيصل بن تركي على مسرح الأحداث لقد ظهرت الإمكانات الشخصية للإمام فيصل في وقت مبكر؛ ففي المجال العسكري شارك في جيش الإمام سعود الكبير لضم مكة المكرمة إلى الدولة السعودية الأولى عام 1218هـ / 1803م، ولم يكن تجاوز الخامسة عشرة من عمره  .  وعندما حاصرت جيوش محمد علي باشا الدرعية عام 1233هـ / 1818م كان الإمام فيصل بن تركي من المدافعين عنها، وقد أُخذ أسيرًا إلى مصر مع أفراد من آل سعود وآل الشيخ نحو عشر سنين  .  وعلى الرغم من قسوة هذه الفترة وتأثيرها النفسي إلا أنها أفادته وأعطته من دروس الحياة ما جعله يستطيع التكيف مع أحلك الظروف، وكانت خير مُعين له في مستقبل أيامه. وفي المجال السياسي كانت الظروف التي أحاطت بقيام الدولة السعودية الثانية، ثم مشاركته في تحمل المسؤولية في عهد والده؛ من جملة الأسباب التي جعلته يفكر في مستقبله ومستقبل الدولة، وكيفية التخلص من الوضع غير المستقر الذي تعيشه أسرته وبلاده.وقد واجه الإمام فيصل صعوبات متعددة؛ فخروجه من مصر، ومشاركته والده في قيادة الجيوش، ثم مقتل والده، وكذلك الصعوبات المتعددة التي واجهته بعد توليه الحكم، ومنها تجنيد قوات محمد علي العثمانية ضده؛ كل ذلك كان كافيًا لثني عزمه عن مواصلة الكفاح في سبيل إقامة الدولة السعودية، لكنه استطاع التغلب على كل المواقف الصعبة التي واجهته  والواقع أن دور الإمام فيصل في السياسة والحكم برز على ثلاث مراحل: ففي عهد والده شارك في الاضطلاع بمسؤوليات سياسية وعسكرية وإدارية، وبعد مقتل والده عام 1249هـ / 1834م تولى مقاليد الحكم فترة من الزمن انتهت باستيلاء قوات محمد علي على نجد وترحيله مع أسرته إلى مصر، ثم المرحلة الثالثة والمهمة عندما تمكن من العودة من مصر واستلام الحكم حتى وفاته عام 1282هـ / 1865م. وبما أن لكل مرحلة ظروفها وملابساتها، فإن من الأهمية بمكان إبراز ما تنطوي عليه كل مرحلة من أهمية:
 
أ) مسؤولياته خلال حكم والده:
 
كانت فترة حكم الإمام تركي بن عبدالله هي المحك الحقيقي لإظهار مقدرة ابنه الأمير فيصل الإدارية والسياسية والعسكرية؛ فبعد عودته من مصر عام 1243هـ / 1827م ساعد والده في توطيد الحكم وتدعيم الأمن، كما شارك والده في إعداد الخطط الحربية وتنظيمها، بل إنه قاد بعض الحملات العسكرية في الوشم والقصيم والأحساء، واستطاع استرجاع بعض البلاد، وتأديب بعض القبائل التي رفضت دفع الزكاة للحكومة المركزية  .  على أن أهم عمل عسكري قام به في عهد والده هو ضم الأحساء والقطيف، وفي أواخر حكم والده قاد حملة كبيرة ضد قبيلة العمائر في القطيف والتي كان لها علاقة وطيدة مع شيخ البحرين، فحاصرها الإمام فيصل مدة طويلة، ولكنه اضطر إلى فك الحصار والرجوع سريعًا إلى الرياض بعد أن بلغه نبأ مقتل والده، تاركًا أمر هذه القبيلة إلى وقت لاحق  .  ولا شك في أن هذه الأعمال أكسبته خبرة ودراية بأمور الدولة؛ ما جعل والده يثق به حتى إنه كان ينيبه عنه في حالات غيابه.
 
ب) الفترة الأولى من حكمه 1250- 1254هـ / 1834- 1838م:
 
كان مقتل الإمام تركي أمرًا خطيرًا ومفاجئًا، ولا سيما أن القاتل أحد أفراد الأسرة؛ وقد قام بفعلته طمعًا في الحكم، واستطاع أن يقنع بعض زعماء نجد بالأمر الواقع، ما دفع بعضهم إلى مبايعته على هذا الأساس. وفي ذلك الظرف أدرك الأمير فيصل أن الأمر لا يحتمل التأخير، وأنه لا بد من أخذ زمام المبادرة. استشار الأمير فيصل أعوانه فأشاروا عليه بالعودة سريعًا إلى الرياض، وعدم ترك الفرصة لمشاري، وقد بايعوه بالإمامة خَلَفًا لوالده لكونه أكبر أبنائه والساعد الأيمن له، ولكونه جديرًا بحكم البلاد، وكان ذلك ما جرت عليه عادة أسلافه من الأسرة السعودية. كما تعزز موقف الأمير فيصل بدعم زعماء البلدان النجدية   والقبائل القوية له.تحرك الإمام فيصل بقواته إلى الرياض، والتزم في مسعاه الحذر والسرِّيَّة والسرعة، وكلها عوامل لها قيمتها وأهميتها. وبعد ثمانية عشر يومًا استطاع الوصول إلى الرياض، ثم وضع خطة نظَّم فيها جيشه وحاصر قصر الإمارة؛ ما أدى إلى تفكك جمع مشاري، وتفرَّقَ أغلب جيشه عنه بعد أن وعدهم الأمير فيصل بالأمان، وبعد أن رأوا رجحان كفته، بالإضافة إلى ما تركه اغتيال الإمام تركي من أثر في نفوسهم. وبمساعدة أعوانه - ومنهم عبدالله بن رشيد   - حقق الإمام فيصل نصرًا سريعًا، بعد أن تخلى عن مشاري أكبر أعوانه وهو سويد بن علي، مقابل أن يعيده الأمير فيصل إلى إمارة جلاجل. وإزاء هذه الظروف لم يستطع مشاري الصمود أكثر من ثلاثة أسابيع حاول خلالها أن يحصل على وعد من الإمام فيصل بالأمان مقابل استسلامه، لكن فيصل رفض المفاوضة على المبادئ، وطالب بالقصاص من قاتل أبيه حسبما تنص عليه أحكام الشريعة، لكنه وافق على تأمين من لم يشترك في قتل والده. وعند ذلك أدرك مشاري قرب النهاية، لكنه أصر على المقاومة، وخلال بضعة أيام قام أربعون رجلاً من المؤيدين للإمام تركي بمساعدة الإمام فيصل بتسلق البرج الجنوبي للقصر مستخدمين الحبال. وبعد قتال بالسلاح الأبيض تمت محاصرة مشاري في قصره حتى انفضَّ عنه أتباعه، الذين كانوا متعاطفين مع الأمير فيصل بن تركي لمكانة والده الإمام تركي في أنفسهم، وما أحدثه الغدر به من أثر عميق فيهم. انتهت هذه المواجهة بمعركة غير متكافئة قُتل فيها مشاري وستة من أعوانه، وذلك بعد أربعين يومًا من استيلائه على الحكم في الرياض  .تم القضاء على تمرد مشاري في شهر صفر عام 1250هـ / 1834م. وللسيرة الحسنة التي تمتع بها الإمام فيصل في حياة أبيه، وتكريمًا لوالده الإمام الراحل تركي؛ أقبل أهل الرياض والقرى المجاورة لها وتسارع زعماء نجد وأمراء البلدان ومشايخ القبائل إلى مبايعته خَلَفًا لوالده على كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، مؤكدين على العمل معه من أجل دعم الدولة ومواصلة الجهود التي بدأها والده الإمام تركي بن عبدالله، ولم يخالف أحد الإجماع على مبايعته، ولم يختلف عليه أحد  . 
 
ج) السياسة الداخلية:
 
كان من أول الأعمال التي قام بها الإمام فيصل بعد توليه الحكم تأكيد سياسة تطبيق الشريعة الإسلامية التي قامت عليها الدولة السعودية، والتي من أهم أهدافها توطيد الأمن في ربوع الجزيرة العربية، والتمكين للدعوة الإصلاحية التي سار على نهجها أئمة الدولة السعودية.ومن الأمور المهمة التي تحققت خلال الفترة الأولى من حكم الإمام فيصل: تثبيت الحكم في المناطق التي كانت خاضعة لحكم والده الإمام تركي، وفي هذا المجال دعا إلى اجتماع عام في الرياض حضره القضاة وأمراء المناطق والبلدان، وبايعوه بالإمامة، ثم بدأ مهمة استعادة البلاد.لقد بدأ الإمام فيصل حكمه بتوجيه رسالة إلى عامة السكان، أوضح فيها جوانب من منهجه في الحكم، وقد ركزت الرسالة على ثلاثة محاور تتصل بشؤون الرعية وحقوقهم وواجباتهم، هي:حَثَّ الناس على التمسك بالدين، وتقوى الله في السر والعلن، والإكثار من فعل الخيرات، وبيَّن لهم أنه لا عزَّ لهم ولا تمكُّن إلا بتحكيم شريعة الله في كل صغيرة وكبيرة. ولم يكتفِ بالنصح، بل شجع أفراد القبائل على أن يتمسكوا بأوامر الإسلام في كل شؤونهم، فخصص لهم أعطيات من بيت المال تساعدهم على الاستقرار ونبذ العادات القبلية السيئة  .  إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان قائمًا على مدى التاريخ الإسلامي، وكان يُعرف بـ (الحسبة)، وقد كان الاهتمام بهذه الشعيرة ورجالها من مبادئ دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وكانت محل عناية حكام الدولة السعودية الأولى، حتى جاء الإمام فيصل بن تركي فنظَّم أعمال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واختار أعضاءها من المشهود لهم بالعلم والصلاح والحكمة والحلم، وشدد على أن يكون المنتسبون لهذه الهيئة مراعين لشروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وذلك لعِظَم المسؤولية الملقاة على عواتقهم؛ من الحث على الصلاة في أوقاتها، ومعاقبة من يتهاون بها، وملاحقة المفسدين والعصاة، وإيقاع العقاب بهم، وإزالة المنكر، ومراقبة الأسواق لمنع التطفيف في الكيل أو الوزن. وقد أصدر الإمام فيصل توجيهاته إلى أمراء الأقاليم بمساعدة هذه الهيئة، ونصرة أعضائها، وإكرامهم، وإنـزالهم ما يستحقون من مكانة، وتنفيذ ما يقررون فيما يخص أعمالهم. كما بيَّن أن صلاح الرعية من صلاح الراعي، وأن ما تقوم به هذه الهيئة هو عون للحاكم فيما حمَّله الله من الأمانة  .  وبهذا فإن إنشاء هذه الهيئة بشكلها الذي عُرفت به إلى اليوم سُنَّة حسنة ومأثرة من مآثر الإمام فيصل. حَثَّ الناس على الوحدة، وبيَّن أن يد الله مع الجماعة، وأن الفرقة والاختلاف أكبر كسب يتمناه أعداء الدين والدولة. كما ذكَّرهم بأن مجتمعهم قام أساسًا على وحدة العقيدة والهدف، وأن أي خلخلة فيه ستؤثر سلبًا في هذه العقيدة، وفي هذا المعنى قال الإمام فيصل: "وقد رأيتم ما في الجماعة من المصالح العامة والخاصة، وما في التفرق من الشر في أمر الدين والدنيا"  . ومن الأعمال المهمة التي افتتح بها الإمام فيصل عهده: اهتمامه بالقضاء؛ لما له من أثر مباشر في حياة الناس؛ فقد دعا كبار القضاة في كل أقاليم الدولة إلى اجتماع عام أشبه ما يكون بالمؤتمر، وكان الغرض منه بيان سياسته الداخلية وبحث الأمور التي تكفل للقضاء استقلاله وهيبته. وقد شارك في هذا الاجتماع - بالإضافة إلى أمراء الأقاليم - رؤساء القبائل؛ وذلك لتأثيرهم المباشر في مَن يلونهم. وقد استمر الاجتماع قرابة شهر كان الجميع خلاله محل تقدير الإمام فيصل واحترامه. وفي نهاية الاجتماع شدد الإمام فيصل على أمر الزكاة لكونها مطلبًا شرعيًا وتكافلاً اجتماعيًا. ولتحقيق العدالة أمر جباة الزكاة بمصاحبة زعماء القبائل وأمراء الأقاليم لجمع الزكاة من البلدان وصرفها في مصارفها الشرعية، وكانت الزكاة تشكل مصدرًا مهمًا من مصادر دخل الدولة  .وقد وقعت نتيجة تنظيم جباية الزكاة خلافات بين القبائل فيما بينها من جهة، وبينها وبين عمال الحكومة المركزية المكلفين بجباية الزكاة من جهة أخرى. كانت هذه الخلافات تحمل في طيَّاتها أمرين خطيرين تَمَثَّلا في: رفض دفع الزكاة الشرعية، وحصول اضطرابات بين القبائل شككت في قدرة الدولة على فرض هيبتها، وهو أمر لم يكن الإمام فيصل ليتهاون فيه، خصوصًا وهو في مستهل حكمه. تركزت الاضطرابات في وادي الدواسر، وفي الوشم. وقد سارع الإمام فيصل بإرسال حملة عسكرية لإنهاء الخلاف وفرض هيبة الدولة. وبما أن أمر دفع الزكاة مسألة مهمة جدًا بالنسبة إلى الإمام فيصل؛ فقد سار بنفسه على رأس حملة عسكرية إلى وادي الدواسر، وأقنع سكانها بدفع الزكاة، ثم سار إلى الوشم للغرض نفسه. وقد حقق الإمام فيصل هدفه، ونجح في إرساء الاستقرار، فقد جاءه مشايخ قبائل مطير وقحطان والدواسر طائعين طالبين عفوه  . 
 
د) علاقته بوالي مصر:
 
حقق الإمام فيصل نجاحًا كبيرًا في مسعاه لتدعيم كيان الدولة السعودية منذ تسلم زمام الحكم؛ ففي نجد دانت له جميع البلاد وقبائلها، وفي الأحساء استطاع أن يحل المشكلات التي كانت قائمة هناك بين الدولة وشيوخ البحرين الذين تخلوا - بما بذله الإمام فيصل من جهود - عن المناطق الساحلية التابعة للدولة السعودية التي استولوا عليها، وتعهدوا بدفع الزكاة مقابل مساعدة الدولة السعودية لهم ضد أي عدوان خارجي  . كانت أخبار هذه الإنجازات تصل تباعًا إلى مسامع والي مصر محمد علي باشا، وهو الذي نذر نفسه لوأد أي كيان مستقل في جزيرة العرب منذ سقوط الدولة السعودية الأولى. وعلى الرغم من قناعته باستحالة فرض الحكم المباشر على إقليم نجد لأسباب كثيرة اقتصادية وسياسية وإستراتيجية؛ إلا أن طموحاته السياسية كانت خلف تحركاته العسكرية. فهو في هذه الفترة كان قد حقق كثيرًا من أحلامه التوسعية في إقامة دولة كبيرة على حساب الدولة العثمانية؛ فقد استولى على الشام والسودان وأجزاء من بلاد اليونان والأناضول، كما بدأ يتطلع إلى ضم أجزاء من الجزيرة العربية؛ وبخاصة اليمن  .  كانت هذه الطموحات تتنافى - في نظر والي مصر - مع وجود دولة مستقلة في الجزيرة العربية هي الدولة السعودية الثانية. وهذا الأمر كان يؤرق محمد علي، لكنه كان يدرك أيضًا أن المحاولات السابقة التي كرسها لاستئصال فكرة إقامة دولة في نجد غير مجدية لأسباب كثيرة، منها القسوة التي كانت جيوشه تعامل بها سكان نجد، وكذلك أهدافه المعلنة في محاربة الدولة السعودية. ولعل أكثر ما أرَّق والي مصر هو التجربة السعودية في حكم البلدان النجدية التي أظهرت ارتياح الأهالي لعودة الحكم السعوديكان محمد علي يدرك المخاطر من إرسال جيش لمقاتلة الدولة السعودية، وكان يكفيه اعتراف هذه الدولة بالتبعية له ومساعدته في إخضاع بعض البلاد الرافضة لحكمه أو نفوذه. ومن أجل هذا الهدف طلب من الإمام فيصل - بوساطة الأشراف في الحجاز - تزويد جيش محمد علي الذي يزمع إرساله إلى الجزيرة العربية بالمؤن والأدلاء، كما طالب الإمامَ فيصل بدفع المستحق على ولاية نجد  .  هذه المطالب أوجدت ريبة وشكًا لدى الإمام فيصل حول أهداف والي مصر؛ لعلمه أن محمد علي سيستخدم هذا الجيش لضرب أي كيان مناوئ له، ومن باب أولى الدولة السعودية، كما اتضح لاحقًا أنه استخدمه ضد الثوار في عسير وهم الحلفاء الإستراتيجيون للدولة السعودية منذ نشأتها ضد الوجود الأجنبي في جنوبي الجزيرة العربية. وعلى الرغم من ذلك فإن الإمام فيصل لم يرغب في الاصطدام بمحمد علي أو إظهار موقف مناوئ له، وبدلاً من ذلك اتخذ موقف الملاينة وإظهار حسن النوايا عندما أرسل أخاه جلوي مع بعض الهدايا إلى ممثل محمد علي باشا في الحجاز، وكان يعلم أن التعامل مع حملة محمد علي أمر قد فُرض عليه، وأن عليه أن يتصرف بحكمة تكفل له استقلال بلاده، وقد كان يدرك في قرارة نفسه أطماع محمد علي باشا، وأنه لا يمكن أن يُؤمَن جانبه.هذه الصورة المركبة من الطموحات والعقبات، والأفعال وردود الأفعال؛ جعلت محمد علي باشا يفكر في أسلوب يحقق أحلامه في تكوين (إمبراطوريته) بطريقة لا تثير مشاعر الناس، أو تسبب المشكلات له. وقد هداه تفكيره إلى إرسال حملة عسكرية قوية بقيادة إسماعيل بك، يرأسها ظاهريًا الأمير خالد بن سعود، أخو الإمام عبدالله بن سعود آخر حكام الدولة السعودية الأولى، وكان ممن نُقل إلى مصر وأقام فيها مدة طويلة اكتسب خلالها كثيرًا من عادات أهلها؛ ما دفع محمد علي للاعتماد عليه لكونه مواليًا له. وكان يتوقع أن مجيء الأمير خالد بن سعود مع الحملة سيؤدي إلى اجتذاب مؤيدي الإمام فيصل، لكن محمد علي باشا كان مقتنعًا بأن الأمير خالد لن يكون أكثر من حاكم اسمي يخدم مصالحه والواقع أن محمد علي باشا طبَّق هذه السياسة في جميع المناطق التي استطاع السيطرة عليها؛ فقد كان يعمد إلى إشراك القوى المحلية في إدارة المناطق؛ وذلك لتحقيق هدفين، الأول: الاستفادة من خبرتها في شؤون هذه المناطق، والثاني: استعمالها بوصفها عاملاً مساعدًا لبسط سيطرته على تلك المناطق؛ لما لهذه القوى من نفوذ لدى أتباعها. وللهدف نفسه أبقى على زعامة شيوخ القبائل الكبيرة، ومنحهم سلطة في مناطقهم  أصبح لا مناص من المجابهة بعد أن فشلت خطوة أخرى لكبح طموحات محمد علي باشا قام بها الإمام فيصل، عندما أرسل بعض الهدايا إلى قائد جيش محمد علي. وبما أن خط سير حملة محمد علي يتجه من المدينة إلى القصيم ثم إلى العاصمة الرياض؛ فقد أسرع الإمام فيصل عام 1252هـ / 1837م لحماية القصيم، لكنه وجد جيش محمد علي قد سبقه إليها. وعلى الرغم من وقوف زعماء القصيم وأهلها مع الإمام فيصل لأنه الإمام الشرعي؛ إلا أنه أدرك مدى قوة الجيش الغازي. وإزاء هذا الخطر المحدق استشار كبار قادته في الخطة التي يجب اتباعها على ضوء الوضع العسكري، فأشاروا عليه بأن يرحل إلى عنيزة، وأن يقوم من هناك بعدة هجمات على القبائل الذين انضمُّوا إلى الجيش الغازي. كانت هذه الخطوة في صالح قائد جيش محمد علي في القصيم الذي أشاع أن الإمام فيصل انهزم. وعندما وصل الإمام فيصل إلى عنيزة وجد الأمور قد تغيرت وأن إشاعة هزيمته قد سرت سريان النار في الهشيم  ؛  ونتيجةً لذلك قرر الإمام فيصل أن يعود مسرعًا إلى الرياض لحمايتها وتحصينها والدفاع عنها. وبذلك سقطت مدن القصيم الواحدة تلو الأخرى بيد جيش محمد علي. ليس هذا فحسب؛ بل إن الحامية السعودية المدافعة عن الرياض وصلتها الشائعات بانهزام الإمام فيصل قبل أن يصل هو إلى عاصمته؛ وبسبب ذلك دبت الفوضى بين صفوف الحامية، وخاف رجالها من مجابهة جيش محمد علي. كما أن قسمًا منهم انطلت عليه خديعة محمد علي باشا ورأوا أحقية خالد بن سعود بالحكم. في حين ذكر بعض الباحثين أنه عندما اقترب فيصل من الرياض كان خالد بن سعود قد سبقه إليها، وحصل اشتباك بين الطرفين تغلب فيه خالد واستولى أنصاره على الرياض واحتلوا قلعتها  كانت الخيارات أمام الإمام فيصل محدودة؛ فإما المجازفة وملاقاة جيش محمد علي في معركة غير متكافئة سيكون مصيرها الفشل، وإما الابتعاد مؤقتًا عن مسرح الأحداث ريثما يعيد ترتيب أولوياته وأهمها إعادة الثقة إلى جيشه وامتصاص الصدمة التي أوجدها اكتساح جيش محمد علي البلدان النجدية. لقد وجد أن الخيا
شارك المقالة:
237 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم