قيمة العمل الإنساني.. قبل التوبة

الكاتب: المدير -
قيمة العمل الإنساني.. قبل التوبة
"قيمة العمل الإنساني.. قبل التوبة




إذا علمت أن عدد النجوم في السماء أكثر من عدد التراب على الأرض، وعلمت سعة الكون وعظمة تكوينه، ودقَّة قوانينه، وعلمتَ أن انتظام الكون بهذه الضَّخامة على هذا النحو مقصود به مِن وراء هذا: النَّظر إلى ما يعمل هذا المخلوق الضعيف؛ الإنسان، عندئذ تعلم قيمة هذا المخلوق.

 

ليست قيمته في مجرد وجوده، بل قيمته في النظر إلى عمله، فقد خُلق كل هذا للنظر إلى ما يعمل ? الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ? [الملك: 2].

 

عندئذ تَعرف قيمة الكلمة، وقيمة العمل، وقيمة الخطوة، وقيمة اللحظة التي تمرُّ عليك إذ إنك مخلوق نفيس، ومحلك في الكون ونظامه وتقديره محل سامٍ؛ فانظر ما تعمل.

 

فإذا ضممت إلى هذا أن ملائكةً تحفظك من بين يديك ومن خلفك، وملائكة أخرى لكتابة الكلمة والعمل والتَرْك وكل ما تَفيض فيه وتَنشغِل به؛ حيث إنه محل إحصاء وتسجيل وكتابة ومُتابعة وتتبع لأثر الكلمة والعمل.

 

وإذا علمت احتفاء السماء بك، وسؤال الخالق عن عملك؛ إذ إنَّ الله تعالى يسأل ملائكته عنك؛ وهو أعلم بك وبهم، على أي حال ترَكوك؟ علمت وتأكَّدت أن جريان هذا الخلق على هذه العظمة وهذه الدقة كان من أجل عملك أنت، فانظر أيها المخلوق في وظيفة وجودك.

 

وإذا نظرت في الأرض وخلقها وعالم الطبيعة والأحياء والكيمياء والفلك والقوانين الحاكمة ودقتها وعمقها وتعقيدها، ولم تقف عند هذا الحد كما يقف علماء الغرب؛ ? يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ? [الروم: 7]، بل نظرت إلى ما وراء ذلك لتعلم الحكمة والغاية من وراء هذا الوجود الضخم والرائع، لعلمت عِظَم دورك في الوجود، هذا الحجم وهذا الثقل ليس لمجرَّد وجودك بل لعملك؛ ? إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ? [الكهف: 7].

 

قبل أن تتوب أو لا تتوب انظر أولاً الى قيمة عملك ومحله من الحياة، إن عملك كائنًا ما كان حُسْنه أو سوءه، هو في محل المركز من الوجود؛ الأرض إلى أعماق البحار بما فيها، وأعماق الغابات وما احتوت، وأعماق الصحاري الشاسعة وما امتدَّت، والسماء إلى مدارات النجوم وتعداد المجرّات، إلى السماوات العلى والملائكة.

 

بل هي محل نظر الرب تعالى وسؤاله؛ فيسمع تعالى لتالي القرآن، ويضحك للمُجاهد بلا درع يَحميه، ويضحك لمن ترك فراشه وزوجه ليقوم يدعو ويسأل ويرتِّل الكتاب، يُجيب عبده في صلاته في قراءة أمِّ الكتاب، وينظر في كتاب عملك، فإذا وجد في أول النهار خيرًا وآخر النهار خيرًا، أمَرَ ملائكته ألا يكتبوا ما بين ذلك من الذنوب؛ (الطبراني وحسّنه المنذري)، ويُشهد ملائكته غفران ما بين طرفي الصحيفة (الترمذي والبيهقي).

 

تَجري الأقلام في السماء بالمقادير والأعمال، تفتح أبواب الجنة لدعوةٍ تدعوها عقب الوضوء، وتتلمظ النار لكلمة سوء وعمل شر آخر، وتبني الملائكة للذاكر، وتغرس له غراسًا في الجنة بحسب ذِكْره؛ فإن سكت سكتتْ.

 

أنت مخلوق نفيس، نفاستك في عملك وقيمتك فيما تقدِّم، أعلمت - إذًا - لماذا تتوب ومعنى ألا تتوب؟

تعرف قيمة عملك إذا علمت ما يُرتبه الرب تعالى على عملك من أقدار؛ فيُنزِّل الرزق لمن تاب، ويبارك للمُطيع، ويُعاقب العاصي، ويستدرج آخر، وإذا علمت أن أعمالك لو انحرفتْ ظهرَت العقوبة متمثلة في فساد يشمل البر والبحر، وإذا علمت أن أعمال البعض أهلكت أُممًا؛ ? فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ? [الأنعام: 6]، بينما مَن استغفر وتاب وأصلح واقعه الفردي والعام زادَه قوَّة وآتاه رزقًا.

 

إن شأن الأمم والتبديل والاضمِحلال والنشوء لأمم أخرى مرتبط بالذنوب والطاعات، وهنا تبرز أهمية الذنوب العامة التي تُقرُّها أمة، والطاعات العامة التي تُقيمها أمة؛ ((أنهلك وفينا الصالحون؟)) قال: ((نعم؛ إذا كثر الخبث))، وعن السلف أن الله تعالى يعذب العامة بذنب الخاصة إذا جهروا بالمعاصي ولم ينكَر عليهم، فهذه أقدار مرتبة على عملك ومواقفك.

 

لكن كن على وعي، فالذنب هنا ليس فقط الذنب الفردي، بل ما استقر في المجتمعات ونشأ فيها من معاصٍ عامة أو طاعات عامة؛ فلهذا أثر عظيم ومباشر.

 

أنت قيمة كُبرى في شروق الشمس ودوران القمر وسير النجوم، وانبلاج الصبْح وانشقاق النبتة من تربتها ونزول وليد البهائم؛ ليستمرَّ غذاؤك وإمدادك، كلُّ هذا من أجل النظر إلى ما تقول وتفعل، وما يقر في قلبك من عقيدة واتجاه ومعنى، ? وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْه ? [الجاثية: 13]، ما أغلاك وأنفس وجودك! أغلاك ربُّك وأرخصت نفسك بالمخالفة، فانظر لماذا تأخَّرتَ في عودتك وتوبتك؟

 

عندما تتوب تقرِّر قيمة وجودك بين النجوم وفوق الأرض وبين الخلائق، إنك عندئذ تقرر الحفاظ على مكانتك وتكريمك وأصل وضعك بين المخلوقات؛ ? لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ? [التين: 4 - 6].

 

لا مكان للهزل أو الهزء في هذه الحياة، إنها جادة، ولو غفلت!

إنك تتكلم بما تشاء، وتعمل ما تريد، وتَغفل وتنسى وتعترض، وتُحادُّ الله وتشاقُّه، ولا تدري أن الكون كله ينظر إليك، ينفعل بك فيُحبك أو يبغضك، فبعض كلمات بعض بني آدم يكاد الكون ينهدُّ منها؛ ? تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ? [مريم: 90، 91].

 

جاء في الأثر أن البقاع تتفاخَر؛ فتفخر بُقعة أن ذُكر الله عليها على بقعة أخرى لم تشرُف بذلك، وتشهد لصاحبها، ويَبكي على المؤمن موضع سجوده في الأرض، وموضع صعود عمله في السماء.

 

للحياة انفعال ضخم، وأنت لا تدري بكلامك وأفعالك واعتقاداتك، فانظر وراجع وأصلح الوجود بصلاحك، وصلاحك في منهج ربك، أنت قيمة ضخمة فهل ستعود؟ ولماذا تبطئ إذًا؟!


"
شارك المقالة:
31 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook