قيمة وقامة

الكاتب: المدير -
قيمة وقامة
"قيمة وقامة

 

قال تعالى: ? لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ? [الأنبياء:10].




قال أهل التفسير: يقول تعالى لأولئك المشركين المطالبين بالآيات التي قد تكون سبب هلاكهم ودمارهم ? لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ ? لهدايتكم وإصلاحكم ثم إسعادكم ? كِتَابًا ? عظيم الشأن ? فِيهِ ذِكْرُكُمْ ? أي ما تذكّرون به وتتعظون فتهتدون إلى سبيل سلامتكم وسعادتكم، وفيه أيضا عزكم وشرفكم بين الأمم والشعوب لأنه نزل بلغتكم، والناس لكم فيه تبع، وهو شرف أي شرف لكم. أتشتطون في المكايدة والعناد، فلا تعقلون ما خير لكم مما هو شر لكم .. وعن مجاهد ? فِيهِ ذِكْرُكُمْ ? فيه حديثكم.




روي أن الأحنف بن قيسكان جالسًا يومًا فجال في خاطره قوله تعالى: ? لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ? [الأنبياء:10] فقال: عليَّ بالمصحف لألتمس ذكري حتى أعلم من أنا؟ ومن أشبه؟




فمر بقوم: ? كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ? [الذاريات: 17 - 19].




ومرَّ بقومٍ: ? الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ? [آل عمران: 134].




ومرَّ بقوم: ? وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ? [الحشر: 9].




ومرَّ بقوم ? وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ? [الشورى:37].




فقال - تواضعًا -: اللهم لست أعرف نفسي في هؤلاء .. ثم أخذ يقرأ فمر بقوم: ? إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ? [الصافات: 35].




ومرَّ بقوم يقال لهم: ? مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ? [المدثر: 42 - 46].




فقال: اللهم إني أبرأ إليك من هؤلاء حتى وقع على قوله تعالى: ? وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ? [التوبة: 102].




فقال: اللهم أنا من هؤلاء.

قال الحسن البصري -رحمه الله-: استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعة يوم القيامة.




وقال ابن الجوزي -رحمه الله-: إن لم تجدوني في الجنة بينكم فاسألوا عني فقولوا :يا ربنا عبدك فلان كان يذكرنا بك! ثم بكى رحمه الله رحمة واسعة .




واحذروا تقلب القلوب .. «الرَّجَّال بن عُنْفُوة»-واسمه نهار- كان في وفد بني حنيفة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلزمه وتعلم منه وحفظ القرآن والأحكام وجدّ في العبادة.




يقول رافع بن خديج: كان بالرَّجَّالِ من الخشوع ولزوم قراءة القرآن والخير شيء عجيب.

وقال عنه ابن عمر -رضي الله عنهما-: كان من أفضل الوفد عندنا، قرأ البقرة وآل عمران وكان يأتي أبيا يقرئه.




بعثه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معلمًا لأهل اليمامة، وليشغب على مسيلمة الكذاب، فلما وصل الرَّجَّال اليمامة التقاه مسيلمة وأكرمه وأغراه بالمال والذهب، وعرض عليه نصف ملكه إذا خرج إلى الناس، وقال لهم إنه سمع محمدا يقول: «إن مسيلمة شريك له في النبوة» فطاوعه، بل وقال: كبشان انتطحا فأحبهما إلينا كبشنا.




فالرَّجَّال لما رأى ما فيه مسيلمة من النعيم -وكان من فقراء العرب- ضعف ونسي إيمانه وصلاته وصيامه وزهده، وخرج إلى الناس الذين كانوا يعرفون أنه من رفقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فشهد أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: إنه قد أشرك معه مسيلمة بن حبيب في الأمر .




فكانت فتنة «الرَّجَّال» أشد من فتنة مسيلمة الكذاب، وضل خلق كثير بسببه واتبعوا مسيلمة، حتى تعدى جيشه أربعين ألفا .. فهو الفقيه الخوان الأثيم، مع أنه كان من حفظة القرآن، نسأل الله الثبات.




ثم قُتل الرَّجَّال مع من قتل من أتباع مسيلمة في موقعة اليمامة، فقد كان أول من لقي المسلمين، فقتله زيد بن الخطاب، وخُتم له بشر، ومات على الكفر مذمومًا مخذولًا!.




على العكس من «وحشي بن حرب» الذي قتل حمزة أسد الله وعم رسوله يوم أحد، ولكن هداه الله فختم له بخير وصار من خيرة المجاهدين، وقتل مسيلمة الكذاب يوم اليمامة.




فلا تغتر بعباداتك وصلاتك وصيامك وزكواتك وصدقاتك، ولا تمنن، ولا تغتر بما تراه من نفسك، ولا ما يقوله الناس مدحا فيك، وادع الله بأن يثبتك ويختم لك بخير، ولا تحقرن أحدًا بذنبه أو لذنبه، وأدع الله أن يتوب عليه .. وردد دوما «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».




إن معية الله تعالى للمتقين ما هي إلا تسديده وإعانته وكفايته لهم، وكلما زاد العبد في التقوى زاد الرب في تسديده.




والمعية ظاهرة وباطنة، وليس المقصود أن يكفيه الله تعالى الأذى فقط، بل يكفيه ظاهرا وباطنا، فقد يقع له الأذى في الظاهر لكن يرزقه يقينا وصبرا وثباتًا، فيجد طمأنينة في القلب وثباتا على الحق وقوة في الصبر.




لذلك الأنبياء كانوا أشد الناس بلاء وأشدهم ثباتًا، فكفاية الله لا تعني عدم نزول البلاء بل ما يحصل في الباطن من راحة وثبات وطمأنينة.




لذلك يجب على المتصدر للحق أن يكثر من العبادة حتى يصنع سياجا يحميه من الانتكاسة. وهم الأحوج دائمًا للتعرض لمعية الله وكفايته.

والتقصير في العبادة يؤدي للانتكاس.




إننا في أشد الحاجة «للتربية المكية» تلك المرحلة من الدعوة الغنية بآيات التوحيد والربوبية والحساب والجنة والنار لتقوية قلب المسلم حتى لا تزعزعه حالة الضعف والظلم وعدم التمكين السائدة، ففي وجود حالة عدم التمكين لسلطان الحكم بالشريعة الإسلامية تضعف النفوس وتتعدد الأهواء، لأن قوة سلطان الحكم له وازع وازجر في نفوس البشر .. فلقد اشتدت بالمؤمنين الأحوال التي يصفها أحد الكتاب بقوله:

مرحبا بك في القرن الواحد والعشرين، حيث الحرام مجاني والحلال مُكلف جدًا.. حيث وصول البيتزا أسرع من وصول الإسعاف والأمن.. حيث فقدان الهاتف أكثر ألمًا من فقدان الكرامة، والملابس تحدد قيمة الشخص.. حيث أصبح الوفاء وأصحابه من الطراز القديم .. حيت المال هو تمثال الحرية والعدالة والمساواة.




مرحبًا بك في هذا العصر الموحش.. حيث أصبح الكذب فهلوة، والخيانة ذكاء، والفقر عيب، والعُري أصبح قمة الأناقة، والحرية والتحشم قمة التخلف، والجمال هو عامل الجذب الأول.




كسر الخاطر أصبح صراحة، وجبر الخواطر أصبح طيبة وهبل.

والمال يُجِبر الناس ‏أن تحترمك حتى لو مال حرام.

والمبادئ والقيم قمة التخلف والتأخر.

أهلًا بك في قمة الزيف، وفي أسوأ عصر من عصور البشرية.!




نعم تعددت الأهواء والفتن، التي تزينت بالمال والشهرة، ومع الفضائيات ووسائل التواصل وجدت لها طريقا في قلوب المسلمين بسبب غياب سلطان الحكم بالشريعة الذي يبسط عبق الإيمان على الناس ويردع كل خبيث.




لذلك نحن بلا شك في هذه أيام في أمس الحاجة لتقوية القلوب «بالتربية المكية» على توحيد الله الأحد الصمد وإفراده وحده بالعبودية العملية،واستحضار أجواء يوم الحساب والخوف من النار والرغبة في جنة الأبرار.




قال إبراهيم الخواص -رحمه الله-: دواء القلب في خمسة أشياء:

‏قراءة القرآن بالتفكّر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرّع عند السَحر، ومُجالسة الصالحين.




جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com

"
شارك المقالة:
25 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook