أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم على محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم؛ ليختم به الرسالات السماويّة، وليبقى كتاب الهدى والحقّ المهيمن، ولذلك تكفّل الله -تعالى- بحفظه، حيث قال: (إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ)، فكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يتلقّى القرآن الكريم من الوحي، ثمّ يدارسه جبريل عليه السلام، ويراجع حفظه، ثمّ يُكتب ما نزل منه، كما قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: (كنت أكتب الوحي لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته برحاء شديدةٌ، وعرق عرقاً شديداً، مثل الجمان، ثمّ سُري عنه فكنت أدخل عليه بقطعة الكتف، أو كسرةٍ، فأكتب وهو يملي عليّ، فما أفرغ حتى تكاد رجلي تنكسر من ثقل القرآن، حتى أقول لا أمشي على رجلي أبداً، فإذا فرغت قال اقرأ، فأقرأه، فإن كان فيه سقطٌ أقامه، ثمّ أخرج به إلى الناس)، بالإضافة إلى أنّ الكتابة في ذلك الوقت كانت محصورةً بالقرآن الكريم، فقد قال رسول الله عليه السلام: (لا تكتبوا عني شيئاً إلّا القرآنَ، فمن كتب عني غيرَ القرآنِ فلْيمحْه).
ذكرت كتب التاريخ العديد من الصحابة الذين كانوا يكتبون الوحي عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فذكرت منهم: الخلفاء الراشدين الأربعة؛ أبو بكر الصّديق، وعمر بن الخطّاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، ومنهم أيضاً:
هو أحد أشهر كتّاب الوحي رضي الله عنهم، وهو صحابيّ من الأنصار، كان يبلغ من العمر أحد عشرة عاماً عندما قدم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة، وعلى الرغم من صِغَر سنّه في ذلك الوقت؛ إلّا أنّه كان صاحب فضلٍ عظيمٍ، وكان شديد الذكاء، سريع البديهة، قوي الحفظ، إذ إنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أمره بأن يتعلّم لغة اليهود في المدينة المنورة، فتعلّم اللغة العبريّة خلال خمسة عشر يوماً، وكان كاتباً للوحي في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ثمّ كلّفه أبو بكر الصّديق بجمع القرآن الكريم في خلافته، حيث قال له: (إنّك شابٌ عاقلٌ، لا نتّهمك)، فقام بذلك، وكان زيد -رضي الله عنه- يقول: (والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه، لكان أهون عليّ ممّا أمروني به من جمع القرآن)، ثمّ استعان به عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في خلافته؛ لتوحيد المصحف، وتوفّي زيد في العام الخامس والأربعين للهجرة.
موسوعة موضوع