شهر رمضان شهر الرّحمة والغُفران، وهو من أعظم الشّهور التي تُطلّ على عباد الله المُخلصّين في كلّ سنةٍ؛ لِما يحمله ذلك الشّهر من معاني التّسامح، والتّراحُم، والإخاء، والمودّة؛ حيث تكمن في ثناياه رحمة الله -عزّ وجلّ- ومغفرته لجميع عباده الصّائمين؛ فهو الشّهر الذي نزل فيه القرآن على قلب سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- أشرف الخلق وخاتم المُرسَلين، وهو شهر الصّيام والقيام، أوجب الله على عباده صيام نهاره، وأمرهم بقيام ليله، فمن التزم منهم بأمر الله استحقّ ما جاء به الشّهر من رحمات، ومن لم يستجب لأمر الله استوجبَ بفعله البُعد عن البركات، وبلغ بصنيعه ذلك أدنى الدّركات، أمّا من ترك صيام رمضان لعُذرٍ مشروعٍ فليس عليه شيءٌ من الإثم، إلا أنّه يجب عليه قضاء ما فاته من الصّيام، وعلى مَن عجِز عنه لمرضٍ إطعامٌ، فما هي كفّارة عدم قضاء صيام الأيّام التي يُفطرها المعذور من رمضان، وعلى من يجب ذلك؟ كلّ ذلك سيتمّ بيانه في هذه المقالة بعد توفيق الله.
جاء الإسلام بالتّيسير على الناس والبُعد عن المشقّة، بل إنّ كلّ ما كان فيه مشقّةٌ وعناءٌ على المسلمين فإنّه يجب عليهم تركه وإلّا أثِموا، لذلك فإنّ من كان في صيامه ضررٌ مُحقَّقٌ عليه فإنّه يُباح له الفطر، بعد أن يتحقّق له ذلك، وقد جعل العلماء أصناف مَن يُباح لهم الفطر في رمضان على عدّة أنواعٍ، هم:
اتَّفق الفقهاء على أنّ من أفطر في رمضان، فإنّه يجب عليه صيام أيّامٍ بعد انتهاء رمضان حال تمكُّنه من ذلك، مُقابل الأيام التي أفطرها إن كان قادراً على ذلك، كما اتّفقوا على أنّه يجب عليه أن يقضي ما فاته من رمضان الماضي قبل أن يجيء رمضان الذي يليه، ودليل ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أنّها قالت: (كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). ووجه الاستدلال من الحديث واضحٌ؛ حيث يظهر حِرْص أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عَلى أداء ما فاتها من الصّيام قبل دخول رمضان حتى لو كان ذلك فِي شَعْبَان، وأنّ تَأْخِير الْقَضَاء إلى دخول رمضان التالي لا يَجُوز.
وإن أخَّر الذي عليه القضاء ما عليه حتّى دخل شهر رمضان آخر، فإنّ ذلك لا يخلو من حالتَين، هُما:
موسوعة موضوع