كفى بالموت واعظا (1)

الكاتب: المدير -
كفى بالموت واعظا (1)
"كفى بالموت واعظا
(الحلقة الأولى)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فقد فجئت في الأيام القريبة بموت اثنين أحدهما قريب والثاني صديق، وكلاهما كان موته مفاجئًا أحدهما بمرض مفاجئ لم يمهله إلا أيامًا معدودة والثاني بجلطة قلبيه رحمهما الله وجميع أموات المسلمين؛ ولذا كانت هذه الرسالة لعلها تكون سببًا ليقظة قلوبنا وتشميرنا للصالحات؛ فأقول - مستعينًا بالله سبحانه -:

أولًا: يجب على أهل الميت الصبر وعدم الجزع والسخط وقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيرًا منها.

 

فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها بذلك فقالته لما توفي زوجها فأخلف الله لها خيرًا منه وهو النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها.

 

ثانيًا: الحزن والبكاء العادي فطري ولا يؤاخذ به الإنسان فقد حزن النبي صلى الله عليه وسلم لموت ابنه إبراهيم (عن أنس -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل على ابنه إبراهيم -رضي الله عنه- وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تذرفان. فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟! فقال: «يا ابن عوف إنها رحمة» ثم أتبعها بأخرى، فقال: «إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون». [رواه البخاري وروى مسلم بعضه.]

 

ثالثًا: أن يُكثر أهل الميت وأقاربه وأصدقاؤه من الدعاء له فهو الذي ينفعه ولا ينقطعوا عنه مهما تقادم الزمن

 

رابعًا: ينبغي أن يستفيد كل من علم بخبر الوفاة بتذكر أن الموت قد يأتيه فجأة فتتهيأ النفوس دائمًا للموت الذي قد يُباغت أحدنا فجأة وهو في كامل صحته وقوته ولنقف كثيرًا بتدبر وخشوع عند الآيات التالية، قال سبحانه: ? قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى? رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ? [السجدة: 11].

 

? كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ? وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ? وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ? [الأنبياء: 35].

 

خامسًا: إذا علمنا حقًا أننا سنموت ولن ينفعنا إلا الأعمال الصالحة وأن الموت قد يأتي فجأة فيلزم من ذلك أن ترق القلوب وتخشع لخالقها سبحانه وأن تدمع الأعين رهبة من الموت وما بعده من أهوال القبر ومن الحساب والجزاء والنار قال سبحانه: ? وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ? [القارعة: 4 – 7].

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « نَارُكُمْ جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءًا مِن نَارِ جَهَنَّمَ»، قيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، قالَ: « فُضِّلَتْ عليهنَّ بتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا»؛ [رواه البخاري].

 

أيها الإخوة كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصِفُ الجنَّةَ تَرغيبًا فيها، ويَصِفُ النَّارَ تَرهيبًا منها، فيَحصُلُ بذلك التَّبشيرُ والتَّحذيرُ.

 

وفي هذا الحديثِ يُخبِرُنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن وَصْفِ النَّارِ، وأنَّ نِسبةَ الطَّاقةِ الحراريَّةِ الموجودةِ في نارِ الدُّنيا كنِسبةِ جُزءٍ إلى سَبعينَ جُزءًا مِن حَرارةِ نارِ جَهنَّمَ، والمرادُ المبالَغةُ في الكثرةِ، لا العددُ الخاصُّ الَّذي هو سَبْعونَ جُزءًا فقطْ، فلمَّا سَمِع ذلك بَعضُ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم قال: «يا رَسولَ اللهِ، إنْ كانتْ لَكافيةً»، أي: إنَّ نارَ الدُّنيا كانتْ كافيةً في الإحراقِ، مُجزِئةً في الإيلامِ؛ فهي تُحرِقُ الجَمادَ، فضْلًا عن الأجسامِ البَشريَّةِ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فُضِّلَتْ عليهنَّ بتِسعةٍ وستِّينَ جُزءًا»، فنارُ الآخِرة تَزيدُ قوَّةُ حَرارتِها عن حَرارةِ نارِ الدُّنيا بتِسعةٍ وستِّينَ جُزءًا، كلُّ جُزءٍ منها يُعادِلُ حَرارةَ نارِ الدُّنيا كلِّها، بحيث إنَّه لو جُمِعَ حَطَبُ الدُّنيا وكلُّ وَقودِها، وأُوقِدَ كلُّه حتَّى صار نارًا؛ لَكان الجزءُ الواحدُ مِن أجزاءِ نارِ جَهنَّمَ -الذي هو سَبعونَ جُزءًا- أشَدَّ منه.

 

وفي الحديثِ: أنَّ النارَ مَخلوقةٌ وموجودةٌ الآنَ، وبيانُ عِظَمِ نارِها وحَرارتِها، أجارَنا اللهُ تعالَى منها.

 

وفيه: تَحذيرٌ مِن النَّارِ ليَبعُدَ النَّاسُ عن الأعمالِ الموصِلةِ إليها. [موقع الدرر السنية].

 

سادسًا: وكما نُذكر بأليم عقاب الله للعصاة فنذكر بعظيم ثواب الله للطائعين لتسير القلوب بين الرجاء والخوف فلا تقنط من رحمة الله سبحانه ولنجتهد في طاعته عزوجل ومن المرغبات قوله سبحانه: ? إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ? [فُصِّلَتْ: 30 -31].

 

قال بعض المفسرين الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ? يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ ? يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَة. قَالَهُ مُجَاهِد، وَالضَّحَّاكُ؛ وَغَيْرُهُمَا.

 

وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا ذكره بعضهم من أن رؤية المؤمن للملائكة تكون في يوم القيامة، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ فِي هَذَيْنَ الْيَوْمَيْنِ يَوْمِ الْمَمَاتِ وَيَوْمِ الْمَعَادِ تَتَجَلَّى لِلْمُؤْمِنِينَ وَلِلْكَافِرِينَ، فَتُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ، وَتُخْبِرُ الْكَافِرِينَ بِالْخَيْبَةِ وَالْخُسْرَانِ، فَلَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ. انتهى من تفسير ابن كثير.

 

وروى الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ... وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ، فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا...) الحديث، وصححه الألباني.

 

انتهت الحلقة الأولى وتليها بإذن الله الحلقة الثانية

حفظكم الله ورزقكم قوة الإيمان والإخلاص ورحم الله موتاكم وموتى المسلمين

وصل اللهم على نبينا محمد ومن والاه.


"
شارك المقالة:
20 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook