الصديق الحقيقي هو أخ لم تلده الأم وهو رفيق العمر الذي لا يخون ولا يخلف العهد، وهو من يحمل الهم والحزن عن صاحبه وهو من يسانده بأحزانه وعسره قبل يسره، وهو سباق لكل خير ولا يتمنى الشر، الصديق الحقيقي هو الكنز الدفين الذي يبحث عنه الناس، وهو من مدحه الأدباء وتغنى به الشعراء، وفي هذه المقالة سنقدم لكم أجمل ما قال الشعراء والأدباء عن الصديق الحقيقي.
ما أجمل تلك اللحظات التي تستشعرها بكل كيانك، فيذوب لها قلبك، وتحس دفء الروح يسري في عروقك، وبقشعريرةٍ يرتجف لها عظمك، وبسعادةٍ لا يمتلكها إنسان، ولا يصفها أيّ مخلوق كان، وبآمال وأحلام تتزاحم في الفكر والوجدان، عن هذا الأخ الذي صورته لا تفارقك، وابتسامته تلازمك وطيفه يناجيك ويسامرك، تندفع إليه وشوقك يسابق، والحياء قد غطى معالمك.
كم من أخ عرفناه، وصديق ألفناه، طوى الزمان صفحته، ومضى به قطار الحياة، فودعنا ورحل، ولم يبقي لنا إلّا الذكريات، ولأن عز في الدنيا اللقاء، فبالآخرة لنا رجاء، الصديق خير من ترتكز على كتفه إذا حزنت، حزنك الكبير يبدأ بالتّضاؤل والغروب بعيداً، هدهدته لك تمنحك أملاً جديداً، ذلك العالم الذي ضاق بك يبدأ يتّسع شيئاً فشيئاً، وفي فرحتك تشعر أن الكون لا يسعها إذا كان حولك أصدقاؤك كأنك بحاجة إلى استعارة أكوان أخرى تضع فيها هذه السعادة، كيف لا وقد انسجمت الأرواح معاً كما تآلفت وتقاربت الأعمار.
لنبقى أصدقاء، لنعاند الجفاء، حتى تبقى القصائد بلون ضحكاتنا وتبقى الكلمات عاشقة لحوارنا ولا يكون الصمت محوراً لحديثنا، لنبقى أصدقاء مهما حصل، حتى لا نمارس الخيانة لذكرياتنا مع النسيان، وتبقى أحاسيسنا مشتعلة للعيان، ولا يكون الهروب من الماضي بداية الزمان، لنبقى أصدقاء أوفياء، حتى نتذكر أسماءنا عند اللّقاء، وتبقى قلوبنا عامرة بالصفاء، ولا يكون يتجرع من الفراق كشرب ماء، لنبقى أصدقاء في لحظات الفراق، حتى تصبح أيامنا الماضية رائعة فريدة، وتبقى ذكرياتنا خالدة مجيدة، وتكون أوجاع ماضينا قوافيها سعيدة، لنبقى أصدقاء بعد الفراق، حتى نتذكّر بعضنا بحنين وتبقى دموعنا بلا أنين ولا يكون موعد انفصالنا لسنين، لنبقى أصدقاء لآخر العمر حتى لا تشوّه سنوات عمرنا، وتبقى أيامنا خالية من عار فراقنا، لنبقى أصدقاء حتى بعد رحيلي، لتقول يوماً بسلام وداعاً (يا أغلى إنسان).
الشاعر إيليا أبو ماضي، ولد أبو ماضي عام 1891م في لبنان في قرية المحيدثة ونشأ ودرس فيها، وفي سن الحادية عشر انتقل إلى الإسكندرية ثمّ انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أمّا دواوينه فهي: الخمائل، وتذكار الماضي، و الجداول، أما قصيدته إلى الصديق فقال فيها:
ما عزّ من لم يصحب الخذما
وارحم صباك الغضّ، إنّهم
كم ذا تناديهم وقد هجعوا
ما قام في آذانهم صمم
القوم حاجتهم إلى همم
تاللّه لو كنت ((ابن ساعدة))
وبذذت ((جالينوس)) حكمته
وسبقت ((كولمبوس)) مكتشفا
فسلبت هذا البحر لؤلؤه
وكشفت أسرار الوجود لهم
ما كنت فيهم غير متّهم
هانوا على الدّنيا فلا نعما
فكأنّما في غيرها خلقوا
أو ما تراهم، كلّما انتسبوا
ليسوا ذوي خطر وقد زعموا
متخاذلين على جهالتهم
فالبحر يعظم وهو مجتمع
والسّور ما ينفكّ ممتنعا
والشّعب ليس بناهض أبدا
يا للأديب وما يكابده
إن باح لم تسلم كرامته
يبكي فتضحك منه لاهية
جاءت وما شعر الوجود بها
ضعفت فلا عجب إذا اهتضمت
فلقد رأيت الكون، سنّته
لا يرحم المقدام ذا خور
يا صاحبي، وهواك يجذبني
ما ضرّنا، والودّ ملتئم
النّاس تقرأ ما تسطّره حبرا
فاستبق نفسا، غير مرجعها
ما أنت مبدلهم خلائقهم
زارتك لم تهتك معانيها
سبقت يدي فيها هواجسهم
فإذا تقاس إلى روائعهم
كالرّاح لم أر قبل سامعها
يخد القفار بها أخو لجب
أقبسته شوقي فأضلعه
إنّ الكواكب في منازلها
محمد مهدي الجواهري ولد عام 1899م في نجف، ونشأ في أسرة محافظة عريقة تعرف بآل الجواهر نسبة إلى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر وهو أحد أجداد الأسرة، رحل إلى بغداد وعمل في الصحافة فأصدر مجموعة من الصحف منها جريدة الرأي العام، وجريدة الفرات، وجريدة الانقلاب، وفي عام 1969م أصدر ديوان بعنوان بريد العودة وتوفي عام 1997م، أمّا قصيدته فقال فيها:
حَمَلَتْ إليك رسالةَ المفجوعِ
لاتبخَسوا قَدْرَ الدموع فانها
للنفس حالاتٌ يَلَذُّ لها الأسى
وأمضَّها فقدُ الشبابِ مضرَّجاً
أأبا فلاحٍ هل سمعتَ مَنَاحَةً
قد كنتَ في مندوحةٍ عن مثلِها
أبكيكَ للطبعِ الرقيقِ وللحِجىَ
أبكيك لستُ أخْصُّ خلقاً واحداً
جَزَعاً شقيقيه فهذا موقفٌ
أن التجلُّدَ في المصاب تطبُّعٌ
وإذا صدقتُ فانَّ عينَ أبيكما
شيخوخةٌ ما كان أحوجَها إلى
وبحَسْبِ " أحمدَ " لوعة "أنَّ ابنهُ "
لو تأذنون سألتُهُ عن خاطرٍ
أعرفْتَ في ساعاتِ عُمْركَ موقِفاً
إني رأيت القولَ غيرَ مرَّفهٍ
فأتتك تُعْرِبُ عن كوامنِ لوعتي