ذكر الله -تعالى- اسم السيّدة مريم في القرآن الكريم أربعاً وعشرين مرّةً، إحدى عشرة مرّةً منهم ذُكرت وحدها، وثلاث عشرة مرّةً بنسب ابنها عيسى -عليها السّلام- لها، وقد أثنى الله -تعالى- عليها في كتابه العزيز، فقال: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ)، وقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في فضلها: (ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّساءِ إلَّا مَرْيَمُ بنْتُ عِمْرانَ، وآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ) وكان مدح القرآن الكريم والسنّة الشريفة للمرأة الصدّيقة بلا غلوٍّ ولا تفريطٍ، بل أنزلوها منزلتها التي تستحقّها؛ لما قدّمت في حياتها في سبيل الله تعالى.
كانت أمّ مريم من أهل الصلاح والتقى في زمانها، ونذرت إن أكرمها الله -تعالى- بمولودٍ أن تجعله عبداً لله تعالى، وقربى له؛ لابتغاء مرضاته، فلمّا وضعت الأمّ ما في بطنها، وجدتها أنثى، فاندهشت وتعجّبت وأشفقت عليها؛ إذ إنّها ظنّت أنّ المولود سيكون ذكراً، ومع ذلك فلم تتوان الأمّ عن تحقيق النذر والوعد له سبحانه، وكبُرت السيّدة مريم وشبّت وهي في كنف الله تعالى، يكرمها بكراماتٍ لا ترقى لأحدٍ سواها، وظهر ذلك في حياتها حتّى قيل إنّ فاكهة الصيف كانت تصلها في الشتاء والعكس، ولا تُعرف طريقة وصول الفاكهة إليهاومنها ما ياتي