كيف أنسى دعوتي؟!

الكاتب: المدير -
كيف أنسى دعوتي؟!
"كيف أنسى دعوتي؟!




قالوا: استريحي لا تتحرَّكي؛ حتى تزولَ آلامي وتستقرَّ حالتي، قلت لهم: و(كيف أنسى دعوتي؟!).

ما نسيتُ يومًا أولادي ولا أسرتي، فكيف أنسى دعوتي؟! ما نسيت أهلي ولا أعمال بيتي، فكيف أنسى دعوتي؟!

• كيف أنسى لقاءً مع أهل الله تعالى وخاصَّته؟ اجتماعًا على مدارسة القرآن وتلاوته، نعيش مع معانيه، نقف عند عجائبه، تغشانا الرحمة، وتحفُّنا الملائكة، يذكُرُنا الله فيمَن عنده، نرتقي درج الجنان بحسب أخذنا للقرآن؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارتقِ، ورتِّل كما كنت تُرتِّل في الدنيا؛ فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها))[1].

نُعلِّم جيلًا ناشئًا كيف يكون القرآن في قلبه، يتغنَّى بآياته، يستغني بأخلاقه، تلك مهمة الأخيار؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((خيركم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمه))[2].




• كيف أنسى مجالسَ أرثٍ فيها ميراثٌ خيرٌ مِن ميراث الذَّهَب والفِضَّة، يحرس صاحبه، بل ينفعه في الحياة وبعد الممات؟ إنه ميراث الأنبياء، إنه العلم،تعلُّمُه لله خشية، وطلبه عبادة، والبحث عنه جهاد، وتعليمه صَدَقة، وبذلُه لأهله قُرْبة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة، وهو الدليل على الدين، وهو منار السبيل، يجعلك ممَّن تضع له الملائكةُ أجنحتها إكرامًا وإجلالًا، ويستغفر لك مَن في السموات ومَن في الأرض، حتى الحيتانُ في البحر، وهوام السباع في البر، به يطاع الله عز وجل، وبه يُعبَد، وبه يُوحَّد، وبه يمجَّد، وبه توصل الأرحام، ويُعرف الحلال والحرام، وهو إمام العمل، يُلهَمه السعداء، ويُحرَم منه الأشقياء، طريقٌ من طرق الجنة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكةَ لَتضعُ أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له مَن في السماء والأرض، حتى الحِيتانُ في الماء، وإن فضلَ العالم على العابد، كفضلِ القمر على سائر الكواكب، إن العلماءَ هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلم، فمَن أخذه أخذ بحظٍّ وافر))[3].




ويكفي صاحبَ العلم شرفًا وفضلًا أنه ممن أراد الله بهم خيرًا؛ عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن يُرِد الله به خيرًا، يُفقِّهه في الدين))[4].




• كيف أنسى وظيفةً قام بها خيرُ البشر؟ فالدعوة إلى الله وظيفة الرسل، وأتباع الرسل على الحقيقة هم الدعاة إلى الله على بصيرة؛ قال تعالى: ? قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ? [يوسف: 108]،أحسن الناس قولًا وأنفعهم عملًا؛ قال تعالى: ? وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ? [فصلت: 33].




بالدعوة يُعبَد ربُّ الأنام، وينتشر الإسلام، ويظهر التوحيدُ والإيمان، ويضمَحِلُّ الشرك والعصيان، فكيف يليقُ بنا أن نتأخَّر وقد تقدَّم غيرنا؟ أن نترك المجال لدعاة الكفر والإلحاد، والتنصير والفساد، لأصحاب العقائد المنحرِفة والمذاهب الباطلة، أن ينشروا باطلهم، ويُروِّجوا لعقائدِهم، قال صلى الله عليه وسلم: ((بلِّغوا عني ولو آية))[5].




وكلما دعوتَ إلى الله، كان لك مثلُ أجور مَن تبعك؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن دلَّ على خيرٍ، فله مثل أجر فاعله))[6].




فالدعوة خيرٌ من الدنيا وما فيها؛ قالرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فواللهِ لأنْ يهدي الله بك رجلًا واحدًا، خيرٌ لك مِن أن يكون لك حُمْر النَّعَم))[7].




• كيف أنسى تعاونًا على البرِّ والتقوى، وسعيًا في مصالح المسلمين وقضاء حوائجهم؟ كفالة الأيتام وخدمة الفقراء، السعي على الأرامل، إعانة الضعفاء، رعايتهم، تفريج كرباتهم، إدخال السرور عليهم، ما أجمل العطاء! فالراحمون يرحمهم الرحمن.




فنفعُ الناس من صفات الأنبياء؛ كانت خديجة رضي الله عنها تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: ((إنك لتَصِلُ الرَّحم، وتحملُ الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتُقرِي الضيف، وتُعينُ على نوائب الحق))[8].




ويوسف عليه السلام تولَّى خزائن مصر في سنواتِ القحط، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم، فهذا أبو بكر يُساعِد المحتاجين، وهذا عمر يتعهَّد الأرامل ويستقي لهم الماء، وعلي بن الحسين يحملُ الخبز إلى بيوت المساكين ليلًا، قال عز وجل: ? وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ? [الحج: 77].

 

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أحَبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرورٌ تُدخِله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ لي في حاجة أحَبُّ إليَّ مِن أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة - شهرً)) [9].




وقال صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يُسلِمه، ومَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجتِه، ومَن فرَّج عن مسلم كربةً فرَّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومَن سَتَر مسلمًا ستَره الله يوم القيامة))[10].




وقال صلى الله عليه وسلم: ((الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل والصائم النهار))[11].




والله يُنعِم على العبد لقيامه بمصالح الناس، فإذا لم يَقُمْ بها سلَبَه الله تلك النِّعَم؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله عبادًا اختصَّهم بالنعم لمنافع العباد، يقرُّهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحوَّلها إلى غيرهم))[12].




• كيف أنسى رابطةً أقوى من روابط النسب؟ بها نواجه التحديات، وبها ننتصر، أوثق عرى الإيمان وطريق لحلاوته، بها نحفظ القرآن ونعلمه، ونخدم الإسلام وننشره، إنها القوة، إنها الأخوَّة، اعتصام بحبل الله تعالى، وأمان من الفُرقة؛ (فالجماعة رحمة والفُرقة عذاب)، أَخَواتي جلاء أحزاني، ما أجمل الأخوَّةَ! لا يعرفها إلا مَن عاشها، أخت تُذكِّرني بالله، تخبرني بحبِّها، تدعو لي بظهر الغيب، تحوطني وترعاني، تحلو حياتي بها.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عز وجل: المتحابُّون في جلالي لهم منا برُ مِن نورٍ، يغبطُهم النبيون والشهداء))[13].




كان محمد بن واسع رحمه الله يقول: لم يبقَ مِن حلاوة العيش إلا ثلاثٌ: (الصلاة في جماعة، وكفاف من معاش، وأخ يُحسن المعاشرة).

 

فأنت يا رب مَن جمعتنا، فاحفظ أخوَّتنا، وأَدِمْ جمعَنا، وأعِزَّنا بخدمة دينك، نحن المفرِّطون في طاعتك، وأنت يا رب مَن تصطفي، نحن المقصرون في جنبك، وأنت يا رب من تجتبي، لا تحرِمْنا شرف الدعوة إليك والبلاغ عنك، لا تحرِمْنا قربَك ولا تحرمنا رضاك.

 

• حتى وإن حُوصِرتُ بين الجدران، وبقيتُ خلف القضبان، فلن أنسى دعوتي، سأحافظ على أورادي، وأحفظ القرآن وأُعلِّمه أولادي، وأدعو الجيران، سأنصح مَن زارني بزيادة الإيمان، بصلاة بصيام وبطاعة الرحمن، تلك هي حياتي في خدمة الإسلام، حياة مع الله وبالله، فكيف أحيا بسواه؟! ? قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ? [الأنعام: 162].




[1] سنن أبي داود (1464).

[2] المسند (1/ 385 - 386)، وأخرجه البخاري (5027)، وأبو داود (1452)، والترمذي (2907)، والنسائي في فضائل القرآن (61).

[3] صحيح ابن ماجه (183).

[4] رواه البخاري (71)، ومسلم (1037).

[5] صحيح ابن حبان (6256).

[6] صحيح مسلم (1893).

[7]) صحيح البخاري (3701).

[8] صحيح البخاري (6982).

[9] المعجم الأوسط (6/ 139).

[10] صحيح البخاري (2442).

[11] صحيح البخاري (5353).

[12] المعجم الأوسط (5/ 227).

[13] إتحاف الخيرة المهرة (6/ 104).


"
شارك المقالة:
24 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook