كان هدي الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في التعامل مع الميت أكمل الهدي وأفضله، فشرع للمسلمين الإحسان له، ومعاملته بما ينفعه في دنياه وآخرته، كما شرع لهم إقامة العبودية لله -تعالى- حتى في ذلك، فكان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يقف هو وأصحابه صفوفاً عند الميت؛ فيستغفرون له، ويدعون له بالرحمة، والتجاوز عن الآثام، ثمّ يضعونه في القبر، ويدعون له بالثبات عند السؤال، وفي سياق كل ذلك الإحسان شُرعت صلاة الجنازة على الميت، وصلاة الجنازة شكلٌ من أشكال التعبّد لله -عزّ وجلّ- بالصلاة على الميت على صفةٍ مخصوصةٍ جاء بها الشرع، وحُكمها فرض كفايةٍ، فإذا قام بها بعض المسلمين، سقطت عن الباقين، وتسقط عنهم بأداء مكلّفٍ واحدٍ لها، والحِكَم من صلاة الجنازة متعددةٌ؛ منها القيام بحق الأخوة الإيمانية للميت؛ بأن يحرص إخوته على الدعاء له، والتوسّل عند الله -عزّ وجلّ- بأن يرحمه ويتجاوز عنه، ومنها جبر خواطر أهل الميت، ومساندتهم في مصيبتهم، وفيها كذلك أجرٌ عظيمٌ للمشّيع، كما أنّ حضورها يعطي الإنسان عبرةً عظيمةً، ويذكّره بالآخرة.
يسنّ الإسراع في تجهيز الميت، وتغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه، ثمّ دفنه، ولا يجوز التأخّر في ذلك إلّا لعذرٍ، وقد ورد في فضل صلاة الجنازة أحاديثٌ كثيرةٌ، منها قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (مَن اتبَعَ جِنازةَ مسلمٍ، إيماناً واحتساباً، وكان معه حتى يُصَلَّى عليها ويُفْرَغَ مِن دَفْنِها، فإنّه يَرْجِعُ مِن الأجرِ بقيراطين، كلُّ قيراطٍ مثلَ أُحُدٍ، ومَن صلَّى عليها ثم رَجَعَ قبل أن تُدْفَنَ، فإنه يَرْجِعُ بقيراطٍ)، والسنّة أن تقام صلاة الجنازة على كل مسلمٍ ميتٍ، رجلاً أو امرأة، صغيراً أو كبيراً، حتى وإن مات بعد إقامة حدٍ من الحدود الشرعية عليه، وإنّ للإمام أو نائبه أن لا يصليا على قاتل نفسه من المسلمين، أو الغالّ من الغنيمة منهم؛ وذلك زجراً لغيرهما عن فعلهما، ولكن يصلّي عليهما باقي المسلمين.
إنّ لصلاة الجنازة كيفيةٌ محددةٌ بالشرع، وفيما يأتي تفصيلها وبيانها:
إنّ لصلاة الجنازة أحكامٌ متعلقةٌ بها، جاء تفصيلها في أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفيما يأتي بيان بعضها:
موسوعة موضوع