كيف يعرف العلماء؟

الكاتب: المدير -
كيف يعرف العلماء؟
"كيف يُعرف العلماء؟




إنَّ للعلماء سماتٍ وعلاماتٍ يميَّزون بها عن غيرهم، وليس كل من كان فصيح اللسان، قوي التأثير والبيان، حضور طلابه إليه كثير، صار عالمًا، إذ هذا وحده ليس دليلاً على ذلك. ومن العلامات التي يُعرف بها العالم:

يُعرف باستقامته على منهج أهل السنة والجماعة، وبراءته من أهل البدع الضالين، وبجده في طلب العلم.

 

يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى - في بيانه لِسِمَة العلماء، وأنَّهم موقعون عن رب العالمين:( ولمَّا كان التبليغ عن الله سبحانه، يعتمد العلم بما يبلغ والصدق فيه، لم تصلحّ مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلاَّ لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالماً بما يبلِّغ، صادقاً فيه، ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مرضي السيرة، عدلاً في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله، وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السَنِيَّات، فكيف بمنصب التوقيع عن ربِّ الأرض والسَّموات! فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه. ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به فإن الله ناصره وهاديه. وكيف وهو هو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب!، قال الله تعالى: ? وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ? [1]. وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفاً وجلالة؛ إذ يقول في كتابه: ? يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ?. وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه، وليوقن أنه مسؤول غداً وموقوف بين يدي الله) [2].

 

ويُعرف بأنه لا يطلب بعلمه شرف منزلة عند حاكم، ولا يأخذ على العلم أجراً، وبتميزه بمحاسن الأخلاق.

يقول الآجري - رحمه الله تعالى - عن صفته اذا عرف بالعلم: (إنه لا يطلب بعلمه شرف منزله عند الملوك، ولا يحمله إليهم، صائن للعلم إلا عن أهله، ولا يأخذ على العلم ثمنًا ولا يستقضي به الحوائج، ولا يقرب أبناء الدنيا، ويباعد الفقراء، ويتجافى عن أبناء الدنيا، يتواضع للفقراء والصالحين ليفيدهم العلم) [3].

 

ويُعرف برسوخ قدمه في مواطن الشبهات حين تضل الأفهام، وتتزلزل الأقدام[4].

حيث إن رسوخه في العلم يمكنه من رد شبهات المشككين والملبسين، بل ويزيده ذلك رسوخاً ويقيناً بردها ومعرفة بطلانها.

 

يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ولا قدحت فيه شكاً؛ لأنه قد رسخ في العلم فلا تستفزه الشبهات، بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة) [5].

 

ويُعرف بعبادته وخشيته لله تعالى، وأنه كلما ازداد علماً بربه، ازداد منه خشية وانكساراً؛ لأنه أعرف الناس بالله تعالى، يقول الله تعالى: ? إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ? [فاطر: 28]  [6]

ويُعرف ببعده عن الشهرة والمديح، وإن حصل ذلك فإنه يكون على خوف شديد، خشية أن يكون مكراً واستدراجاً.

 

فقد كان الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - يخاف على نفسه عند اشتهار اسمه وبعد صيته[7].

وقد حذر سلفنا الصالح - رحمهم الله تعالى - من حب الظهور والشهرة بين الناس لمن يسعى إليها ويجعلها هدفه، وتضافرت أقوالهم المحذرة من هذا الخلق الذميم، يقول عطاء بن مسلم: كنت أنا وأبو إسحاق الفزاري عند سفيان الثوري ذات ليلة وهو مضطجع، فرفع رأسه إلى أبي إسحاق فقال: إياك والشهرة[8].

ويقول إبراهيم بن أدهم: ما صدق الله عبد أحب الشهرة[9].

وقال بشر بن الحارث: إذا عرفت في موضع فاهرب منه، وإذا رأيت الرجل إذا اجتمعوا إليه في موضع لزمه، واشتهى ذلك فهو يحب الشهرة[10].

 

ويُعرف العالم بشهادة مشايخه له بالعلم.

فقد كان تلامذة العلماء لا يتصدرون للناس حتى يشهد لهم أشياخهم بالعلم، ويأذنوا لهم بالإفتاء والتدريس.

فالإمام مالك بن أنس - رحمه الله تعالى - يخبر عن نفسه أنه لم يفتِ، حتى شهد له سبعون عالماً أنه أهلاً لذلك[11].

ويُعرف العالم أيضاً بالنظر في فتاويه و مصنفاته، أو بسماع دروسه ومحاضراته.

ومن هذا ما ذكره الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى – في سير أعلام النبلاء عن الحافظ أبي طاهر السلفي أنه قال في أبي سليمان الخطابي: وأما أبو سليمان الشارح لكتاب أبي داود، فإذا وقف منصف على مصنفاته، واطلع على بديع تصرفاته في مؤلفاته، تحقق إمامته وديانته فيما يورده وأمانته، وكان قد رحل في الحديث، وقراءة العلوم، وطوَّف، ثم ألَّف في فنونٍ من العلم، وصنف[12].

 

وينبغي ألا يُنَزَّل لقب (العالم) إلا على أهله، ممن يستحقه مِنْ أئمتنا الجهابذة الكبار، ومَنْ تمَّتْ الشهادة له من أهل العلم والبصيرة، وأما تنزيله على أناسٍ لم يبلغوا من العلم شأنه، بل هم في بداياته، فهذا له مفاسد كثيرة، إذْ فيه تضييعٌ لحق العلماء، بأن تعطى هذه الألقاب لمن لا يستحقها، و لما ينتج عن ذلك من آراءٍ شاذةٍ، وفتاوى غريبةٍ، مخالفة للكتاب والسنة، ومنهج سلف الأمة وإجماعها.




[1] سورة النساء، آية: 127.

[2] إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم، 1/ 10-11.

[3] أخلاق العلماء، أبوبكر محمد الحسين الآجري، ص: 35، ط1، 1432هـ/ 2011م، دار القبس للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية.

[4] حرمة أهل العلم، محمد أحمد المقدم، ص: 398، ط7، 1426هـ / 2005م دار العقيدة، القاهرة.

[5] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي 1/ 140، دار الكتب العلمية، بيروت.

[6] سورة فاطر، آية: 28.

[7] انظر فضل علم السلف على علم الخلف، ابن رجب الحنبلي، ص: 108.

[8] أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، تحقيق: د. سهيل زكار و د. رياض زركلي، 11/ 315، ط1417 هـ/ 1996م، دار الفكر، بيروت.

[9] التاريخ الكبير، أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي، تحقيق: السيد هاشم الندوي، 4/ 363، دار الفكر، بيروت.

[10] تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل، أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن عساكر الشافعي، تحقيق: أبي سعيد عمر بن غرامة العمري، 10/ 206، ط 1995م، دار الفكر، بيروت.

[11] انظر حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، 6/ 316-317، ط4، 1405هـ، دار الكتاب العربي، بيروت.

[12] سير أعلام النبلاء، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ومحمد نعيم العرقسوسي، 17/ 25، ط9، 1431هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت.


"
شارك المقالة:
20 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook