لا ينصر الله دعوة تقوم على الظلم

الكاتب: المدير -
لا ينصر الله دعوة تقوم على الظلم
"لا ينصر الله دعوةً تقوم على الظلم

 

إنَّ الناس لم يتنازعوا في أنَّ عاقبةَ الظلم وخيمةٌ، وعاقبةَ العدل كريمة؛ ولهذا يُروى: ((الله ينصر الدولة العادلة وإنْ كانتْ كافرةً، ولا ينصر الدولةَ الظالمة وإن كانتْ مؤمنةً))[1].

 

ولقائلٍ أنْ يقول: إنَّ الله لا ينصر (الدعوة) ولا يُمَكِّن لها إذا كانتْ قائمةً على الظلم، أو بعبارة أخرى: إنَّ الله لا يمكِّن لدعوةٍ يكون أهلُها مِن الظالمين، مهما كانتْ تلك الدعوةُ وثيقةَ الصِّلة بالسُّنَّة؛ لأنَّ العدل أساس البقاء، والدولة فرع عن الدعوة؛ فإذا كان استمرارُ الدولة مَرهونًا بالعدل، فالدعوة من بابِ أَوْلى.

 

ولذلك يجب على القائمين بالدعوة أن يُربُّوا أنفسَهم على العدل في كلِّ شيء، لا سيما فيما يتعلَّق بأمور دعوتهم؛ وإلا كانتْ إلى زوالٍ أو ضَعْفٍ.

 

ولا ينفعهم أن يتشبَّثوا بظواهر بعضِ النصوص أو القصص المروية عن بعض السلف في معاملة الناس، أو طريقة الدعوة، أو الحكم على بعض الأمور؛ فإنَّ الأحوال تتغيَّر، والسياقات تختلف، وإنَّ الحكمة مطلوبة، ولا تكون إلا بعلمٍ وإخلاص.

 

فليتنبه إلى ذلك مَن يعاني التضييق عليه في دعوته، سواء أكان ذلك في المناصب والوظائف، أو في الخَطابة والتدريس، أو في نَشْر الكتب والتأليف، أو في المراكز والجمعيات والمؤتمرات، أو غير ذلك، ولتكن نفسُه أولَ ما يتوجَّه إليه بالاتهام واللوم، لا أنْ يَتَذَرَّع بأحاديث غربة الإسلام، ويتسلَّى بنظرية المؤامرة، فتركن نفسه إلى الظلم وتستسيغه وتَنحاز إلى أهله؛ لأن لازم فعله أنه يبرِّئ نفسه، ويُحسِن بها الظنَّ مهما فَعَلَت، فكيف إذا أضاف إلى ذلك: الدفاع عن مسلكه ومسلك أصحابه!

 

فإنَّ لله سُننًا في الخَلْق، و? إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ? [الرعد: 11].

وعلى الدعاة أن يستحضروا نصوصَ الوحي الذامَّةَ للظلم وأهلِه، والحاثَّةَ على قول العدل وفِعْله، استحضارًا يدفعهم إلى الالتزام ثم العمل، بمعنى التطبُّع بعد التشبُّع.

 

يقول ربُّنا تبارك وتعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ? [النساء: 135]، وفي الآية نفسها قوله: ? فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ? [النساء: 135]، وقال أيضًا سبحانه وتعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ? [المائدة: 8].

 

وقال عز شأنه مؤكِّدًا أمرَه إيانا بهذا الخُلُق العظيم: ? إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ? [النحل: 90]، وأعقب ذلك بتأكيد نهيه عن البغي والظلم: ? وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ? [النحل: 90].

 

فإذا لم يكن الداعي إلى الله على مستوى هذه الأخلاق، فكيف يسوغ لنفسه الانتساب إلى دعوةٍ كان نبيُّها عليه الصلاة والسلام عادلًا مُقسِطًا، آمرًا بالعدل مُثنيًا على أهله، ذامًّا للظُّلم آخذًا على يد أهله؟!

 

ذلك رسول الله الذي أَمَرَه الله بالعدل؛ كما جاء في الآية: ? وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ? [الشورى: 15]، فعاش وفق هذا الأمر الإلهيِّ والتوجيه الربانيِّ، فَعَدَل حتى مات صلوات الله وسلامه عليه، ورَسَمَ أجمل الصور الدالَّة على هذا الركن الركين.

 

وإنَّ من مظاهر العدل والقسط:

1- الاتسام بالوسطية ظاهرًا وباطنًا.

2- والرحمة بالخَلْق جميعًا.

3- وحب الخير للناس كلِّهم.

4- وحُسن الظنِّ بالآخرين.

5- والتواضع، ولين الجانب، وخفض الجناح.

6- وتوقير الكبير، مهما كان جانب الكبر.

7- والحكمة والاتزان في التصرُّفات والتعاملات.

8- والوعي بمآلات الأعمال، وآثار الأقوال.

9- ووزن الألفاظ بميزان العلم والأخلاق، لا سيما تلك التي تشتمل على إطلاق الأحكام.

10- واحترام وجهات النظر، وسعة الصدر للخلاف.

 

وإنَّ مِن مظاهر البغي والظلم:

1- التشديد على الناس، والغلو في الدين.

2- والتناقض ما بين القول والفعل، أو السرِّ والعلانية، أو عند قوم وآخرين.

3- وإغلاظ القول، في الخطاب أو الكتاب.

4- وعدم التثبُّت في الأخبار، ثم بناء المواقف والأحكام عليها.

5- والتعجُّل في قراءة الأفكار والتصرُّفات، واستخراج نتيجة دون تبيُّن وبحث واستفصال.

6- والتعامل مع الآخرين من منطلق طائفيٍّ.

7- ومصادرة حق الآخرين في الكلام.

8- والتعميم في الأحكام.

9- والسكوت في المواقف التي تتطلَّب البيان.

10- والتقليد.

 

وبعد؛ فإنَّ العدل ميزان الله في الأرض، به يأخذ للمظلوم من الظالم، وللضعيف من الشديد، وبالعدل يصدِّق الله الصادق، ويكذِّب الكاذب، وبالعدل يردُّ المعتدي ويوبِّخه[2].




[1] ابن تيمية: مجموع الفتاوى، (ج28/ص63).

[2] ابن جرير: جامع البيان، (ج21/ص517).


"
شارك المقالة:
28 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook