لحظات الانتصار

الكاتب: المدير -
لحظات الانتصار
"لحظات الانتصار




ما أجملَها من لحظاتٍ! إنها تلك اللحظات التي يعود فيها الجيش منتصرًا بعد جولات وجولات من الصراعِ مع العدو، إنها تلك اللحظاتُ التي يشعر الإنسان فيها بالعزة والفخر والكرامة والعزم، إنها تلك اللحظات التي تتبدَّد فيها ظلمات اليأس والعجز، لتشع أنوار القوة والمجد، فتنير آفاق المستقبل بكل خير، لكنْ هناك انتصارٌ أعظم من الانتصار على أرض المعركة أمام عدو ظاهر، بل هو انتصار خفي على عدوٍّ باطن، إنه الانتصار على النفس؛ فهي العدو الأخطر.

 

تحبُّ أن تكون دومًا أميرة آمرةً، وقائدة مطاعة، تحب أن تشعر باللذَّة، وللمعاصي لذَّة، لكنها لذَّة مؤقتة، بمجرد أن تتذوَّقها النفس سرعان ما تتحوَّل إلى ذلٍّ وضنكٍ وانكسار! لكن كيف أتغلب على نفسي؟

كيف أنتصر عليها، فيذوق قلبي لذَّة الانتصار، ويعيش لحظات السعادة والرضا؟

 

إنه الاختيار الأصعب، والمواجهة الحاسمة، إنها القوة التي حينما يمتلِكُها القلب ينجح في الانتصار على دواعي المعصية، وشهوات تلك النفس، عندما تلحُّ على النفس معاصي السر، عندها تسقطُ كلُّ الحواجز بين العبد وبين المعصية، إلا حاجزًا واحدًا يحولُ بينه وبين السقوط، ألا وهو حب الله وخشيته، حينها يقول العبد لنفسه: (إني أخاف الله)، إنها كلمة ليست هيِّنة، كلمة من وراءها قصة، من وراءها معركة دائرة، قام فيها صراع عظيم بين داعي الهوى وتزيين الشيطان وفتنة الدنيا من جهة، وبين ما رسخ في قلب هذا العبد من محبة الله وخشيته، واستشعار جوده وفضله، وحِلْمه ونِعَمه، ورحمته وعطائه، ورأفته وقُربه، وحكمته وعلمه، وقوته وسلطانه، وعظمته وانتقامه، فيقول القلب: ? إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ? [يوسف: 23]؛ خلقني ورزقني، وَهَبني السمع والبصر، والجوارح والفؤاد، والعقل والفهم، والقوة والإدراك، هو الذي أذِن لجوارحي أن تتحرَّك، فكيف أعصيه بها وهو الذي وهبني إياها؟ كيف أعصيه بها وهو الذي أعطاها القوة والحياة؟ ? وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ? [النحل: 78]، فوالله لولا اللهُ ما دقَّ قلب، ولا نطق لسان، ولا رأت عينانِ، ولا تحرَّكت يدان، ولا مَشَتْ رِجلان.

 

فتكون النتيجة: أحبُّك ربي، أستشعرُ نِعمتَك.

كيف أتجرأ على معصيتك واقتحام محارمك، وأنتَ الرب العظيم، علام الغيوب، غفار الذنوب؟!

سبحانه وتعالى، ما تعلقتُ به ضعيفًا إلا قوَّاني، ولا فقيرًا إلا أغناني، ولا سائلًا إلا أعطاني، ولا مريضًا إلا شفاني، سبحانه وبحمده، كيف أعصيه وأنا أتقلب في نِعَمه وأتنعم برحمته؟!

 

حينها تأتي لحظة الانتصار على تلك النفس، إنها أعظم لحظات الانتصار في حياة العبد، حينها يتذوَّق القلب لذة النصر، إنها لذة دائمة، طويلة الأجل، جميلة الوقع، لا تزال تجد حلاوتها في قلبك، فرحًا بما غنمتَ، ورضًا بما فعلتَ، وذلك حين تخالفُ نفسك في أغلب ما تحب.


"
شارك المقالة:
33 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook