لكم إسلامكم ولي إسلامي

الكاتب: المدير -
لكم إسلامكم ولي إسلامي
"لكم إسلامكم ولي إسلامي
مستوحاة من خاطرة لجبران خليل جبران
(لكم لبنانكم ولي لبناني)

 

? لَكُم إسلامُكم وبِدعُه، ولي إسلامي وروعتُه.

? لكم إسلامُكم بكلِّ ما فيه من المصالح والمطامعِ، ولي إسلامي بكلِّ ما فيه من القناعةِ والتسامي.

? لكم إسلامُكم فاقنعوا به، ولي إسلامي، وأنا لا أقنعُ بغير الحقيقةِ المُطلَقة.

• إسلامُكم هويَّةٌ شخصيَّةٌ مِن ورق تشيرُ إلى الديانة، أمَّا إسلامي فشخصيَّةٌ مميَّزةٌ من تجرُّدٍ تعرِّفُ عن نفسها بالدين.

 

• إسلامُكم تَضاربٌ وتنازعٌ تتقاذفُه الفِرَق، أمَّا إسلامي فتناغمٌ وتكافلٌ يوحِّدُ بين الصفوف، وتتآلفُ فيه الأرواح.

 

• إسلامُكم صراعٌ ما بين صوفيٍّ وقطنيٍّ وكلِّ ما تيسَّر من قُصاصات القماش، أمَّا إسلامي فعقيدةٌ مطرَّزةٌ بتقوى الله وتوحيده، وتنزيهه عن كلِّ نزاعٍ مطمعيٍّ يُفتعَلُ باسمه.

 

• إسلامُكم طوائفُ ذات فِرقٍ لا عِدادَ لها، أمَّا إسلامي فطائفةٌ رصينة تعرف التفريقَ جيِّدًا بين الحقِّ والباطل.

 

• إسلامُكم حيلةٌ خبيثة يستخدمُها السارقُ والطمَّاعُ حين يطمعُ في التوسُّع في المكان المادي، أمَّا إسلامي فتلاوةٌ خاشعةٌ تعيد على مسمعي آيةً بيِّنةً مِن الذكرِ الحكيم: ? وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ? [البقرة: 190].

 

• إسلامُكم شرخٌ عميق، وتمايزٌ وأفضليَّةٌ ما بين رئيسِ دينٍ وتابعيه، أمَّا إسلامي فسجَّادةُ صلاةٍ أفترِشُها في السَّحَر لأناجي اللهَ بها وحدي دون الحاجةِ لوسيط، ولأُثني عليه ثناءً لا يستحقُّه ملِكٌ في الوجود سواه.

 

• إسلامُكم رجلان: رجلٌ يمدُّ اليدَ وآخرُ يقبِّلها، أمَّا إسلامي فرجلٌ مثاليٌّ ما عرَف التاريخ مثلَه رمزًا للتواضع والبساطةِ وحسن الخُلُق عليه أزكى الصلاة والسلام.

 

• إسلامُكم وظائفُ وتجارة دنيويَّةٌ ضيقةُ الحدود، تُبعدكم عن الله، وتجرُّكم بخيوطِ المادَّة، أمَّا إسلامي فروحٌ تَسمو وتَعلو بلا خيوطٍ في رحاب سماءٍ واسعة، وتعودُ حاملةً ما تيسَّر لها من أنوارٍ ربَّانيَّةٍ لا تَنطفئ؛ بل تنيرُ ما حولها.

 

• إسلامُكم أحزابٌ وعصاباتٌ، أهدافُها معروفةٌ وغير معروفة، أمَّا إسلامي فجماعةٌ صادقةٌ، تتعاونُ على البرِّ والمعروفِ ورفعِ كلمةِ الحقِّ.

 

• إسلامُكم خُطَبٌ وردود وردَّةُ فعلٍ على الردود، أمَّا إسلامي فخطابٌ موحَّدٌ موثوقٌ لا يُرَدُّ عليه؛ إذ ? لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ? [فصلت: 42].

 

• إسلامُكم زيفٌ يختبئُ وراء قناعٍ من الحقِّ المستعار، وثوبٌ من الرياءِ يشفُّ عمَّا تحتَه من الباطل المختبئ، أمَّا إسلامي فحقيقةٌ مجرَّدةٌ لا تعرفُ للزيفِ معنى، فإذا جابهها الباطلُ أزهقتْه؛ لتبقى هي الحق المجرَّد عن كلِّ زيفٍ أو قناع.

 

• إسلامُكم مؤلَّفاتٌ وكتبٌ، بعضُها يناقض بعضًا، وبعضها الآخر يكفِّرُ بعضًا، والبعضُ الثالثُ يَسخرُ مِن البَعْضين! أمَّا إسلامي فاثنان لا ثالثَ لهما؛ كتابُ الله وسنَّةُ رسوله، ما ضلَّ من رعاهما، وتنزَّه عن كلِّ سخريةٍ وضلالة.

 

• إسلامُكم ينفصلُ تارةً عنِ الدنيا ويرتبطُ بها تارةً أخرى، ثمَّ يحتالُ على طرفيه ليكونَ بين مرتبطٍ ومنفصل، أمَّا إسلامي فلا يرتبطُ ولا ينفصل، بل يبني دارَ الآخرة على دعائمَ أسَّسها في الدنيا باجتهادٍ وهو بصورةِ غريب.

 

? لكم إسلامُكم، ولي إسلامي.

? لكم إسلامُكم وأبناؤه، ولي إسلامي وأبناؤه.

ومن هم يا ترى أبناء إسلامكم؟

ألا فانظروا هنيهةً لأريكم حقيقتهم.

همُ الذين وُلِدوا مسلمين، وماتوا وما عرَفوا الإسلامَ قطُّ.

همُ الذين دَفنوا عقولَهم في كتب ملحدٍ يمثِّلُ دورَ حكيم.

 

هم تلك الدُّمى المحشيَّة تحرِّكُها الأصابعُ الماكرة بخيطانٍ غير مرئيَّة، فتميلُ بغير إرادةٍ نحوَ الاتِّجاه المحدَّدِ لها، دون أن تدري أنَّها مالت نزولًا، وأنَّها ستميلُ أكثرَ نحو الهاوية.

 

هم تلك الأرواح المجوَّفة مِن معانيها، المرَقَّعة بظلمةِ الشهواتِ، ووحشةِ الشُّبهاتِ، وغشِّ الأمنيات.

 

هم الذين إن فتَّشتَ عنهم ودعوتَهم لاسترجاع حقِّهم المغتَصَب، وجدتَهم لاهين بالبحث عن راقصةٍ جديدةٍ تُحنى لها رؤوسُهم، وأغنيةٍ بليدةٍ تخفِّفُ عنهم وطأةَ الشعورِ بالظلم، وتُنسيهم الحقَّ المسلوب.

 

هؤلاء هم أبناءُ إسلامكم! فهل بينهم مَن يمثِّلُ الطُّهرَ في دين الإسلام، أو يبيِّنُ الخيرَ في حصاده، أو النُّبلَ في أخلاقه؟!

هل بينهم مَن يتجرَّأُ أن يقول: إذا ما متُّ أنا مستعدٌّ ليوم الحسابِ أتمَّ استعداد؟

هل بينهم مَن يتجرَّأُ أن يقول: لقد كانت حياتي كلُّها لله، أو إنَّ هدفي كان في الحياةِ كسب رضاه؟

هؤلاء هم أبناء إسلامكم، فما أكبرَهم في عيونكم، وما أصغَرَهم في عيني!

 

ولكن، قِفوا قليلًا وانظروا لأريكم أبناءَ إسلامي:

هم الفقراءُ الذين لا يعرفون التسوُّلَ؛ فتحسبهم أغنياءَ من التعفُّف، ويحمدون الله في السرَّاء والضرَّاء.

 

هم المتصدِّقون الفاضلون الذين لا يرَون لهم أيَّ فضلٍ على العباد؛ بل تراهم يردِّدون دومًا:

? ? إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ? [آل عمران: 73].

هم الآباءُ الذين يربُّون أبناءَهم على المبادئ القويمةِ وحُسْنِ الخُلُق، والأمَّهاتُ اللواتي يحسنَّ صناعةَ الإنسان، ويدركنَ أهميَّةَ الصناعةِ الموكلة إليهم.

هم الصغارُ الذين يَحفظون القرآنَ وينشَؤون على فهمه وتدبُّرِ معانيه، حتى إذا كبِروا غَدَا الإسلامُ لهم خُلُقًا ودستورًا يسيرون بهَدْيه، فلا يتيهون أبدًا.

 

هم الشيوخ المبصِرون الذين لا يعرفون للكِبْر معنى، ورجالُ العلمِ الحُكماءُ الذين لا يفخرون بعِلْمهم ولا يَبخلون به؛ بل تراهم يتعبون ويجهدون لنقل العلمِ بصمتٍ ومحبَّةٍ وتواضُع، فإذا نطَقوا نفوا عن أنفسهم صِفةَ العلماء، واستبدَلوا ثناءَ الناسِ عليهم بالثناءِ على الله، مردِّدين دومًا:

? ? سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ? [البقرة: 32].

 

هم الذين يُضيئون أينما حلُّوا، وينثرون النورَ في الأرجاء حيثُ وُجِدوا، قلوبُهم تفوحُ طُهرًا، وأرواحهم تفيضُ نورًا وعبَقًا.

هم السائرون بأقدامٍ ثابتةٍ، برفقةِ الحقِّ، نحو الحقيقةِ والتميُّزِ والجمالِ المطلَق.

هم المؤمنون المسلمون قلبًا وقالبًا، الحافظون لحدود الله، المهتدون بهَدْيِ رسوله.

هم الذين إذا نظروا، رأوا بنورِ الله ثمَّ استيقَنوا.

هؤلاء هم أبناءُ الإسلامِ حقًّا، هؤلاء هم الكواكبُ المنيرةُ التي لا تَنطفئ، والأنفسُ الطيِّبةُ التي لا تَيئس.

هؤلاء هم المتوكِّلون على الله، الفائزون بإذن الله.

 

? لكم إسلامُكم ولي إسلامي...

? لكم إسلامُكم وأبناءُ إسلامكم، فاقتنِعوا به وبهم إنِ استطعتم أن تَقتنعوا بالأجسادِ الفارغة، أمَّا أنا فمقتنعةٌ بإسلامي وأبنائه، وفي اقتناعي سعادةٌ وسَكينةٌ واطمئنان.


"
شارك المقالة:
28 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook