ما تحتاج معرفته حول الحمى الرثوية

الكاتب: د. ايمان شبارة -
ما تحتاج معرفته حول الحمى الرثوية.

ما تحتاج معرفته حول الحمى الرثوية.

الحمى الرثوية rheumatic fever مرض ينجم عن حدثية مناعية جهازية تعقب التهاب بلعوم بالعقديّات الحالة للدم بيتا- مجموعة A حسب تصنيف لانسفيلد- لدى أقل من 3% من الذين تعرضوا لالتهاب بلعوم بالعقديات ولم يعالجوا، في حين تصل النسبة إلى 50% من المرضى الذين لديهم سوابق إصابة بالحمى الرثوية، ولا تحدث الحمى الرثوية بعد التهاب الجلد بالعقديات (القوباء).

يعتقد وجود تشابه بين الكربوهيدرات في الجدار الخلوي للعقديات A وبين سطح خلايا بعض الأنسجة في الجسم كالصمامات القلبية (التي فيها البروتين السكري) والعضلة القلبية (وفيها غمد الليف العضلي) والغشاء الزليلي في المفاصل والنواة الذيلية في الدماغ والكليتين والرئتين.

إن الأضداد المناعية المتشكلة في سياق التهاب البلعوم تهاجم هذه الأهداف في 3 أسابيع من الالتهاب مسببة هجمة رثوية. وقد أمكن تحرّي هذه الأضداد لدى جميع مرضى الحمى الرثوية؛ غير أنها موجودة لدى 14% فقط من البشر عموماً، وهي أضداد أحادية النسيلة.

قد يأخذ المرض سيراً حاداً، لكنه قابل للشفاء في نهاية الأمر (محدد لذاته) كإصابة المفاصل، أو يأخذ سيراً مزمناً مترقياً كإصابة الصمامات، فيترك تندّباً وتليفاً يتكلس مع الزمن، وينتهي بتشوّه الصمام في أشهر أو سنوات.

تبدي دراسات عديدة وجود ميل وراثي لحدوث المرض ووجود ارتباط مع زمرة نسيجية محددة (HLA-DR) نمط 1-2-3-4 رغم اختلاف المجموعات العرقية. تندرج الحمى الرثوية ضمن أمراض النسيج الضام وأمراض الكولاجين الوعائية، وتعدّ السبب الأهم لأمراض القلب المكتسبة عند الأطفال واليفعان في البلاد النامية، وتقدّر نسبة انتشارها في هذه البلدان بـ 100/100.000، في حين تتناقص في البلدان المتطورة إلى 2/100.000، ويعزى ذلك إلى علاج التهاب البلعوم باكراً. وقد يتعلق الأمر بالمستوى المعيشي والظروف السكنية؛ إذ تزداد عدوى التهاب البلعوم في الأماكن المزدحمة والمغلقة كالمدارس والثكنات العسكرية.

تصيب الحمى الرثوية الجنسين بنسب متساوية وبأعمار تراوح بين 5-15سنة، وتندر الإصابة بها قبل سن الخامسة وبعد سن الأربعين.

التشريح المرضي

يتميز الطور الحاد من المرض بارتكاس التهابي تكاثري نَضْحي exudative proliferative inflammatory reaction في النسيج الضام مع استحالة ليفانية في الكولاجين والتهاب حبيبومي granulomatous يصيب الأوعية الصغيرة.

تلاحظ خلايا آشوف في النسيج الضام، وهي خلايا بلازمية إما وحيدة النواة وإما عرطلة عديدة النوى. وقد تتكدس هذه الخلايا العملاقة بخلايا بلازمية ولمفاوية تشكل عقيدات آشوف المميزة للمرض. وقد تبقى هذه العقيدات عدة سنوات بعد الهجمة الحادة. تشمل التبدلات كل الجسم، لكنها أوضح ما تكون في القلب (كل طبقات القلب). يصاب الصمام التاجي في 75-80% من الحالات، والأبهري في 30%، ويصاب ثلاثي الشرف والرئوي في أقل من 5%، ونادراً ما يصاب الأبهري وحده. ويندر أن تؤدي إصابة الصمامات في الطور الحاد للحمى الرثوية إلى قصور القلب.

تتمثل الإصابة الرثوية للصمام بقصور فيه بسبب توذم الوريقات وارتشاحها، ومع الزمن تتليف الوريقات، وتتكلس مسببة تضيق انفتاح الوريقات الصمامية.

المظاهر السريرية

تبدأ المظاهر السريرية بالظهور عادة في 3 أسابيع من التهاب البلعوم (1-5 أسابيع)، وقد تكون غير واضحة تماماً. ويصبح احتمال التشخيص شبه مؤكد في حال اجتماع أمرين:

1- دليل يشير إلى خمج بالعقديات A مؤخراً.

2- توافر معيارين كبيرين أو معيار كبير مع معيارين صغيرين.

ويمكن في حالات خاصة تشخيص الحمى الرثوية دون التقيد التام بما سبق؛ وذلك في حال التهاب قلب ناكس أو رقص سيدنهام Sydenham’s chorea المعزول بعد نفي الأسباب الأخرى المحدثة للرقص. ويبدأ الطور الحاد للمرض بأعراض بنيوية مفاجئة تشمل الدعث والشحوب والترفع الحروري.

المعايير الكبرى

أولاً- التهاب القلب:

يعدّ المظهر الأكثر نوعية للحمى الرثوية؛ إذ يصيب 41-83% من المرضى، وهو أكثر لدى الأطفال واليفعان (90% في عمر 3 سنوات، ويتناقص إلى 30% في سن المراهقة). وقد يصعب تمييزه من التهاب الشغاف الخمجي، وقد يكون لاعرضياً كما في الهجمة الأولى، أو شديداً؛ فيؤدي إلى قصور القلب والوفاة، لكن هذا نادر في الطور الحاد وسببه آنذاك التهاب العضلة أو الشغاف (الصمامات).

إن مؤشرات التهاب القلب الأساسية هي وجود واحد أو أكثر مما يلي:

1- التهاب التأمور: ويحدث عند 6-12% من المرضى، وهو غالباً صامت سريرياً، وقد يسبب ألماً صدرياً أو مضضاً شديداً لدى ضغط القص براحة اليد. وبالإصغاء يلاحظ خفوت في أصوات القلب واحتكاكات تأمورية. وقد يتشكل الانصباب، ولكن يندر حدوث الاندحاس التأموري. ويلاحظ بالتخطيط الكهربائي علامات التهاب التأمور أو علامات التهاب العضلة القلبية (كانقلاب T).

2- التهاب العضلة القلبية: ويتظاهر بتسرع قلب جيبي أو لانظميات عابرة أو ضخامة قلبية (شعاعياً أو بالصدى)، وقد يرافقه مظاهر قصور قلب.

3- التهاب الصمامات: وهو إصابة الصمامات والحبال الوترية والشغاف؛ مما يؤدي في أغلب الحالات إلى قصور تاجي أو قصور أبهري أو كليهما، ونادراً ما يسبب قصور الصمام الرئوي أو ثلاثي الشرف في الطور الحاد. ويتم التشخيص بسماع النفخة الصمامية، ويستبعد غيابُها كون بقية المظاهر رثوية المنشأ. ويتطور الالتهاب الرثوي تدريجياً مع الزمن ليسبب تندباً وتشوهاً في الصمام وتحدداً في انفتاحه أو توسعاً في حلقته. وقد يتطور إلى قصور القلب الاحتقاني ولاسيما الأيمن (ضخامة كبد، وذمات، انتباج وداجي، جزْر كبدي وداجي إيجابي، حبَن).

ثانياً- التهاب المفاصل العديد:

وهو المعيار الأكثر شيوعاً، لكنه الأقل نوعية للحمى الرثوية، إذ يحدث لدى 80% من المرضى وعلى نحو أشيع لدى كبار السن. يصاب فيه عادة مفصلان كبيران أو أكثر إصابة التهابية لامتناظرة وعابرة ومحددة لذاتها. وتستمر الأعراض الالتهابية (احمرار، تورم، سخونة موضعية، إيلام ومضض شديدان بالجس، تحدد الحركة) من يوم إلى أسبوع وسطياً، وتخمد في أسبوعين إلى خمسة متنقلة من مفصل إلى آخر على نحو متعاقب، وتزول دون ترك عقابيل أو تشوهات مفصلية. وتصاب الركبة والعقب والمرفق والمعصم على نحو شائع؛ ونادراً المفاصل الصغيرة في الأطراف.

تبدأ الأعراض عادة عند البدء الحقيقي للهجمة الرثوية، ويتوافق هذا وذروة تشكل أضداد العقديات الارتكاسي، ولذا يستدعي غياب الأضداد في هذه المرحلة بالمعايرة المخبرية الشك في التشخيص. كما أن عدم تحسن الأعراض على نحو وصفي في 48 ساعة من إعطاء جرعة علاجية من الساليسيلات يستدعي كذلك الشك في التشخيص الرثوي. ويبدي فحص السائل المفصلي علامات التهابية.

ثالثاً- رقص سيدنهام:

وهو المعيار الأقل شيوعاً، ويشاهد في 3% فقط من الحالات، لكنه أكثر العلامات نوعية للحمى الرثوية، وهو أشيع لدى الإناث، ويندر حدوثه في الكبار. كما أنه يحدث متأخراً بعد 3 أشهر من بدء الهجمة إذ تكون المظاهر الأخرى قد تراجعت، فيكون الرقص هو المظهر المكتشف الأول والوحيد للمرض.

تلاحظ إصابة صمامية لاحقة لدى ربع مرضى الرقص المعزول؛ مما يؤيد وجود إصابة قلبية مرافقة صامتة. وهو بالتعريف اضطراب عصبي خارج هرمي يشخص بحدوث حركات عفوية لاإرادية سريعة غير هادفة غير مكررة تصيب عضلات الوجه والأطراف على نحو نموذجي، كما قد تصيب أي عضلة أخرى.

تتضمن المظاهر البدئية الباكرة لهذا العرض الهياج وعدم الاستقرار العاطفي، وصعوبة في الكتابة والمشي والكلام الذي يتصف بنبرة انفجارية ومتقطعة. تزداد الأعراض وضوحاً باليقظة وتحت تأثير الشدة والتعب، وتختفي في أثناء النوم. وتزول الأعراض في 1-3 أشهر، ولكنها قد تستمر نادراً مدة سنتين. يجب تمييز رقص سيدنهام من العرّات tics والكنَع  athetosisوالارتكاس الاختلاجي وفرط الحركية وشذوذات السلوك.

رابعاً- الحمامى الهامشية :erythema marginatum

تشاهد لدى 5-10% من المرضى، وتعدّ علامة تشخيصية ذات نوعية عالية. وهي طفح بقعي احمراري بشكل حلقات مدورة غير منتظمة ذات مركز شاحب وحواف حمراء رقيقة مرتفعة عن الجلد تصبح شاحبة بالضغط عليها، تزداد حجماً، فتأخذ باجتماعها نمط انتشار ثعباني مع الزمن. كما أنها غير حاكّة وغير قاسية وتختفي في أيام، وهي أوضح ما تكون عند ذوي البشرة الفاتحة وحين تطبيق الحرارة على الجلد، ولها توزع جغرافي؛ إذ تصيب الجذع والأقسام الدانية من الأطراف ولا تصيب الوجه إطلاقاً.

خامساً- العقيدات تحت الجلد:

تلاحظ لدى 5-15% من المرضى، وتظهر في وقت متأخر نسبياً، وهي عقد بقطر 0.5-2سم منفصلة أو بشكل عناقيد، ثابتة غير مؤلمة تتحرك بسهولة، والجلد فوقها سليم. تزول في أسبوعين، وتتوضع على الأوتار وفوق السطوح الانبساطية للمفاصل كالركبة والمرفق والمعصم، وفوق النتوءات الشوكية ومؤخر الرأس وظهر القدم.

المعايير الصغرى

1- الترفع الحروري: وتصل فيه درجة الحرارة إلى 38.3 وحتى 40 درجة مئوية، وهو شائع وغير نوعي، ويصادف في الطور الحاد للمرض.

2- ألم المفاصل: ألم مفصل كبير واحد أو أكثر، شريطة عدم وجود مظاهر التهاب المفصل المعروفة؛ وفي حال اعتماد التهاب المفصل معياراً كبيراً لا يعتمد الألم معياراً صغيراً.

3- سوابق إصابة رثوية.

4- ارتفاع قيم سرعة التثفل والبروتين المتفاعل C.

5- تطاول مسافة PR بمخطط كهربائية القلب.

مظاهر أخرى غير معتمدة معايير تشخيصية: 

وهي: ألم البطن والرعاف والبيلة الدموية وضخامة الطحال وتبقرط الأصابع والتهاب الرئة الرثوي والتهاب الكبب والكلية الحاد والتهاب الدماغ.

التقنيات التشخيصية

أولاً- موجودات مخبرية لانوعية:

ترتفع سرعة التثفل والبروتين المتفاعل C في التهاب القلب والتهاب المفاصل على نحو دائم تقريباً. ولكن يبقيان بالمستوى الطبيعي في حالة الرقص المعزول.

 يفيد القياس المتكرر لسرعة التثفل في مراقبة فعالية المرض والعلاج، وهي تتخامد إلى المستوى الطبيعي في قصور القلب، غير أنها تزداد في فقر الدم؛ ويكون البروتين المتفاعل C أقل تأثراً بالعوامل الخارجية.

ثانياً- أدلة داعمة ومؤكدة تشير إلى إصابة خمجية قريبة بالعقديات :A

تشمل هذه الأدلة زرع مسحة بلعوم وكشف المستضدات السريع ومعايرة أضداد العقديات.

1- الزرع: لا ينفي الزرع السلبي وجود الجراثيم، ولا يميز الزرع الإيجابي بين الإصابة بخمج حاد قريب وبين الإصابة المزمنة؛ كما أن نسبة مصادفة نتائج سلبية لا تتجاوز 11-25% فقط. ويعزى ذلك أولاً إلى تخلص الجسم بآلياته الدفاعية من الجرثوم في الفترة المستترة ما بين الخمج وبدء الأعراض، وثانياً إلى تطاول هذه الفترة في بعض الأحيان بسبب تأخر إثبات التشخيص، وثالثاً إلى تناول الصادات في هذه المدة.

2- الكشف السريع عن المستضدات الجرثومية: ويتم بوساطة شرائح متوافرة تجارياً. إن لهذه الطريقة نوعية عالية لكنها منخفضة الحساسية، وبالتالي يتطلب الاختبار السلبي التأكيد بالزرع.

3- معايرة أضداد العقديات بالمصل: وهو الأدق حيث يتزامن بدء الأعراض وذروة تشكيل الأضداد، فالاختبار السلبي له قيمة تشخيصية عالية. وتدل زيادة الأضداد بمقدار الضعف أو أكثر على ارتكاس ضدي هام مهما تكن القيمة المطلقة له، كما أن ارتفاعها يتعلق بالعمر والتوضع الجغرافي وفصول السنة. وتعدّ أضداد العقديات الحالّة للدم O (ASLO) مرتفعة إن تجاوز عيارها 50 وحدة تود عند الأطفال دون السنتين من العمر، و100 وحدة تود عند الصغار بين 2-5 سنوات، و166 وحدة تود عند من هم في عمر 5-19 سنة. غير أن هذا الرقم ينخفض لدى من هم أكبر سناً، ويبلغ 125 وحدة تود.

هنالك عدة طرق لتحديد الارتكاس الضدي إضافة إلى أضداد العقديات الحالّة للدم O، وهي معايرة أضداد ديوكسي ريبونوكلياز B. وقد توافرت تجارياً كواشف تراص سريعة وشرائح لأضداد الكثير من المستضدات العقدية.

4- مخطط كهربائية القلب: يلاحظ تطاول مسافة PR بشكل متكرر. وهي علامة لانوعية تشاهد بعد أي خمج بالعقديات، كما أنها أحد المعايير الصغرى. ومن العلامات التخطيطية الأخرى المحتملة ولا تعد معياراً صغيراً يذكر تسرع القلب وشذوذ عود الاستقطاب.

5- صورة الصدر الشعاعية: وهي غير نوعية للحمى الرثوية، ولكنها قد تكشف الضخامة القلبية والاحتقان الرئوي.

6- الصدى القلبي: يمكن أن يكشف الصدى القلبي تسمك الوريقات الصمامية ووجود عقيدات أو تنبتات على الصمامات. ويعدّ القصور التاجي السمة الواسمة لالتهاب القلب الرثوي. وقد بينت الدراسات أن القصور التاجي الشديد يحصل بآلية توسع الحلقة الصمامية أو بآلية تطاول في الحبال الوترية مسبباً انسدالاً تاجياً رثوي المنشأ، وليس نتيجة تشوه الوريقات أو توسع البطين الأيسر. ويختلف الانسدال الرثوي المنشأ عن الانسدال بسبب التنكس المخاطي، فهو يصيب الوريقة الأمامية غالباً، وتتوسع حلقة التاجي. أما الانسدال بسبب التنكس المخاطي فيصيب الوريقة الخلفية أكثر، وحين إصابته الوريقة الأمامية تتسمك وتصبح متطاولة فضفاضة متقببة باتجاه الأذينة مع تقلص البطين؛ في حين تكون هذه التبدلات طفيفة في الانسدال الرثوي. قد لا يتم كشف الإصابة الصمامية بالإصغاء فيكون الصدى القلبي هو الوسيلة الوحيدة  لكشف التهاب القلب، ويحدث هذا في 25% من الحالات، لذا يعتقد بعض الأطباء أنه يجب دمج الصدى القلبي مع معايير الحمى الرثوية.

7- خزعة الشغاف: إن المظهر المميز لالتهاب القلب هو عقيدات آشوف، وهي غالباً في الجدار بين البطينين وجدار البطين الأيسر واللسينة اليسرى، وقد لوحظت في 35% من مرضى حمى رثوية بدئية أو ناكسة بخزعة من الشغاف؛ لذا لا ينصح بها كإجراء منوالي للتشخيص.

التشخيص التفريقي

يجب التفريق بين الحمى الرثوية وبين الآفات التالية: التهاب المفاصل الرثياني، التهاب العظم والنقي، التهاب الشغاف، خمج الدم المزمن بالسحائيات، الذئبة الحمامية الجهازية، داء ليم، فقر الدم المنجلي، البطن الجراحي، مرض قلبي خفي.

المضاعفات

يحصل قصور القلب الاحتقاني في الحالات الشديدة من الحمى  الرثوية، وقد يتطور مرض القلب الرثوي- وهو الأهم- على المدى البعيد، وقد يحدث التهاب التأمور وانصبابه، والتهاب الرئة الرثوي واللانظميات.

العلاج

ينصح عموماً بإدخال المريض إلى المستشفى حين الاشتباه في الحمى الرثوية، والتزام الراحة التامة بالسرير حتى زوال الترفع الحروري وتبدلات مخطط كهربائية القلب، وعودة مشعرات الطور الحاد المخبرية إلى السواء. ويسمح بعدها للمريض بممارسة نشاطه الطبيعي شريطة تجنب الأعمال المجهدة ولاسيما في حال وجود التهاب قلب. ويجب إعطاء الصادات فور التشخيص لكل المرضى لعلاج خمج مفترض في البلعوم بالعقديات A؛ إذ نادراً ما تكون الزروع إيجابية في بداية الحمى الرثوية. وتعطى العلاجات الأخرى بحسب التظاهر المرضي:

1- في حال وجود التهاب مفاصل دون إصابة قلبية أو مع إصابة قلبية خفيفة، تعطى الساليسيلات في الأسابيع الثلاثة الأولى بمقدار 100ملغ/كغ/يوم مقسمة على 4-6 جرعات أو أكثر حتى بلوغ تركيزه في المصل 20ملغ/100مل. يزول الألم سريعاً عادة في 24 ساعة، وإن لم يتحسن يجب إعادة النظر بالتشخيص. وتخفف الجرعة في حال ظهور الأعراض الجانبية مثل الطنين والغثيان والقُياء ونقص الشهية وفرط التهوية. وفي حال عدم تحمل الساليسيلات أو التحسس لها يمكن استعمال نوع آخر من مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية، ولكن تبقى الساليسيلات أكثر فعالية بين أفراد هذه الزمرة. فإن لم يحصل تحسن كاف ينصح  بإعطاء معالجة تجريبية من الستيروئيدات مدة شهرين أو ثلاثة ثم إنقاص المقدار الدوائي تدريجياً خلال أسبوعين. وعلى الرغم من العلاج المديد بالستيروئيدات تبقى لدى نحو 5% من المرضى أدلة على فعالية رثوية تدوم ستة أشهر أخرى أو أكثر.

2- في حال وجود إصابة قلبية هامة كالتهاب القلب أو التأمور أو القصور الاحتقاني فإن الستيروئيدات أسرع تأثيراً، وقد تكون منقذة للحياة. يعطى البريدنيزولون بمقدار 1-2ملغ/كغ/يوم، وتبلغ الجرعة العظمى 60ملغ/يوم. ويتابع العلاج عادة مدة لا تقل عن شهر في الإصابة القلبية الخفيفة أو ثلاثة أشهر في التهاب القلب حتى توفر إثبات سريري أو مخبري يدل على زوال فعالية المرض. ولا يوجد دليل على أن العلاج بالساليسيلات أو الستيروئيدات يؤثر في سير التهاب القلب، أو يحول دون تطور الأذية الصمامية. إن عودة أعراض خفيفة أو عودة ارتفاع مشعرات الطور الحاد غير مستبعد في أسبوعين من إيقاف الكورتيزون. وتتراجع الأعراض الخفيفة وحدها؛ أما أشد الأعراض فتتطلب إعطاء الساليسيلات. ولهذا يقترح بعض الأطباء إضافة الساليسيلات بمقدار 75 ملغ/كغ/يوم في أثناء سحب الكورتيزون لتخفيف نسبة النكس. كما أن هناك أطباء عديدين يرون أن الكورتيزون غير ملائم علاجاً للحمى الرثوية في حال وجود قصور القلب وضخامته؛ إذ إن السبب هو قصور صمامي هام، ويلزم إصلاح الصمام أو تبديله إضافة إلى الرغبة باجتناب أعراض الكورتيزون الجانبية كانحباس السوائل. وعموماً فإن علاج قصور القلب بالدجتلة والمدرّات والراحة والصادات واجب، لكنه قد لا يكفي في حال التهاب القلب الرثوي الخاطف مع قصور تاجي شديد. ففي هذه الحالة يكون تبديل الصمام منقذاً للحياة، وهو أفضل من خيار تصنيع الصمام؛ إذ لوحظ قصور تاجي لدى 47% من مرضى التصنيع التاجي الجراحي، ويعزى ذلك إلى استمرار المرض الصمامي الرثوي، وتطور التليف والتندب في الوريقات. كما لوحظ أن 66% فقط من مرضى التصنيع التاجي الجراحي لا يتعرضون للحوادث القلبية في  السنوات الخمس التالية للجراحة. ولذلك يدخر هذا الخيار للشابات ولمن يصعب ضبط التمييع لديه ولمن ظهر عنده تحسن القيم المخبرية بعد المعالجة  بالبنسلين. ويجب عليهم بعد عملية التصنيع  الإخلاد إلى الراحة المطوّلة واستمرار تناول الصادات الوقائية؛ إذ إن هذا أمر مهم لتفادي إخفاق مبكر في عملية التصنيع.                                                                 

3- كان رقص سيدنهام يعدّ سابقاً عرضاً حميداً أو محدداً لذاته، لكنه يعدّ اليوم ذا أهمية؛ لأن بعض المرضى يبدون مراضة واضحة.

ينصح بإعطاء هالوبيريدول 0.5-1ملغ/يوم  جرعةً بدئية، ثم يضاف 0.5 ملغ كل 3 أيام حتى الاستقرار بما لا يتجاوز 5ملغ/يوم، أو إعطاء فالبروات الصوديوم  بمقدار 15-20ملغ/كغ/يوم. وقد يفيد الديازيبام على حين لا يفيد إعطاء الساليسيلات أو الستيروئيدات أبداً. أما في الحالات المعندة فقد لوحظ تحسن إثر فصادة البلازما أو إعطاء الريزربين أو البيرفينازين، أو الغلوبولينات المناعية بالوريد.

الوقاية

1- الوقاية الأولية:

تتوجه الوقاية الأولية نحو الوقاية  من الهجمة الأولى للحمى الرثوية، ويتم ذلك بمعالجة خمج البلعوم باكراً فور تشخيصه في الأماكن التي تنتشر فيها الحمى الرثوية؛ علماً أن العقديات تمثل 30% فقط من مسببات التهاب البلعوم. أما في الأماكن الأقل انتشاراً فيلزم الإثبات بوساطة مسحة البلعوم والكواشف السريعة للمستضدات. وتجدر الإشارة إلى أن الوقاية التامة لا تحصل رغم العلاج المثالي لالتهاب البلعوم. ويعزى ذلك إلى:

أ- عدم قدرة الصادات على استئصال العقديات من البلعوم دوماً على الرغم من تحسس الجرثوم للدواء في الزجاج، وذلك بسبب قدرة الجراثيم على إنشاء المستعمرات بسرعة. كما يبقى لدى 30% من المعالجين حمل مزمن للعقديات في البلعوم رغم الشفاء السريري، ولا يمثل هذا تهديداً لمن لديه ميل منخفض للإصابة الرثوية.

ب- وجود حالات التهاب بلعوم لاعرضية، ولا تعالج لعدم كشفها. ويعدّ العلاج بالصادات فعالاً في الوقاية الرثوية ولو كان متأخراً، وأعطي بعد تسعة أيام من التهاب البلعوم.

إن الخيار العلاجي الأول هو إعطاء البنزاثين بنسلين G جرعة وحيدة عضلياً بمقدار 1.2 مليون وحدة إذا كان  الوزن  أكثر من 27 كغ، و0.6مليون وحدة إذا كان الوزن أقل من 27كغ. ويمكن إعطاء البنسلين V الفموي ( فينوكسي متيل) عشرة أيام بجرعة 250 ملغ مرتين أو ثلاث مرات يومياً للأطفال، وجرعة 500 ملغ مرتين أو ثلاث مرات يومياً للكبار. ولا تملك أوسع البنسلينات طيفاً كالأموكسيسيلين ميزة تفوق بها  البنسلين. وفي حال التحسس من البنسلين يعطى الإريثرومايسين بمقدار 40 ملغ/كغ/يوم مقسمة على 2-4 جرعات بما لا يتجاوز 1غ/يوم فموياً مدة عشرة أيام، أو يعطى الأزيثرومايسين بمقدار 500ملغ/ يوم، ثم 250 ملغ/يوم أربعة أيام .

ومن الممكن إعطاء السيفالوسبورين من الجيل الأول (سيفادروكسيل - سيفالكسين) عشرة أيام إن لم يحدث فرط تحسس مفاجئ من البنسلين . وتذكر عدة تقارير أنه أفضل من البنسلين, وأن إعطاءه خمسة أيام يعادل إعطاء البنسلين عشرة أيام. والجيل الأول من السيفالوسبورين أفضل من الأجيال الأخرى الأوسع طيفاً. ويفضل تجنّب التتراسيكلين لتشكيله سلالات مقاومة بكثرة.

2- الوقاية الثانوية:

يقصد بالوقاية الثانوية إعطاء الصادات دورياً باستمرار للحيلولة دون نكس الحمى الرثوية بعد الهجمة الأولى؛ إذ قد يكون النكس لاعرضياً. تصل نسبة النكس إلى 20% في خمس سنوات بعد الهجمة الأولى، وخصوصاً بوجود التهاب قلب عند الأطفال؛ في حين تقل نسبته مع تجاوز العمر 25 سنة. لذا توقف الصادات بعد هذا العمر ما لم توجد خطورة عالية للإصابة بالعقديات، كالعدوى التي تصيب أفراد الأسرة، أو تتفشى في أماكن اكتظاظ السكان.

تعتمد مدة الوقاية الثانوية على الحالة القلبية، ففي حال غياب التهاب قلب تستطب الوقاية حتى عمر 21 سنة. أما في حالة التهاب قلب ولكن دون أن يتطور إلى إصابة صمامية؛ فالوقاية مستطبة عشر سنوات من بدء المرض. وفي حالة  التهاب قلب مع إصابة صمامية تالية فالوقاية مستطبة عشر سنوات بعد آخر هجمة, أو حتى عمر 40 سنة إن كان المريض معرضاً للخمج على نحو متكرر.    

وتكون الطريقة المفضلة للوقاية الثانوية بإعطاء بنزاثين بنسلين G عضلياً بمقدار 1.2 مليون وحدة إن كان الوزن فوق 27كغ، و0.6 مليون وحدة إن  كان الوزن أقل من 27كغ وكل 3-4 أسابيع. ويمكن إعطاء البنسلين V الفموي (فينوكسي متيل) بجرعة 50 ملغ مرتين يومياً باستمرار، وهو أقل موثوقية من الإعطاء العضلي, لكنه ملائم في حال انخفاض خطر الإصابة الرثوية، أو بلوغ المريض سن الشباب (25 سنة)، أو مرور 5 سنوات على الأقل دون هجمات رثوية. وفي حال التحسس من البنسلين يعطى الإريثرومايسين 250ملغ فموياً مرتين يومياً، أوسلفاديازين 1غ فموياً مرّة واحدة في اليوم إن كان الوزن فوق 27كغ، و500ملغ إن كان الوزن أقل من27كغ، أو السيفالوسبورين من الجيل الأول في حال عدم وجود فرط تحسس مفاجئ من البنسلين.

 وتجدر الإشارة إلى  ضرورة إعطاء العلاج الوقائي لمرضى الرقص المعزول وإن لم يثبت وجود مرض قلبي أو الحمى الرثوية حسب معاييرها؛ إذ لوحظ تطور التضيق التاجي لدى هؤلاء المرضى أكثر من تطوره لدى مرضى التهاب المفاصل العديد المعزول.                                                           

3- الوقاية من التهاب الشغاف:  

يجب إعطاء معالجة وقائية  لمرضى الحمى الرثوية في وجود إصابة صمامية تحضيراً لتداخل سنّي جارح أو عمل  جراحي آخر أو غير ذلك، إضافة إلى الإعطاء المستمر لصادات الوقاية الثانوية  بغية تفادي الإصابة بالتهاب الشغاف.

الإنذار

يدوم المرض عدة أسابيع لدى البالغين، وقد يستمر عدة أشهر عند الأطفال، والوفاة المفاجئة نادرة ولا تتجاوز 1-2%. وفي حالة الإصابة بالتهاب قلب خفيف يكون الإنذار ممتازاً؛ في حين يسوء الإنذار في الالتهاب الشديد والمستمر والمترافق وضخامة قلبية أو قصور قلب أو التهاب تأمور؛ إذ تصل نسبة الوفيات في السنوات العشر التالية للهجمة الأولى إلى 30% من الأطفال المرضى. ويمكن كشف تشوهات صمامية لدى ثلثي المرضى في السنوات العشر الأولى للمرض. ويتطور اعتلال عضلة قلبية مستمر أو إصابة صمامية هامة لدى أقل من10% من مرضى التظاهر الوحيد للمرض.

تحدث الحمى الرثوية في البلدان المتقدمة بنسبة أقل، ولكن تكون سنّ المصابين بها أصغر، كما يكون النكس أكثر حدوثاً،  ويكون التطور نحو مرض صمامي مزمن أكثر تواتراً وشدة.

شارك المقالة:
89 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook