ما تحتاج معرفته فيما يخص هبوط الضغط الشرياني

الكاتب: د. ايمان شبارة -
ما تحتاج معرفته فيما يخص هبوط الضغط الشرياني.

ما تحتاج معرفته فيما يخص هبوط الضغط الشرياني.

الفيزيولوجية الطبيعية

    يتم تنظيم ضغط الدم بوساطة الجهاز العصبي المستقل باستخدام شبكة معقدة من الأعصاب والمستقبلات والهرمونات لموازنة عمل الجملة الودية التي تعمل على رفع ضغط الدم، والجملة نظيرة الودية التي تخفضه؛ الأمر الذي يبقي ضغط الدم ضمن حدود مقبولة في أثناء أداء النشاطات الحركية المختلفة وفي كثير من الحالات المرضية.

يتضمن التعريف السائد حالياً لضغط الدم أن حدوده الطبيعية أقل من 120/80 ملم زئبق، ويعتقد كثير من الخبراء أن الضغط المثالي هو 115/75 ملم زئبق، وأن الضغوط الأعلى تسبب زيادة مطّردة في نسبة حدوث المضاعفات القلبية. أما ما يخصّ تعريف هبوط ضغط الدم فليس هناك إجماع على حد معين، وهو أكثر علاقة بظهور أعراض معينة نتيجة نقص الجريان الدموي الشرياني إلى الأعضاء الحيوية مثل الدماغ والقلب والكليتين، ويرى بعضهم أنه الضغط الأقل من 90/60 ملم زئبق. غير أن هناك أفراداً طبيعيين لديهم ضغط 90/55 ملم زئبق وهم نشطون في الحياة، ولا يشكون أي أعراض. وبالمقابل فإن بعض الذين لديهم ارتفاع ضغط شرياني يشكون أعراض هبوط ضغط الدم إذا انخفض الضغط لديهم إلى 100/60 ملم زئبق. ولذا لا يعد الضغط المنخفض على نحو اعتيادي مرضياً إلا إذا وصل إلى حد يسبب فيه أعراضاً ذات علاقة بنقص التروية الدموية.

وبالمقابل يمكن أن يؤدي الانخفاض المفاجئ للضغط الانقباضي من 130 إلى 110ملم زئبق إلى دوار وشعور بالإغماء بسبب نقص التروية الدماغية المفاجئ. وإذا كان الانخفاض كبيراً وسريعاً (مثل حالة النزف أو الصدمة الإنتانية أو التحسسية) فقد يكون ذلك خطيراً ومهدداً للحياة. ومن المعروف أن ضغط الدم عند الرياضيين ومن يمارس الرياضة على نحو منتظم وعند ذوي الوزن الطبيعي أخفض مما هو عند غيرهم. كما أن الضغط لدى غير المدخنين أقل مما هو لدى المدخنين.

آليات هبوط ضغط الدم

1- نقص الحجم الناجم عن النزف أو التجفاف مثلاً.

2- نقص النتاج القلبي التالي لقصور الأبهر أو التضيق الأبهري الشديد مثلاً.

3- التوسع الوعائي نتيجة تناول أدوية خافضة للضغط أو الإصابة بصدمة إنتانية.

الأعراض والعلامات

تظهر أعراض هبوط الضغط الشرياني وعلاماته في حدوث الدوار وربما الإغماء، وفي نقص التركيز وتشوش الرؤية، والغثيان، وفي الجلد البارد والرطب والشاحب، وفي التنفس السطحي السريع والتعب والاكتئاب والعطش.

أسباب هبوط ضغط الدم

الحمل: يسبب الحمل توسع الجهاز الدوراني، مما يؤدي عادة إلى انخفاض الضغط الانقباضي بمقدار 5-10ملم زئبق، والانبساطي بمقدار 10-15ملم زئبق في الأسابيع الأربعة والعشرين الأولى منه. وهناك نوع آخر يدعى متلازمة هبوط ضغط الدم الاستلقائي تقوم فيه الرحم - في حال استلقاء المرأة الحامل على ظهرها- بالضغط على الأوعية الدموية، وخاصة الوريد الأجوف السفلي، فيحدث هبوط في ضغط الدم، وتزول هذه المشكلة حينما تستلقي الحامل على جنبها.

الأدوية: هناك أدوية عديدة تسبب هبوط ضغط الدم مثل المدرّات وخافضات الضغط وحاصرات بيتا وأدوية داء باركنسون ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة والسيلدينافيل (فياغرا) وخاصة مع النتروغليسرين، وبعض أدوية التخدير.

أمراض القلب: ومثالها التباطؤ الشديد في ضربات القلب وبعض الآفات الصمامية والاحتشاء القلبي وقصور القلب.

أمراض الغدد الصم: ومثالها قصور الدرقية أو فرط نشاطها وقصور الكظر (داء أديسون) وهبوط سكر الدم واعتلال الأعصاب السكري.

 التجفاف: ويحدث في حالات الحمى والقياء والإسهال والرياضة المجهدة؛ مما يؤدي إلى نقص حجم السائل الدوراني. وقد يسبب- حتى الخفيف منه- ضعفاً عاماً وتعباً ودواراً. أما الشكل الأخطر فهو صدمة نقص الكتلة الدورانية التي يمكن أن يودي الشديد منها بحياة المريض في دقائق أو ساعات.

النزوف: ينجم هبوط الضغط عن النزوف بجميع أسبابها، سواء كانت نزوفاً داخلية أم خارجية.

الإنتان الشديد (تجرثم الدم): من الشائع أن تسبب الإنتانات الرئوية والبطنية والبولية تجرثم الدم، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الصدمة الإنتانية وهبوط ضغط الدم.

الصدمة التحسسية: يمكن أن يحدث هذا بعد تناول بعض الأدوية أو الأطعمة أو إثر لدغات الحشرات؛ الأمر الذي قد يتظاهر بمشكلات تنفسية واندفاعات جلدية وتورم في البلعوم وهبوط في ضغط الدم.

التخدير القطني: قد يسبب التخدير القطني توسعاً وعائياً وبالتالي هبوط ضغط الدم.

العوز الغذائي: قد يؤدي فقر الدم الشديد نتيجة العوز الغذائي- ولا سيما إذا كان هذا العوز ناجماً عن نقص ڤيتامين ب 12- إلى هبوط ضغط الدم.

أنواع هبوط ضغط الدم عصبية المنشأ

1- هبوط الضغط الانتصابي:

حينما يقف الإنسان يؤدي ذلك بفعل الجاذبية إلى تجمع نحو 500 -1000مل من الدم في الطرفين السفليين والأحشاء؛ الأمر الذي يسبب نقص العود الوريدي ونقص الامتلاء البطيني مما يفضي إلى نقص النتاج القلبي وهبوط ضغط الدم. وتثير هذه التبدلات الهيموديناميكية منعكسات معاوضة عن طريق المستقبلات الضغطية في الجيب السباتي والقوس الأبهرية فتسبب زيادة السيالات الودية وخفض النشاط المبهمي (الشكل1)، وهو مايحدّ من تجمع الدم في الأطراف السفلية. ومن هذه الآليات زيادة النبض وزيادة مقوية الأوعية الدموية مما يعمل على توجيه جزء كاف من الدم نحو الدماغ. ولكن تضعف في بعض الأمراض آليات المعاوضة هذه فيحدث هبوط ضغط الدم في أثناء الوقوف فيشعر المريض بدوار ورؤية مشوشة وأحياناً شبه إغماء أو إغماء. وقد يحدث هذا في حالات التجفاف نتيجة الإسهال والحروق وغيرها، والبقاء في الفراش فترات طويلة، والحمل، والداء السكري، وأمراض القلب، والدوالي، وارتفاع الحرارة، وبعض الأمراض العصبية، وبعد تناول بعض الأدوية وخاصة خافضات الضغط.

ويشاهد هذا النوع بوجه خاص عند كبار السن، وتصل نسبة حدوثه إلى 20% ممن تجاوزوا سن الخامسة والستين، ولاسيما حين قيامهم في الليل للتبول وخاصة في وضعية الوقوف. وقد يحدث عند الشباب بعد الجلوس مدة طويلة على الأرض مع تربيع الطرفين السلفيين أو بعد عمل دام طويلاً في وضعية القرفصاء.

2- هبوط ضغط الدم ذو الأسباب العصبية القلبية:

هو نوع من التفعيل الوعائي المبهمي يحدث فيه هبوط ضغط الدم نتيجة التفعيل المبهمي بآليات مختلفة، منها البصرية كرؤية الدم أو مشاهدة عملية جراحية أول مرة، ومنها الألمية كإجراء تنظير هضمي سفلي.

وهناك نوع يحدث عقب الوقوف فترة طويلة مما يؤدي إلى دوار وغثيان أو إغماء. ومن السمات الأخرى المميزة لهذا النوع هو إصابته الشباب عادة، وآليته هي حدوث «سوء تفاهم» بين القلب والدماغ. فحينما يقف الإنسان مدة طويلة يميل الدم إلى التجمع في الطرفين السفليين بفعل الجاذبية، ويعدل الجسم هذا التأثير بآليات معاوضة، منها زيادة قوة التقلص القلبي؛ الأمر الذي يحرض المستقبلات الميكانيكية الضغطية في القلب التي ترسل بدورها إلى الدماغ إشارات تفسر على أن هناك ارتفاعاً زائداً في ضغط الدم بدل انخفاضه. ولذا يرسل الدماغ سيالات عصبية لإبطاء القلب مما يخفض ضغط الدم أكثر، فيؤدي ذلك إلى الدوار وربما الإغماء.

3- هبوط الضغط بسبب فرط حساسية الجيب السباتي:

هو نوع من هبوط الضغط ينجم عن تمسيد الجيب السباتي على نحو غير مقصود، كأن تكون ياقة القميص ضيقة، مما يسبب حالة من الغشي وبطء القلب وهبوط الضغط المرافق له.

4- هبوط ضغط الدم بعد الطعام:

    تحدث هذه المشكلة على نحو شبه حصري عند كبار السن، وسببها توجه كمية كبيرة من الدم إلى الجهاز الهضمي بعد الطعام للقيام بعملية الهضم. وفي الحالة الطبيعية يعدّل الجسم من هذا التأثير بزيادة سرعة نبضان القلب وتقبيض بعض الأوعية الدموية في الجسم. غير أن هذا لا يحصل عند بعض المسنين؛ مما يفضي إلى الدوار وأحياناً الغشي والسقوط بعد 30-75 دقيقة من الطعام. وهذا أكثر حدوثاً عند من لديه ارتفاع ضغط دم معالج أو داء باركنسون. ولذا ينصح هؤلاء بتخفيض جرعة خافضات الضغط وتناول وجبات خفيفة، وهذا كفيل بعلاج المشكلة أو تخفيفها.

5- هبوط ضغط الدم الانتصابي نتيجة الضمور الجهازي المتعدد:

ويعرف هذا بمتلازمة شاي- دريغر، وهو تنكس مترقٍ في الجهاز العصبي المستقل، ويمكن أن يرافقه رجفان عضلي ومشكلات في الكلام وضبط المصرات، ولكن السمة المميزة له هي هبوط ضغط الدم الشديد حين الوقوف وارتفاع ضغط الدم حين الاستلقاء.

الفحص الطبي والتشخيص

تتجلى المهمة الأساسية في معرفة سبب هبوط ضغط الدم؛ لأن ذلك يسمح بوضع التشخيص والعلاج الصحيحين. وهناك فحوص طبية تساعد على الوصول إلى ذلك:

1- الفحوص الدموية: معايرة سكر الدم والتعداد العام والصيغة والبولة والكرياتينين والشوارد والهرمون المنبه للدرق TSH.

2- تخطيط كهربائية القلب: يمكن أن يظهر هذا دلائل على وجود نقص تروية، أو احتشاء قلبي، أو اعتلال العضلة القلبية الضخامي، أو تحديد نوع اضطراب النظم إن وجد. ويمكن إجراء تخطيط ديناميكي قلبي مدة يوم كامل (هولتر) لكشف اضطرابات النظم النوبية.

3- تصوير القلب بالصدى والدوبلر: وفيه يمكن كشف كثير من المشكلات القلبية وحالة الدوران والامتلاء الوريدي.

4- اختبار الجهد: وقد يكشف هذا نقص التروية واللانظميات التي ربما تكون سبب هبوط ضغط الدم.

5- مناورة فالسفالفا: وهي تفحص عمل الجهاز العصبي المستقل عن طريق تحليل نبض القلب وضغط الدم بعد عدة مناورات يأخذ فيها المريض شهيقاً عميقاً، ثم يخرجه بقوة عبر الشفاه وكأنه ينفخ بالوناً قاسياً.

6- اختبار الطاولة القابلة للإمالة: يكشف هذا الفحص هبوط ضغط الدم عند الوقوف أو الناجم عن أسباب عصبية. وفيه يستلقي المريض على طاولة قابلة للإمالة ويُرفع رأسها تدريجياً مع مراقبة مخطط قلب المريض ونبضه وضغطه.

المعالجة

إن لم تكن هناك أعراض فلا داعي للمعالجة. أما في الحالات الأعراضية فتعتمد المعالجة على تصحيح الآلية المرضية المسببة لهبوط الضغط مثل تعويض الدم في حالة النزف، وإعطاء السوائل المناسبة في الإسهالات، والهرمون الدرقي في حالة القصور الدرقي، وتعديل جرعة الدواء الخافض للضغط أو إيقافه إذا كان هو السبب في ذلك.

وإذا تعذر الوصول إلى السبب الحقيقي لهبوط الضغط أو لم يكن هناك علاج شافٍ للمشكلة؛ عندئذٍ يصبح الهدف تخفيف الأعراض والعلامات بالوسائل التالية:

1- زيادة كمية الملح في الطعام، ولكن بحذر في المسنين بسبب احتمال حدوث قصور قلب احتقاني.

2- زيادة كمية الماء والسوائل المتناولة.

3- استعمال الجوارب الضاغطة المستعملة في حالات الدوالي.

4- الأدوية: يمكن إعطاء الفلودروكورتيزون في حالة هبوط الضغط الانتصابي؛ إذ يزيد هذا الدواء من حجم السائل الدوراني. أما الميدودرين فيحد من قدرة الأوعية الدموية على التمدد، وبذلك يخفف من هبوط الضغط الانتصابي. وهناك أدوية أخرى مثل البيريدوستغمين، ومضادات الالتهاب غير الستيروئيدية، والكافئين، والإريثروبويتين التي يمكن استعمالها منفردة أو بالمشاركة.

شارك المقالة:
67 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook