يرجع أصل تسمية الصلاة في اللغة إلى الدعاء، والدعاء يُعرب عن تعلُّق العبد بخالقه وحبّه له، إذ إنّه كلما أراد شيئاً وشقَّ عليه الوصول إليه أو الحصول عليه؛ فإنّه يلجأ لخالقه ليطلب منه ما عجز عن تحصيله، وكلّما ازداد قُرب المرء من خالقه كلما ازداد في الطلب منه، وازداد إلحاحه عليه في الإجابة، وقد بيَّن الله -سبحانه وتعالى- في مواضع كثيرة أهمية الدعاء للمسلم، وأنّه يفرح إذا ما سمع عبده يُناجيه ويدعوه ويسأله أن يُلبّي له حوائجه، وأن يعطيه ما كان مُحتاجاً إليه، يقول تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، فينبغي على المسلم أن يلجأ إلى الله في كل أحواله؛ حيث لا يوجد من هو مجيب بذلك أكثر من الله سبحانه وتعالى.
الدعاء بعد الانتهاء من الصَّلاة مشروعٌ لا بأس به، وهو قول الفقهاء بالاتفاق، بل إنّ البعض قد عدَّه سُنّةً يُستحبُّ القيام بها؛ كابن قيم الجوزية رحمه الله، وقد استدلَّ الفقهاء على مشروعية الدعاء بعد الصلاة؛ بأنَّ الإمام البخاري قد جعل في صحيحه باباً مُستقلّاً يذكر فيه ما صحَّ من الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضل الدُّعاء بعد الصلاة، وممّا جاء من سنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك؛ ما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فقالت: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذا سلَّم لم يقعدْ، إلا مقدارَ ما يقول: اللهمَّ أنت السلامُ ومنك السلامُ، تباركت ذا الجلالِ والإكرامِ، وفي روايةِ ابنِ نُمَيرٍ: يا ذا الجلالِ والإكرامِ).
خالف الإمام ابن تيمية العلماء في حكم الدعاء بعد الصلاة، فذهب إلى أن ذلك لا يُشرع بعد الصلاة، بل إن محلَّ الدعاء -كما يَرى- يكون داخل الصلاة لا خارجها، وهو يرى أنّ الأدعية الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في دُبُر الصلاة؛ إنما كان موضعها آخر الصلاة داخلها لا خارجها
موسوعة عين