اختلف الفقهاء في حكم غُسل يوم الجمعة، فذهبت طائفةٌ من أهل السلف إلى القول بوجوبه، ونقلوا ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، وأخذ بذلك أهل الظاهر، كما رواه ابن المنذر عن مالك، ورواه الخطابي عن الحسن البصري، إلّا أنّ جمهور العلماء من السلف والخلف رأوا أنّه سنةٌ مستحبةٌ وليس بواجبٍ، واستدلّوا على قولهم ذلك بعددٍ من أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، منها قوله: (من توضأ يومَ الجمعةِ فبها ونعمتْ، ومن اغتسل فالغسلُ أفضلُ)، فقالوا إن في الحديث السابق دلالةٌ على عدم وجوب غُسل الجمعة، كما احتجّوا لقولهم أيضاً بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لو اغتسلتُم يومَ الجمعةِ)، فرأوا أنّ هذا الحديث بهذا اللفظ دلالةٌ على عدم وجوب غُسل يوم الجمعة؛ لأنّ تقدير الكلام فيه أن لو اغتسلتم لكان أفضل وأكمل، كما أجابوا على الأحاديث النبوية الآمرة بغُسل الجمعة بأنّ الأمر فيها محمولٌ على الندب لا الوجوب، وذلك من باب الجمع بين الأحاديث، إلّا أنّ القائلين بوجوبه رأوا في حمل الأمر على الندب تأويلاً ضعيفاً، والحاصل من ذلك كلّه أنّ المذاهب الأربعة على استحباب غُسل الجمعة دون وجوبه، والأصل في الإنسان أن يحرص عليه خروجاً من دائرة الخلاف.
وفيما يتعلّق بالوقت المشروع فيه غُسل الجمعة، فهو عند التهيّؤ لأداء صلاة الجمعة، وأفضله أن يكون عند توجّه المسلم إلى المسجد، فقد قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك: (إذا راح أحدُكم إلى الجمعةِ فليغتسلْ)، ومع ذلك فإنّ اغتسل المسلم في أول النهار أجزأه ذلك، مع أفضلية الحرص على فعله عند التهيؤ للصلاة؛ لأنّ ذلك أبلغ في تحقيق النظافة، وقطع الروائح الكريهة، كما يجدر بالمسلم أن يحرص على التطيّب واللباس الحَسَن عند الذهاب إلى الجمعة، مع الخشوع والمقاربة بين خطواته، فكلّ خطوةٍ منها ترفع صاحبها درجةً وتحطّ عنه سيئةً، كما يستحبّ له أن يدخل المسجد برجله اليمين ويصلّي ما شاء الله له أن يصلّي، ثمّ يجلس في انتظار الإمام، وهو بين قراءةٍ للقرآن وذكر لله تعالى، مع الحرص على الاستماع والإنصات للإمام في خطبته، ثمّ يصلّي معه، وهكذا ينال الخير والأجر العظيمين من الله تعالى.
لا يتحقّق الاغتسال الكامل إلّا بصفةٍ محدّدةٍ بيانها فيما يأتي:
موسوعة موضوع