ما حكم من أفطر عمداً في رمضان

الكاتب: مروى قويدر -
ما حكم من أفطر عمداً في رمضان

ما حكم من أفطر عمداً في رمضان.

 

 

حكم الإفطار عمداً في رمضان:

 

يحرُم على المسلم الفِطْر في رمضان عمداً دون عذرٍ شرعيٍّ يُبيح الإفطار، فمن استوفى شروط التكليف بصيام رمضان؛ من إسلامٍ، وبلوغٍ، وعقلٍ، كان الصيام فريضةً واجبةً عليه، ولا يحلّ له الفِطْر إلّا لعذرٍ شرعيٍّ، كالمرض، والسفر، ونحوهما من الأعذار الشرعيّة المُعتبرة، ومن الجدير بالذكر أنّ الإفطار دون عذرٍ يُعدّ كبيرةً من كبائر الذنوب، وتترتّب على ذلك التوبة إلى الله توبةً نصوحةً، وقضاء ما أُفطِر من أيّامٍ دون عذرٍ شرعيٍّ، كما ذهب إلى ذلك عموم أهل العلم.

 

 

حُكم الكفّارة على مَن أفطر عمداً في رمضان:

 

حكم كفّارة مَن أفطر عمداً في رمضان بالجِماع ومقدارها

 

يتوجّب على مَن أفطر مُتعمّداً في نهار رمضان بالجِماع قضاء اليوم الذي أفسد صيامه، وأداء الكفّارة الواجبة التي تولّى النبي -صلى الله عليه وسلم- بيان مقدارها في حديثه مع الأعرابي الذي أفسد صومه؛ استدلالاً بما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (بيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: ما لَكَ؟ قَالَ: وقَعْتُ علَى امْرَأَتي وأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَ: لَا، فَقَالَ: فَهلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَكَثَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَبيْنَا نَحْنُ علَى ذلكَ أُتِيَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ -والعَرَقُ المِكْتَلُ- قَالَ: أيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أنَا، قَالَ: خُذْهَا، فَتَصَدَّقْ به فَقَالَ الرَّجُلُ: أعَلَى أفْقَرَ مِنِّي يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ ما بيْنَ لَابَتَيْهَا -يُرِيدُ الحَرَّتَيْنِ- أهْلُ بَيْتٍ أفْقَرُ مِن أهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى بَدَتْ أنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: أطْعِمْهُ أهْلَكَ).


وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الكفارة تتوجّب على الترتيب كما ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم؛ بمعنى أنّه لا يجوز أن ينتقل أحدٌ من الكفارة إلى ما بعدها حتى يتحقّق عجزه عن أداء الكفّارة السابقة، وتفصيل الكفّارة الواردة في الحديث على الترتيب كما يأتي:

  • عتق رقبةٍ مؤمنةٍ: حيث يتمّ البدء بذلك؛ وهو تخليص رقبة وتحريرها من العبودية، فإن عجز عن ذلك؛ بأن لم يجد رقبةً أصلاً، أو وجدها بسعرٍ أكثر من ثمنها، أو لم يجد الرقبة لانتهاء الرقّ كما هو الحال في زمننا، انتقل إلى الكفّارة التي تليها.
  • صيام شهرين متتابعين: ويكون التتابع بحيث لا يمتنع عن الصوم خلال مدّة شهرين إلّا بعُذرٍ، فإن قطعه لعذر شرعي، توجّب عليه التتابُع عند زوال العذر، ويبني على ما صامه قبل العذر، أمّا إن قطعه لغير عُذر شرعيّ، فقد وجب عليه استئناف صوم الشهرَين من جديد، فإن عجز عن الصوم لمَشقّةٍ شديدةٍ لا يمكن احتمالها، انتقل إلى الكفّارة التي بعدها.
  • إطعام ستّين مسكيناً: وقيمتها مُدٌّ لكلّ مسكين يُملّكه إيّاه من غالب ما يأكله أهل البلد؛ والمُدّ يساوي 750 غراماً، فإن عجز عن كلّ ما ذُكِر ، فإنّ الكفّارة تثبت في ذمّته، فإن استطاع فيما بعد، لزمه ما يقدر عليه؛ لأنّ الكفّارة حقٌّ من حقوق الله، فلزم أداؤها.

 

شروط وجوب كفّارة الجِماع

 

اختلف العلماء في الشروط الواجب تحقُّقها لإيجاب الكفّارة على مَن أفطر في رمضان عامداً بالجِماع، وبيان ذلك، وتفصيله فيما يأتي:

  • الشافعيّة: أوجبوا الكفّارة على الواطئ فقط دون الموطوءة، مع خُلوّ الجِماع من النسيان، أو الإكراه، على أن يتعلّق الإفساد بالصيام، فإن أفسد عملاً غيره، كالاعتكاف، فلا كفّارةٌ، وأن يكون الإفساد مُتعلّقاً بصيام رمضان، فإن كان الفِطْر في صيام تطوُّعٍ، أو قضاءٍ، فلا كفّارةٌ، وأن يكون الصيام يقيناً؛ فإن صام باجتهاده، ووطئ، فلا كفّارةٌ، ويُشترَط عدم اقتران الجِماع بمُفطرٍ غيره، كالأكل، والشُّرب، ونحوهما، وألّا يكون الواطئ مسافراً أخذ بنيّة الترخُّص بالفطر في السفر، وألّا يتعلّق الإفساد بمعصيةٍ، وأن يتعلّق الإفساد بصيام الرجل نفسه؛ فإن أفسد صيام زوجته وهو مريضٌ أو مسافرٌ مُفطرٌ، فلا كفّارة عليه، وألّا يُدرك الرجلَ جنونٌ، أو موتٌ بعد إفساد صومه بالوطء، وقبل غروب الشمس، وألّا تُوجَد أيّ شُبهةٍ، وألّا يتعلّق بالإفساد شَكٌّ، كرجلٍ جامع في النهار شاكّاً في دخول الليل، وتفصيل آراء الفقهاء فيما يأتي:
  • الحنفيّة: أوجبوا الكفارة على مَن جامع في نهار رمضان بمجرّد التقاء الختانين، دون اشتراط الإنزال؛ سواءً كان الجِماع في القُبل، أو الدُّبر، وبشرط أن يكون الجِماع مع مَن يُشتهى من الآدميّين.
  • المالكيّة: تجب الكفّارة عندهم على كلّ مَن جامع امرأةً؛ سواءً أكانت زوجته، أم أجنبيّةً عنه؛ بالإدخال وإن كان دون إنزالٍ، وتسقط الكفّارة عن المُجامع إن كان مُكرهاً، أو ناسياً، أو جاهلاً مُتأوّلاً، وإن مكّنت المرأة زوجها من نفسها وطاوعته، وجبت عليهما الكفّارة، أمّا إن كان الوطء وهي نائمةٌ، فتجب الكفّارة عليهما، ويُخرجها الزوج، كما أوجب المالكيّة الكفّارة على مَن أخرج المَني، أو المَذي بالمباشرة دون الفرج، كالنَّظر، والتقبيل.
  • الحنابلة: أوجبوا الكفّارة في حقّ مَن جامع في نهار رمضان في القُبل، أو الدُّبر؛ سواءً تحقّق الإنزال، أم لا، وسواءً كانت الموطوءة امرأةً أم بهيمةً، حيّةً أم ميّتةً، والحُكم سواءٌ في حقّ مَن كان ناسياً، أو مُخطئاً، أو مُكرهاً، نائماً أم مستيقظاً؛ لعموم الأدلّة التي دلّت على وجوب الكفّارة على من أفسد صيامه بالجِماع.

 

حكم كفّارة مَن أفطر عمداً في رمضان بغير الجِماع

 

اختلف العلماء في كفّارة الفطر عمداً في نهار رمضان بغير الجِماع، بيان ذلك وتفصيله آتياً:

  • الشافعيّة: قالوا بعدم وجوب الكفّارة إلّا على مَن جامع في نهار رمضان، فلا كفّارة على من أَكلَ، أو شَرِبَ في نهار رمضان، ولو كان مُتعمّداً.
  • الحنفيّة: قالوا بوجوب الكفّارة على كلّ من أفطر في نهار رمضان؛ سواءً بالجِماع، أو الأكل، أو الشُّرب، ونحوهما من الأمور المباحة في الأصل، وحُرِّمت لعارض الصيام؛ استدلالاً بما رُوي في السنّة النبويّة من أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أوجب الكفّارة على رجلٍ أفطر في رمضان، دون أن يذكر سبب الفِطْر، بشرط أن يُقصَد به التغذّي، أو التداوي من خلال الفم، أمّا ما لا يُقصَد به ذلك فلا كفّارة فيه، كبلع حجرٍ، أو ترابٍ، ونحوه، وكذلك الاستمناء أو المباشرة بين الزوجَين دون الفرج، ولو حدث الإنزال فلا كفّارة فيه أيضاً، ومقدار الكفّارة عندهم نفس مقدار كفارة الجماع؛ فقد رُوِي عن عطاء، والثوري، والزهري، والأوزاعي، وغيرهم: "إنّ الفطر بالأكل والشرب يُوجب ما يُوجبه الجماع".
  • المالكيّة: قالوا بوجوب الكفّارة على مَن تعمّد الأكل، أو الشُّرب في نهار رمضان، أو تناول شيئاً يَصِل إلى الجوف، حتى وإن كان ممّا لا تحصل التغذية به، كالحصاة، ونحوها، كما تجب على مَن تعمّد القيء، أو ابتلع شيئاً منه ولو غلبةً، أو تعمّد الاستياك بقشر شجر الجوزاء فابتلعها ولو غلبةً، ومقدار الكفارة في ذلك نفس مقدار كفارة الجماع؛ لِما فيه من هتك حرمة الصيام، فصار كالجماع، ويُستثنى من ذلك النسيان، وما يصل إلى الجوف من طريق غير الفم، كالأُذن، والأنف، كما تجب الكفّارة على مَن تعمّد إفساد صيامه بالفِطْر، ثمّ مَرِض بعدها أو سافر، وعلى مَن عقد نيّة الفطر وبيّتها، واشترط المالكيّة لترتُّب الكفّارة ما يأتي:
    • ألّا يكون إفساد الصوم مُتعلّقاً بصيام فريضة رمضان؛ فيخرج بذلك صيام القضاء، والنُّذور، والكفّارات، والنوافل.
    • أن تتوفّر نيّة العمد في الفطر؛ فلا كفّارة على الخطأ، أو النسيان، أو مَن أصابه عذرٌ شرعيٌ أباح له الفِطْر، كالمسافر، والمريض.
    • أن يكون مُختاراً؛ فلا كفّارةٌ على المُكرَه، أو الذي أفطر غلبةً وقهراً.
    • أن يكون عالماً بالحُكم؛ فلا كفّارة على الجاهل بالحُكم، كقريب العهد بالإسلام، والجاهل بحُكم الإفطار في نهار رمضان، والجاهل بثبوت هلال شهر رمضان.
    • ألّا ينتهك حُرمة شهر رمضان؛ فلا كفّارة على المُتأوِّل في إفطاره، كمن أفطر ناسياً، أو مُكرَهاً ولم يُمسك بقيّة اليوم، وكالمسافر مسافةً أقلّ من مسافة القصر فأفطر.
    • أن يصل المُفطر إلى المعدة من الفم؛ فلا كفّارة على ما دخل من الأذن، أو العين، إلّا أنّه يُوجب القضاء، وأن يكون واصلاً من الفم إلى المعدة؛ فلو وصل إلى الحلق ثمّ ردّه الصائم، فلا كفّارة عليه.
  • الحنابلة: قالوا بعدم وجوب الكفّارة إلّا على مَن جامع في نهار رمضان؛ سواءً في الفرج، أو فيما دونه، بإنزالٍ أم دونه، عمداً وقصداً، أو سهواً
شارك المقالة:
85 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook