احترم الإسلام حقّ الإنسان في الملكيّة الفرديّة، وشرّع كثيراً من الأحكام التي تصون هذه الملكيّة من الاعتداء بالغصب أو بالسرقة أو بالإتلاف، ونظّمت التشريعات الإسلاميّة العقود التي ينبني عليها انتقال الملكيّة من شخص لآخر، ومن هذه العقود: العقود الناقلة للمُلكيّة، وهذا النوع من العقود يُعدّ من الأبواب الواسعة في مسألة انتقال المُلكيّة، ومثالها: عقود البيع، والهبة، والوصيّة وغيرها، وإنّ ممّا صنّفه علماء الفقه في عقود انتقال الملكيّة ما يُطلقُ عليه: نزع المُلكيّة الجبريّ، حيث إنّ الملكيّة الخاصّة مصونة في الشريعة الإسلاميّة، وليس من حقّ أحد أنْ يتعرّض لها إلّا في حال الاستحقاق الشرعيّ لذلك؛ فحينها يجوز نزعها للمصلحة الخاصّة أو العامّة، ومن أهمّ تطبيقات ذلك حقّ الشُّفعة، وهو حقّ متعلّق بالجار الملاصق أو الشريك في المال، فما هو حقّ الشُّفعة، وما الحكمة من تشريعه، وما هي أهمّ أحكامه؟
لا شكّ أنّ مقابلة المعنى اللغوي للشُفعة بالمعنى الاصطلاحي يضع الباحث على مدى الارتباط بينهما في الاستدلال على التّطبيقات الشرعيّة لها، كما أنّ بيان مشروعيّة الحكم يبعث الطمأنينة في موضوع من أكثر الموضوعات دقّة في التّشريعات الماليّة في الإسلام، كونه يقوم على انتزاع الملكيّة.
شَفَعَ: فعل، ومفعوله مَشْفوع، يُقال: شَفَعَ العدد؛ أي: جعله زوجاً، ويُقال: كان واحداً فشفعته بآخر؛ أَي: أضفت مثله إليه، وشفع جاره؛ بمعنى: جعله أحقّ من غيره بشراء ملكٍ منه، وشفع في البيت؛ أي: طلب تملّكها بحقّ الشُّفعة، وشَفْع: اسم، والجمع منه أشفاع، وشِفاع، وشَفعة اسم مرّة من شفَعَ، والشّفع ما صار بغيره زوجاً؛ لذلك تكون الوتر خلاف الشّفع، والشُّفعة هي المِلْك المشفوع
لم يشرّع الله -تعالى- أمراً من الأمور إلّا لحِكمة يعلمها، وكلّ أمر شرّعه الله -تعالى- بيّنه للعباد بأركانه وشروطه، ومن بين الأمور التي بيّنها الله -تعالى- أمر الشُّفعة، وبيانه على النحو الآتي: