ما هذا الذي أفعله: أقرأ الفاتحة في الكنيسة؟!!

الكاتب: المدير -
ما هذا الذي أفعله: أقرأ الفاتحة في الكنيسة؟!!
"ما هذا الذي أفعله: أقرأ الفاتحة في الكنيسة؟!!

 

لقد ارتضى الله تعالى لعباده دينًا خاتمًا هو دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، دين الفطرة السليمة، ودين الكمال والشمول، ودين اليقين والطمأنينة، الذي لا يشعر معتنقه في ظله بالتناقضات التي تجلب الحيرة والشك، ولا يجد فيه ما يدعوه إلى الأسئلة الناتجة عن الاضطراب الذهني مما يجده في الاعتقادات أو الأحكام، كما يجد ذلك في الأديان الأخرى كالنصرانية واليهودية المحرفتين.

 

تقول سلمى بوافير: ولدت في مونتريال بكندا عام 1971 في عائلة كاثوليكية متدينة، فاعتدت الذهاب إلى الكنيسة، إلى أن بلغت الرابعة عشرة من عمري، حيث بدأت تراودني تساؤلات كثيرة حول الخالق وحول الأديان، كانت هذه التساؤلات منطقية ولكنها سهلة، ومن عجبٍ أن تصعب على الذين كنت أسألهم! من هذه الأسئلة: إذا كان الله هو الذي يضر وينفع، وهو الذي يعطي ويمنع، فلماذا لا نسأله مباشرة ؟! ولماذا يتحتم علينا الذهاب إلى الكاهن كي يتوسط بيننا وبين من خلقنا ؟! أليس القادر على كل شيء هو الأولى بالسؤال؟!. أسئلة كثيرة كهذه كانت تُلحُّ علي، فلمّا لم أتلق الأجوبة المقنعة عنها توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة، ولم أعد للاستماع لقصص الرهبان غير المقنعة، والتي لا طائل منها. لقد كنت أؤمن بالله وبعظمته وبقدرته؛ لذلك رحت أدرس أدياناً أخرى، دون أن أجد فيها أجوبة تشفي تساؤلاتي في الحياة، وبقيت أعيش الحيرة الفكرية حتى بدأت دراستي الجامعية، فتعرفت على شاب مسلم تعرفت من خلاله على الإسلام، فأدهشني ما وجدت فيه من أجوبة مقنعة عن تساؤلاتي الكبرى! وبقيت سنة كاملة وأنا غارقة في دراسة هذا الدين الفذ، حتى استولى حبه على قلبي ...حتى كانت لحظة الانعطاف الكبير في حياتي حين شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله[1].

 

وتقول عائشة برجت هوني: يعيش العالم الغربي اليوم في ظلام، وليس هناك أي بصيص من الأمل في قيام الحضارة الغربية بتوفير سبيل لتخليص الروح والنفس. فكل من يعرف الوضع الحقيقي للمجتمعات الغربية يلمس هذا القلق والحيرة العالمية التي تختفي خلف بريق التقدم والإبداع المادي الزائف. فالناس في الغرب (والشرق) يبحثون عن مخلّص من العقبات التي تحيق بهم. ولكنهم لا يرون منها مخرجًا. فبحثهم عقيم.. والانسجام اللطيف في الإسلام بين مستلزمات الجسد ومتطلبات الروح يمكن أن يمارس تأثيرًا قويًا في أيامنا هذه. وبوسعه أن يبيّن للحضارة الغربية السبيل المؤدي إلى الفلاح والخلاص الحقيقيين وأن يقدم للرجل الغربي التصور الحقيقي للحياة وأن يقنعه بالجهاد في سبيل مرضاة الله[2].

 

هناك عدد غير قليل من الشبان النصارى تجول بخواطرهم أسئلة دينية أورثتهم الحيرة وضعف الطمأنينة بدينهم، لم يجدوا عند القساوسة إجابات مقنعة عليها، حتى هداهم ذلك إلى الإسلام، فوجدوا فيه الأجوبة الشافية، التي عمرت قلوبهم بالطمأنينة، وأزالت عنهم الاضطرابات الذهنية والشكوك والحيرة.

 

كان من بين هؤلاء الشباب: الشاب السويدي هوجو، البالغ من العمر خمسًا وعشرين سنة، والذي يدرس في كلية الطب - حين اللقاء به -. فما قصته، وما هي الآيات القرآنية التي أثرت عليه، حتى أنار له بريقها الزاهي الطريقَ إلى واحة الإسلام المشرقة؟




نشأ هوجو بين أب ملحد وأم مسيحية، يقول عن حياته قبل الإسلام: قبل إسلامي وفي عمر المراهقة كان لدي جانبان مختلفان في حياتي، الجانب المسيحي المتدين حيث أذهب إلى الكنيسة، والآخر أصدقائي يجرونني يمينًا ويساراً إلى أشياء ليست بالجيدة، فمثلاً لم أكن مثل المسيحي المتدين الذي لديه الحماية الدينية لأتوقف عن أشياء ليست جيدة، لقد نشأت في عائلة متدينة، بالدرجة الأولى كانت جدتي المتدينة في البيت، ومن صغرنا علمتني وأخي أن نصلي صلاةً ما قبل النوم، بالرغم من أننا مسيحيون، ولكن لم أسمع قط من أهلي أو ناقشنا مسألة التثليث؛ ولذلك احتفظت بداخلي بتوحيد الرب، واستمريت على هذه الحال إلى أن كبرت وأنا مسيحي، بعدما كبرت وذهبت إلى المدرسة ابتعدت كثيراً عن الدين وإيماني بالله، ولكن في المرحلة المتوسطة وعمري 13-14 سنة، بدأنا ندرس العلوم كثيراً، وتحدثنا عن الانفجار الكبير، وفي تلك المرحلة من عمري بدأت أتساءل وأقول: حسنًا ولكن ما الذي حدث قبل ذلك؟! حتى ولو أدى الانفجار الكبير إلى التوسع والتكوين، ولكن ما الذي كان قبل هذا عندما خلقت المادة؟ وإنما يفسر الانفجار والتوسع والتكوين، لذلك لابد أن هناك نقطة قبله وهناك تتكون المادة، وهذا ما بدأت أفكر فيه عندما كبرت قليلاً. في ذلك الوقت بدأت أفكر بمسائل في المسيحية لم أكن أشكك بها من قبل مثل الثالوث والإنجيل، فأقول: إن كان كلام الله، أو كلام شهود، أو أن أحداً سمع أنه كلام الله وكتبه؟! والمسألة الأخرى: لماذا كان لحم الخنزير حلالاً للمسيحي؟!. ولكنني أحسست بأنني لم أحصل على الإجابة الشافية لهذه الأسئلة. وعندما كنا نتحدث مرة في الكنيسة مع القس سألته على وجه الخصوص: عما إذا كان الإنجيل كلام الله أم شهادة شاهد؟ لأننا حينما نقرأ الإنجيل نجد فيه: بأن شخصًا يقول: إن شخصًا آخر قال: إنه سمع من عيسى قولاً، فهذا دليل واضح بأنه ليس كلامًا مباشراً من الله، ولكن القس غضب جداً وقال: إن القساوسة قد ناقشوا هذا الأمر منذ ألف عام، وتوصلوا إلى أنه هكذا، ولا أريد الاستمرار في النقاش معك أكثر، ومن كثرة أسئلتي عن لحم الخنزير قال لي: حسنًا لا تأكل لحم الخنزير إذاً. لاحظت بعدها أن أسئلتي عن الإنجيل أزعجته؛ لأنها كانت أمام المجموعة الشبابية. ثم بعد سنة أصبحت مسلمًا بعد قول القس: لا تأكل لحم الخنزير إذاً.

 

ويقول عن وجهته في التدين: وعندما تدينت لم أفكر كثيراً في الإسلام ولا بأي دين آخر، وإنما أريد التدين والإيمان بالله فأصبح مسيحيًا، وهذا هو المتاح للسويدي، ولكن في الكنيسة صادف الحديث عن الإسلام مرات قليلة.

 

كان لهوجو صديق أسلم حديثًا فقال هوجو: وهذا أدهشني جداً؛ لأنه لم يكن شخصًا متدينًا من قبل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لأنه سويدي، ولم أكن أسمع من قبل أن سويديًا يعتنق الإسلام، والممتع أنه أسلم عندما كان مهدي وإخوانه[3] يتحدثون عن الإسلام مع شخص آخر، فبينما هم جالسون ويتناقشون كان هو جالسًا بجانبهم في مكان آخر في الغرفة ويستمع لنقاشهم وإذا به يقول لهم: أنا أريد أن أسلم، أنا أريد أن أسلم، فأسلم. وهكذا بدأنا نتناقش كثيراً عن الإسلام والمسيحية، ونقارن ما بين الإنجيل والقرآن، وكانت نقاشات ومناظرات طويلة وحادة ونحاول كسبها دائمًا.

 

ولما سئل هوجو عن الآية التي لها أثر كبير عليه قال: أعتقد أنها الفاتحة عندما سمعتها بالعربية، وقد كنت قرأت ترجمتها وغيرها من القرآن بالسويدية من قبل، ولكن عندما سمعتها بالعربية من صديقي أثناء صلاته ومن التسجيلات في الإنترنت أثرت فيَّ كثيراً، وكان الأمر مختلفًا تمامًا عندما سمعتها بالعربية، ولأنني لم أكن سمعتها من قبل، وكم كان الصوت بالعربية بها جميلاً ومدى التناسق والتنظيم الذي وجدته فيها، والترجمة السويدية تكون الآية فيها مجزأة وقصيرة ولا تسري بمرونة كما هي بالعربية، فعندما سمعت القرآن بالعربية شعرت بالجمال والتناسق، فكأن للقرآن بعداً آخر عايشته، فكانت فعلاً نقطة تحول. والذي دفعني لحفظها قبل إسلامي ونطقي بالشهادة أهميتها وشموليتها للمعتقد الإسلامي، فاستمعت لها كثيراً باللغة العربية، وأخذت وقتًا طويلاً مني لحفظها ومراجعتها قبل إسلامي

 

ويقول عن بداءة الطريق إلى الإسلام ثم نطقه بكلمة التوحيد: وبما أن نقاشاتنا عن الإسلام استغرقت حوالي سنة والتغيير كان بطيئًا شعرت في النهاية بأنني أعرف الكثير عن الإسلام، وكنت أؤمن كثيراً بالإسلام وبالقرآن، ولم أقل علنًا بأنني مسلم ولكنني كنت أشعر بداخلي بذلك. وأتذكر عندما اقتربنا من الصيف ورمضان قلت: سوف أصوم رمضان، وحان الوقت لأن أصلي، ولكن لا أستطيع أن أصلي وأصوم قبل النطق بالشهادة، فقررت في نفسي وقلت: يكفي إخفاؤه في داخلي، حتى إنني عندما كنت أذهب إلى الكنيسة الكل يصلي وأنا أقرأ الفاتحة في ذهني!! ففي ذلك الوقت بدأت أسأل نفسي: ما هذا الذي أفعله؟! أجلس في الكنيسة وأقرأ الفاتحة وأتظاهر بأنني لست مسلمًا؟! من أخدع سوى نفسي، فقررت أن أنطق بالشهادة، فذهبت إلى البيت وبلغت والديَّ، ونطقتها أمام مهدي والأصدقاء الآخرين، وأذكر أن أمي قالت: لماذا الإسلام، اختر شيئًا آخر: كن كاثوليكيا أو بوذيًا، لماذا مسلم؟! ولكن الحمد لله لم أواجه منهما ردة فعل مؤذية؛ فأنا أعلم أن كثيرين تعرضوا للتهديد أو الضرب أو قطع العلاقات، ولكن عائلتي والحمد لله تقبلوه بسهولة.

 

ويقول عن القرآن: القرآن في حياتي يمثل الهداية إذ يستطيع الإنسان قراءته والاستماع له، بل يحتاجه المرء دائمًا لهدايته. علينا أن نقرأ القرآن ولو قليلاً في كل يوم كي نستفيد، ولهدايتنا أدوار وأمور مختلفة في الحياة؛ لأنه من السهل أن يضل الإنسان إذا ابتعد كثيراً عنه.

 

ثم تزوج هوجو وكوَّن عائلة فصار له من زوجته المسلمة بنت، وهذا أمر نادر في السويد أن يكون لشاب صغير زوجة وأولاد ويعولهم وهو في تلك السن[4].

 

وهذه نصيحة جيدة من هوجو لإخوانه المسلمين بالعناية بقراءة القرآن والاهتداء به، كما هدته سورة الفاتحة، هذه السورة العظيمة التي لا تفي المجلدات ببيان عظمتها، وقوة تأثيرها وإعجازها، وحسن تناسقها ومرونتها في الأسماع، وما اختارها الله لتكون السورةَ المفروضَ قراءتها في كل ركعة إلا لما فيها من الأسرار البديعة والحقائق الرفيعة.

 

دروس من قصة الهداية:

1- بيان أثر الرفقة الصالحة في الهداية إلى الحق، وأثر الرفقة الطالحة في الوصول إلى الأشياء غير الجيدة.

2- الأثر الحسن الذي يتركه الصوت بالقرآن في نفوس السامعين وقلوبهم وإن لم يكونوا يعرفون العربية.

3- البيئة النصرانية من أفضل البيئات للدعوة إلى الإسلام، وواقع المقبلين على الإسلام في عصرنا يشهد على ذلك.

4- أعداء الحق ليس لهم أمام الحق الناصع إلا تشويهه وشيطنته.

 

البحث عن الحقيقة قد يستغرق وقتًا، ومن صدق في بحثه أوصله الله إلى غايته.




[1] رجال ونساء أسلموا، عبدالرحمن محمود (1/ 303).

[2] قالوا عن الإسلام، د. عماد الدين خليل(ص: 487).

[3] مهدي صديق هوجو، وهو وأبوه وإخوانه: - أسرة مسلمة كان لها دور في إسلام العديد من السويديين.

[4] فُرِّغت القصة من حلقة في برنامج: بالقرآن اهتديت بتصرف.


"
شارك المقالة:
26 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook