تتفرّع أحكامٌ كثيرةٌ عن مسألة السفر فيما يتعلّق بصلاة المسافر، وفيما يأتي عرضٌ لأهمّ الأحكام المتعلّقة بصلاة المسافر.
يُعتبر حكم الأذان فرض كفايةٍ على المسلمين؛ إذ إنّه من شعائر الإسلام الظاهرة التي يُميَّز بها بين المسلم وغيره، وقد قال المحقّقون بوجوب الأذان في السفر والحضر؛ لأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لم يترك الأذان في السفر ولا في الحضر، وقد داوم عليه النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- والخلفاء الراشدون من بعده، بالإضافة إلى أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد أمر مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- بالأذان، حيث قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرتِ الصلاةُ، فلْيؤذنْ لكم أحدُكم، وليؤمَّكم أكبرُكم)، والأمر الظاهر يُفيد الوجوب، كما قال ابن المنذر: (الأذان والإقامة واجبان على كلّ جماعةٍ في السفر والحضر؛ لأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أمر به مالك بن الحويرث).
لقد شرع الله تعالى القصر، والدليل على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا)، وعلى الرغم من أنّ ظاهر الآية الكريمة يدلّ على حصر القصر في حالة الخوف من فتنة الكفّار، إلّا أنّ هذا الحصر جاء لبيان الواقع؛ إذ إنّ أغلب أسفار النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك الوقت كان فيها خوفٌ، فيجوز القصر أيضاً في حالة الأمن، وممّا يدلّ على ذلك؛ الحديث الذي روي عن علي بن أميّة رضي الله عنه، حيث سأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن الآية السابقة وقد أمن الناس، فقال عمر: (عجبتُ ممّا عجبتَ منهُ، فسألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن ذلك، فقال: صدقةٌ تصدقَ اللهُ بها عليكم فاقبلوا صدقتَه)، بالإضافة إلى قول ابن عمر رضي الله عنهما: (صَحِبتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكان لا يَزيدُ في السفَرِ على ركعتَينِ، وأبا بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ كذلك رضي اللهُ عنهم)، والحقيقة أنّ الكثير من العلماء يعتبرون القصر في السفر رخصةً، أو سنّةً مؤكّدةً؛ بحيث يجوز للمسافر أن يقصر صلاته ويجوز له إن شاء أن يُتمّها، والأفضل أن يقصرها اقتداءً بالرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولقوله عليه الصّلاة والسّلام: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ أنْ تؤتى رُخَصُه كما يكرَهُ أنْ تؤتى معصيتُه).
اختلف العلماء في المسافة التي يجوز للمسافر القصر عند نيّة قطعها، وفيما يأتي بيان أقوالهم:
يجوز الجمع بين الصلاتين خلال السفر إذا كان في ترك الجمع مشقّة على المُسافر، فقد ثبت عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه جمع في بعض أسفاره، ولم يجمع في بعضها الآخر، وهذا يدلّ على أنّ حكم الجمع في السفر ليس سنّةً مستحبّةً لكلّ مُسافرٍ، وإنّما يكون الجمع مستحبّاً في حال وجود المشقّة.
موسوعة موضوع