يُعرف الصداع (بالإنجليزية: Headache) على أنّه الشعور بالألم أو الإزعاج في منطقة الوجه أو الرأس، ويختلف الصداع تبعاً لموقع الألم، وشدّته، ومدى تكرار حدوثه، وبسبب هذه الاختلافات وضعت جمعية الصداع الدولية (بالإنجليزية: International Headache Society) العديد من التصنيفات لتحديد أنواع الصداع بدقّةٍ أكبر.
يستدعي الشعور المُتكرر بالألم خلف الرأس البحث عن المُسبّب لمعالجته والسّيطرة على الألم، فآلام خلف الرأس تنتج عن أسباب عدّة؛ من بينها وضعيات الجسم غير السليمة، وأسبابٍ أخرى مُرتبطة بأنواعٍ مُحددةٍ من الصداع سنتطرق لكلٍّ منها على حِدا.
يعدّ صداع التوتر (بالإنجليزية: Tension Headache) النوع الأكثر شيوعاً في البالغين، على الرغم من احتمالية حدوثه ضمن أيّ فئة عمرية أخرى، وقد يكون متوارثًا في بعض العائلات، ويُسبّب صداع التوتر ألمًا باهت أو شعورًا بالضغط والشدّ حول جبهة الرأس أو الجزء الخلفي من الرأس والرقبة؛ بحيث يصِف بعض المُصابين ذلك وكأنّ مشبكاً ما يضغط على الجمجمة، وعادةً ما يستمر صداع التوتر من نصف ساعة إلى عدّة أيام ويُقسم إلى نوعين؛ هما: صداع التوتر العَرَضي (بالإنجليزية: Episodic Tension Headache) الذي يبدأ بشكلٍ تدريجي، وغالبًا ما يكون ذلك خلال منتصف النهار، ويستمر لأقل من 15 يوماً في الشهر الواحد، والنوع الآخر هو صداع التوتر المزمن (بالإنجليزية: Chronic Tension Headache) والذي يستمر لأكثر من 15 يوم في الشهر الواحد. ينتج صداع التوتر عن انقباض عضلات الرقبة وفروة الرأس، أو تشنّجها، ويكون ذلك بفعل التعرّض لإصابة في الرأس، أو التوتر النفسي (بالإنجليزية: Stress)، أو القلق (بالإنجليزية: Anxiety)، أو الاكتئاب (بالإنجليزية: Depression)،ونذكر من عوامل الخطر الأخرى ما يأتي:
يُنصح دائماً بعمل مُذكّرة للمساعدة على تحديد مُحفّزات الصّداع إذا كان الشخص يُعاني منه بشكلٍ مُتكرّر، وبناءً على ذلك يُعدّل المُصاب نظام حياته أو طبيعة غذائه بالطريقة التي تحدّ من الشعور بالصداع مجدّداً، ويُشار إلى أنّ للتمارين الرياضية والاسترخاء دورًا مهمًّا في تقليل التوتر النفسي، بالإضافة إلى ضرورة المحافظة على وضعية الجسم سليمة وأخذ قسط كافٍ من الراحة والسّوائل، إذ إنّ لهذه الإرشادات دور في تقليل الشعور بصداع التوتر.
يبدو الألم المُلازم للصداع عنقي المنشأ (بالإنجليزية: Cervicogenic Headache) وكأنّه في مؤخرة الرأس، لكنّ المشكلة أساسها الرقبة وهذا ما يُعرف بالألم الرجيع (بالإنجليزية: Referred Pain)، أيّ أن يشعر المُصاب بالألم في موقعٍ ما من الجسم مُختلف عن موقع مُسبّبه الحقيقي، ويُعتبر الألم المُلازم للصداع عنقي المنشأ صداعًا ثانويًا بمعنى أنّه يكون ناجم عن الإصابة بمرض ما أو مشكلةٍ صحيّةٍ مُعينةٍ، كاضطرابات فقرات الرقبة ومكوناتها من عظام، وأنسجةٍ رخوة (بالإنجليزية: Soft Tissues)، أقراص الفقرات (بالإنجليزية: Discs)، ومن الجدير ذكره وجود العديد من التراكيب الحسّاسة للألم في الجزء العلوي من الرقبة ومؤخرة الرأس، كما أنّ نقاط اتصال الرقبة وقاع الجمجمة تُمثل مواقع قادرة على تحفيز الشعور بالألم بما يشمل بطانة فقرات الرقبة، والمفاصل، والأربطة (بالإنجليزية: Ligaments)، وجذور أعصاب الرقبة (بالإنجليزية: Nerve Roots)، والشرايين الفقرية العابرة خلال أجسام الفقرات العنقية.
قد ينتج الصداع عنقي المنشأ عن داء الفقار الرقبية (بالإنجليزية: Spondylosis)، أو تلف أحد أقراص الفقرات، أو إصابة مَضعية (بالإنجليزية: Whiplash Injury) تُسبّب ضغطًا على أحد اعصاب الرقبة أو تهيّجها، وحول عوامل الخطر التي تزيد هذا النوع من الصداع سوءاً فنذكر منها ما يأتي:
يتمثل الألم العصبي الرقبي القذالي (بالإنجليزية: Occipital Neuralgia) بالشعور بألمٍ نابضٍ ثاقب أو ألم مزمن مُشابه للصدمة الكهربائية في الجزء العلوي من الرقبة، ومؤخرة الرأس، ومنطقة خلف الأذنين، وعادةً ما يؤثر ذلك في جهةٍ واحدةٍ من الرأس، ويُعتبر سببًا شائعًا للصّداع، ويرتبط هذا الألم بالمناطق التشريحية التي يُغذّيها العصبين القذاليين الكبير (بالإنجليزية: Greater Occipital Nerves) والصغير (بالإنجليزية: Lesser Occipital Nerves) واللذين يمتدّين موضِع التقاء العمود الفقري مع الرقبة ثم للأعلى باتجاه مؤخرة الرأس والفروة، وحول الأسباب فقد لا يُعرف السبب وراء ذلك في العديد من الحالات، وفي حالاتٍ أخرى يُعزى الألم العصبي القذالي إلى وجود تلف أو تهيّج في الأعصاب القذالية نتيجة عواملٍ عدّة، من بينها ما يأتي:
يُمثل الصداع النصفي أو الشقيقة (بالإنجليزية: Migraine) صداع دوري يستمر حتّى ثلاثة أيام، ويُسبّب ألمًا نابضًا شديدًا في جهةٍ واحدةٍ من الرأس وخلف العين، ويُمكن أن ينتشر ليؤثر في مؤخرة الرأس، ومن الأعراض الأخرى للشقيقة الحساسية العالية للضوء والروائح والأصوات، بالإضافة إلى الغثيان والاستفراغ، ويُشار إلى أنّ بعض المواد الالتهابية من شأنها تحفيز استشعار الألم في الأوعية الدموية والأعصاب في الرأس بما يُسبّب الشقيقة، وهُناك بعض عوامل الخطر التي تزيد من احتمالية الإصابة بالشقيقة، ومنها ما يأتي:
يتمثل الصداع الناجم عن فرط استخدام الأدوية (بالإنجليزية: Medication-overuse Headache) بتكرار حدوث الصداع نتيجة أخذ مسكنّات الألم أو أدوية التريبتان (بالإنجليزية: Triptan) بانتظام لعلاج الشقيقة أو أنواع اخرى من الصداع،فعادةً ما يُعاني المريض في هذه الحالة من أعراضٍ يعتقد أنّها مُرتبطة بأنواعٍ مختلفة من الصداع؛ كالمُرتبط بمقدّمة الرأس، ومؤخرته، وجانبيه؛ سواء أثر الصداع في جانبٍ واحد من الرأس أم كِلا الجانبين، وفي الحقيقة إنّ ألم الرقبة يرتبط بالعديد من حالات الصداع الناجم عن فرط استخدام الأدوية، وقد يؤدي ذلك إلى اللبس في التشخيص بينه وبين الصّداع عنقي المنشأ،وحول تعريف الصداع الناجم عن فرط استخدام الأدوية فيُشار إلى أنّه ينتج عادةً عن فرط استخدام دواء واحد أو أكثر من الأدوية المُعالجة للصداع لمدّة ثلاثة شهور أو أكثر، ويستمر الشعور بهذا الصّداع لمدّة 15 يوماً على الأقل من الشهر الواحد، ويتطوّر ويزداد سوءاً خلال فترة فرط استخدام الأدوية، ويخفّ ويعود إلى نمطه السّابق خلال شهرين من التوقف عن تناول الأدوية بشكلٍ مفرط،وتزداد احتمالية الإصابة بهذا النّوع من الصّداع عند وجود أحد عوامل الخطر التالية:
يحدث الجفاف (بالإنجليزية: Dehydration) عندما يفقد الجسم الماء عبر عملياتٍ حيوية؛ كالتعرّق والتبوّل بمعدل أكبرٍ من كمية الماء التي تدخل الجسم، ويحدث صداع الجفاف كنوع ثانوي أو كأحد مضاعفات الجفاف؛ فتُسبّب الحالات الخفيفة إلى المتوسطة من الجفاف الصداع بدرجاتٍ تتراوح بين الطفيفة إلى الشديدة، ويُمكن أن يتمركز الألم المُصاحب لصداع الجفاف في مقدّمة الرأس، أو مؤخرته، أو الجانبين، أو حتّى كامل أنحاء الرأس، ويُحتمل أن يرتبط صداع الجفاف بتقلّص الدماغ بشكلٍ مؤقت نتيجة فقدان السوائل؛ فقد يترتب على الجفاف حدوث انخفاض في حجم البلازما (بالإنجليزية: Plasma) في أوعية الدماغ الدموية نظراً لاحتواء البلازما على نسبةٍ عالية من الماء، وعليه فإنّ الإكثار من الماء في حالات الجفاف يُعيد الدماغ إلى حجمه الطبيعي ويُخفّف الشعور بالصداع، ولكن هُناك بعض العوامل التي تجعل الشخص أكثر عُرضة للجفاف وصداع الجفاف؛ مثل حالات فرط التبوّل، والحمّى، والإسهال، والاستفراغ، والتعرّق الشديد إمّا بسبب النشاط البدني العالي أو الحرارة، ورغم أنّ كافّة الأشخاص عُرضة للإصابة بالجفاف، إلّا أنّ البعض أكثر عُرضة مُقارنةً بغيرهم، مثل:
يحدث صداع بذل المجهود (بالإنجليزية: Exercise headache) أثناء ممارسة تمارين ذات مجهودٍ عالٍ وشاق أو بعد ذلك؛ ومن الأمثلة على هذه التمارين: الركض، والتجديف، ورفع الأثقال، والسباحة، والتنس،يشعر الشخص في حالات صداع بذل المجهود بالألم النابض عبر جانبي الرأس، وفي بعض الأحيان تزداد شدّته في مؤخرة الرأس. وفي الحقيقة، يُقسّم الأطباء صداع المجهود إلى فئتين رئيسيين؛ هما الأولي والثانوي؛ فالأولي يكون غيرُ مؤذٍ ولا يرتبط بأيّ مشاكل صحيّة ويستطيع المُصاب السّيطرة عليه باستخدام أدوية مُعينة، أمّا صداع بذل المجهود الثانوي فقد يتطلّب الخضوع للتدخل الطبي إذ يُحتمل أن يكون ناجمًا عن مشكلةٍ صحيّةٍ غالباً ما تتعلّق بالدماغ؛ كالأورام أو النزيف، أو مشكلة صحيّةٍ خارج الدماغ؛ كداء الشريان التاجي (بالإنجليزية: Coronary Artery Disease)، وتزداد احتمالية الإصابة بصداع بذل المجهود في حال وجود تاريخ عائلي أو شخصي لصداع الشقيقة، وكذلك عند ممارسة الرياضة في الطقس الحار أو على ارتفاعات عالية.
يقع الدماغ داخل كيس مملوء بالسائل الدماغيّ الشوكيّ (بالإنجليزية: Cerebrospinal Fluid) والذي يمتد من الجمجمة إلى الأسفل باتجاه العمود الفقري، إذ يعمل هذا السائل كداعم وماصّ للصدمات لحماية الدماغ ويُساعد كذلك على نقل الفضلات، ويُشار إلى أنّ كيس الدماغ يتكوّن من أغلفة تُعرف بالسحايا (بالإنجليزية: Meninges)، وإنّ حدوث أيّ تسريب للسائل الدماغي إلى داخل هذه الأغلفة سيُخفّض ضغط السائل الدماغي بما يُسبّب ارتخاء الدماغ للأسفل عندما يجلس المُصاب باستقامة، وهذا بحدّ ذاته يُمدّد السحايا وبطانة الأعصاب في الدّماغ مُسبّباً الألم الذي عادةً ما يكون أسوء في مؤخرة الرأس، وقد يكون مصحوبًا بالغثيان وألم الرقبة.
يكون سبب تسريب السائل الدماغي الشوكي معروفاً في معظم الحالات؛ كالخضوع لجراحات العمود الفقري، أو إجراء البزل القطني (بالإنجليزية: Spinal Tap)، أو تعرّض منطقة الرأس والعنق لإصاباتٍ رضيّة، ويكون التشخيص بسيطاً وسهلاً إذا ظهرت أعراض الصداع الوضعي أو الانتصابي بعد التعرّض للمُسبّب بفترةٍ وجيزةٍ، أمّا الحالات الخفية فتكون أكثر تعقيداً ويصعب تشخيصها بسهولة؛ فأحياناً قد لا يتمّ التوصّل إلى سبب واضح لتسرّب السائل الدماغي، أو قد يكون حدوثه مُرتبطًا بالعطاس أو السعال القوي، أو التعرّض لإصابة رضيّة طفيفة، وهُناك بعض الأشخاص الذين يولدون بأغلفةٍ سحائية أكثر عُرضةً للتمزّق؛ خاصّة أولئك الذين يُعانون من فرط مرونة المفاصل (بالإنجليزية: Joints Hyperflexibility)، بما يُسبّب زيادة احتمالية مُعاناتهم من حالة تسرب السائل الدماغي الشوكي.