يتمثّل استئصال الغدة الدرقية (بالإنجليزيّة: Thyroidectomy) بإجراء عمليةٍ جراحيّةٍ لإزالة بعض الأجزاء من الغدة الدرقية أو إزالتها بالكامل، والغدة الدرقية هي الغدة الواقعة في الجزء الأمامي من الرقبة والمسؤولة عن إنتاج وإفراز الهرمونات الدرقية الضروريّة للجسم؛ حيث تتحكّم هذه الهرمونات في العديد من العمليات الحيوية المُهمة للجسم،وفي الحقيقة يقوم الطبيب باختيار نوع الجراحة المناسبة للحالة الطبية بناءً على السبب الحقيقي وراء استئصال الغدة، وبعد النظر في العوامل التي تتعلّق بالوضع الصحي للغدة الدرقية والصحة العامة للمريض، ففي حال وجود عُقيدات أو سرطان في مناطق محدّدة من أحد جانبيّ الغدة الدرقية فإنّ الطبيب يُوصي بإزالة نصف الغدة الدرقية، ويُعرف هذا النوع باستئصال الدرقية الجزئي (بالإنجليزيّة: Hemithyroidectomy)، بينما يتم استئصال النسيج المعروف بالبرزخ والموجود في منتصف الغدة الدرقية ليربط النصفين معاً في حال وجود أورامٍ صغيرةٍ فيه، ويُعرف هذا النوع باستئصال البرزخ (بالإنجليزيّة: Isthmusectomy)، وفي بعض الحالات يحتاج المريض لإزالة كامل الغدّة الدرقية بسبب وجود كُتل سرطانية، أو عقيدات نشطة على كلا الجانبين، أو في حال إصابة المريض بداء غريفز (بالإنجليزيّة: Graves' disease).
تجدر الإشارة إلى أهمية التعرّف على طبيعة الغدة الدرقية والهرمونات التي تُنتجها ووظيفتها لفهم عملية استئصال الغدة الدرقية بالكامل؛ حيث تتكوّن الغدة الدرقية من فُصين اثنين (بالإنجليزية: Lobes)، ويحيط كل نصف بالقصبة الهوائية من أحد الجانبين، وتتبع الغدة الدرقية للغدد الصماء التي تقوم بإنتاج هرمونات وإطلاقها في مجرى الدم، وتقوم هذه الهرمونات بالتأثير في خلايا وأنسجة بعيدة عن الغدة الدرقية في مختلف مناطق الجسم؛ حيث تساعدها على العمل بشكل طبيعي، فهناك ثلاثة أنواع من الهرمونات التي يتم إنتاجها في الغدة الدرقية؛ هرمون الدرقية أو هرمون الثيروكسين (بالإنجليزيّة: Thyroxine) ويُطلق عليه T4 أيضاً، وهرمون ثلاثي يودو ثيرونين (بالإنجليزيّة: Triiodothyronine) الذي يُطلق عليه T3، وفي الحقيقة يتحوّل T4 إلى T3 في الجسم، وذلك لأنّ T3 هو الشكل الفعّال من الهرمون الذي يؤثر في طريقة عمل الخلايا والأنسجة الجسمية، كما تقوم الغدة الدرقية بإنتاج هرمون كالسيتونين (بالإنجليزيّة: Calcitonin) الذي يساهم في التحكم في مستوى الكالسيوم في الجسم، ولكن يمكن للجسم القيام بالعمليات الحيوية بإتقان بغيابه أو بوجود كميات قليلة منه، بينما يحتاج الجسم لهرمونات الدرقية T3 وT4 بهدف التحكم في سرعة العمليات في الجسم أو ما يُعرف بمعدّل الأيض؛ حيث يتم تعويض الجسم ما ينقصه من هذه الهرمونات عبر تناول قرص دوائي يحتوي على هرمون الدرقية المصنّع بشكل يومي، وتجدر الإشارة إلى أنّ زيادة إنتاج هذه الهرمونات يسبّب فرط نشاط الغدة الدرقية ويشعر حينها المصاب بزيادة الشهية، وسرعة التهيّج، وقد يفقد الوزن، وفي المقابل يتمثل قصور الغدة الدرقية بقلّة إنتاج هذه الهرمونات ويشعر حينها المريض بالكسل، والتعب، وغيرها من الأعراض الأخرى.
تُعدّ عمليات استئصال الغدة الدرقية أحد الخيارات العلاجية المتوفرة لأمراض الغدة الدرقية، وفيما يأتي بيانٌ لأهم هذه الأمراض التي قد تستدعي استئصال الغدة الدرقية:
يقدم الطبيب للمريض مجموعةً من التعليمات المتعلّقة بوقت التوقف عن تناول الطعام والشراب قبل العملية، وكذلك الأدوية التي يجب عليه تناولها قبل يومٍ من العملية الجراحية، كما يُوصي بإخضاعه قبل جراحة استئصال الغدة الدرقية لبعض الفحوصات المخبرية كفحص الدم؛ لمعرفة مستوى هرمون الدرقية وغيرها من العوامل، وبعض الفحوصات التصويرية كتصوير الغدة بالموجات فوق الصوتية (بالإنجليزية: Ultrasound)، أو التصوير المقطي المحوسب (بالإنجليزية: Computed tomography scan)، أو التصوير بالرنين المغناطيسي (بالإنجليزية: Magnetic Resonance Imaging)، وقد يُوصي أيضاً بإجراء فحوصاتٍ أُخرى بهدف الاطمئنان على الصحة العامة للمريض، ومن الجدير بالذكر أنّ المريض في بعض الأحيان قد يحتاج لأخذ أدويةٍ معينة قبل الدخول إلى غرفة العمليات، ومنها الأدوية المضادة للتقيؤ، بالإضافة للمضادات الحيوية في حال كان يُعاني من ضعفٍ في الجهاز المناعي أو أيّ مشكلةٍ صحيّة أُخرى تجعل الفرد أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، والأدوية التي تُحافظ على توازن هرمونات الدرقية خلال وبعد العملية في حال كان يُعاني من فرط نشاط الغدة الدرقية، وتجدر الإشارة إلى أنّ الأشخاص الذين يستخدمون أحد مميعات الدم ينبغي أن يستشيروا الطبيب حول الوقت المناسب للتوقف عن استخدامها قبل العملية للتقليل من خطر النزيف.
بعد تحضير المريض للعملية الجراحية من قِبل أخصائي تخدير، يقوم الفريق الطبي العديد من أجهزة المراقبة الطبية على جسم المريض مثل؛ جهاز قياس ضغط الدم على الذراع، وجهاز مراقبة للقلب موصولٌ بالصدر، وذلك بهدف التأكد من أنّ معدّل ضربات القلب، ومعدّل ضغط الدم، ومستوى الأُكسجين في الدّم يحافظ على مستوياتها الطبيعية خلال العملية، ومن ثمّ يحدث الطبيب شقاً في منتصف الرقبة، ويعمد على إزالة الغدة أو أجزاء منها وذلك بناءً على سبب إجراء العملية الجراحية، وفي حال كان سبب استئصال الغدة الدرقية هو وجود كتلٍ سرطانيّةٍ فإنّ الجرّاح يتفحّص الغدد اللمفاوية المحيطة بالغدة الدرقية ويعمد على إزالة بعض منها إن لزم الأمر، وتجدر الإشارة إلى أنّ عملية استئصال الغدة الدرقية تستغرق من ساعة إلى ساعتين عادةً، ولكنّها قد تحتاج إلى أقل أو أكثر من ذلك الوقت في بعض الحالات،كما أنّ عملية استئصال الغدة الدرقية يمكن أن تجرى بطريقتين رئيسيتين، وهما:
تجدر الإشارة إلى أنّه في حال وُضعت قسطرة لتصريف السوائل من الرقبة خلال العملية فإنّه يتم إزالتها في صباح اليوم التالي للعملية في العادة، ويجدر بالذكر أنّ جراحة استئصال الغدة الدرقية آمنة نسبياً وجيدة التحمل، وغالباً ما يكون المصاب بعد العملية بصحة جيدة، ويتمكّن من العودة إلى المنزل في اليوم التالي للعملية، إلا أنّه قد يتطلب وقتاً أطول بعض الشيء من المكوث في المستشفى في بعض الحالات؛ حيث تعتمد مدّة بقاء المريض في المستشفى على حالته الصّحيّة، وسرعة تعافيه بعد العملية مع التنويه إلى ضرورة أنّ يكون المريض قادراً على بلع السوائل وأقراص الدواء قبل خروجه من المستشفى، ومن الجدير بالذكر أنّ المريض بعد خضوعه للجراحة يحتاج فعلياً إلى حوالي أسبوع إلى أسبوعين ليتعافى كُلياً ويستعيد صحته ونشاطه السابق،وأما بالنسبة للعناية بالجرح فيجب الحرص على أن يبقى الجرح جافاً لمدة 48 ساعةً بعد العملية، وفي الحقيقة يُمكن للمريض بعد هذه المدة الاستحمام أو الاغتسال باستخدام الدّش وليس عمل مغطسٍ في حوض الاستحمام أو الاغتسال بغمر الجسم بالماء، وذلك لتفادي حدوث تلفٍ في الضمادات اللاصقة وتقشّرها في وقتٍ مبكّر، وبعد التئام الجرح بالكامل يُمكن تدلييك المنطقة باستخدام الكريمات المرطبة والمليّنة كتلك المحتوية على فيتامين هـ (بالإنجليزية: Vitamin E)، وفي هذا السياق يُشار إلى أنّه في العادةً يتم إخبار المريض عن طبيعة الغرز أو الطريقة المُستخدمة في خياطة الجرح، وفي الغالب تكون هذه الغرز قابلة للذوبان، ولا تحتاج لإزالتها فيما بعد.
أمّا فيما يتعلق بالشق المُحدث خلال عملية استئصال الغدة الدرقية فإنّه وراءه نُدبة صغيرة، والتي يُمكن أن تظهر على شكل خطٍ غليظٍ بعض الشيء ومُحمرّ خلال الأشهر القليلة الأولى من الخضوع للعملية، ولكنّه يختفي بالتدريج إلى أن يُصبح خطاً رفيعاً أبيض اللّون في النهاية، ويحتاج الجلد مدّةً تتراوح بين 6-12 شهراً للوصول إلى الشكل النهائي للندبة.
تُتحدد الآثار طويلة المدى لعملية استئصال الغدة الدرقية بناءً على حجم الجزء الذي تمت إزالته، ففي حال كان استئصال الغدة الدرقية جزئياً فإنّ عمل الغدة الدرقية لا يتأثر في الغالب، وذلك لأنّ الجزء المتبقي من الغدة الدرقية يُمكنه تعويض مهام الغدة كاملةً؛ وبالتالي قد لا يحتاج الفرد لتناول العلاج بالهرمون المصنّع للغدة الدرقية أما في حال إزالة الغدة الدرقية بالكامل فحينها سيكون المريض بحاجةٍ لتناول الأدوية التي تحتوي على هرمون الدرقية المُصنَّع مدى الحياة؛ ويجدر بالذكر أنّ السيطرة على القصور في وظائف الدرقية من خلال هذه الأدوية أمر سهل ويسير؛ حيث يتناول المصاب قرص دواء يومياً يحتوي على الهرمون المُصنَّع للغدة الدرقية في الصباح الباكر قبل نصف ساعة على الأقل من تناول الطعام أو أي مشروب يحتوي على الكافيين، ويتم التأكد من ضبط الجرعة المستخدمة في تعويض هرمون الدرقية من خلال الخضوع لاختبارات الدم التي تقيس مستوى الهرمون المنشط للدرقية (بالإنجليزية: Thyroid–stimulating hormone)، واختصاراً TSH وفقاً لتعلميات الطبيب؛ حيث يبدأ الأمر باستخدام المصاب جرعة مبدئية يحددها الطبيب لمدة تتراوح بين 6-8 أسابيع، لتحديد ما إذا كانت جرعة الدواء مناسبةً له أم لا، وبعد مرور هذه الفترة قد يتم تعديل الجرعة التي سيستمر عليها المصاب مدى الحياة حسب حاجة المصاب، وينبغي التوضيح هنا أنّه قد يطرأ أمرٌ ما يستوجب تغيير الجرعة كما هو الحال أثناء الحمل؛ ففي الغالب قد تحتاج المرأة الحامل لزيادة جرعة هرمون الدرقية المصنع خلال الحمل بعد استشارة الطبيب المختص
تُعدّ جراحة استئصال الغدة الدرقية آمنة، خاصةً إذا أُجريت بأيدي طبيب متخصصٍ ماهر الذي بدوره يتخد التدابير اللازمة للحيلولة دون حدوث أيّ مُضاعفاتٍ، وعلى العموم فإنّ احتمالية حدوث المضاعفات نادرةٌ جداً ولا تتجاوز 2% من عمليات استئصال الدرقية، بما فيها النزيف، والإصابة بالعدوى، وقصور جارات الدرقية (بالأنجليزية: Hypoparathyroidism)(*) الذي يؤدي إلى انخفاض مستويات الكالسيوم في الدّم، وتغيّر الصوت والذي يكون في العادة مؤقتاً بحيث يتحسّن الصوت عادةً خلال بضعة أسابيع من العملية، ولكن في بعض الأحيان قد يستمرّ الأمر حتى 6 أشهر، وتشمل تغيرات الصوت حدوث بحةٍ في الصوت، أو تغيّرٍ في نبرة الصوت، أو الفقدان المؤقت للصوت، وتُعزى هذه التغيرات إلى تأثر الأعصاب الموجودة في الرقبة وتحديداً بالقرب من الغدة الدرقية والمسؤولة عن التحكّم في الأحبال الصوتية،وينبغي التنويه إلى أنّ جراحة استئصال الغدة الدرقية قد تتسبب في المعاناة من بعض الآثار الجانبية المؤقتة كتيبس عضلات الرقبة وألمها نتيجة قلة تحريكها بعد العملية، والغثيان، وصعوبة البلع، والسعال، كذلك قد يؤدي التخدير العام إلى المعاناة من بعض الآثار الجانبية لدى البعض، ومن أبرز هذه الآثار الغثيان أو التقيؤ، وألم الحلق، والدوخة، والصُّداع، والحكة، وألم عام، وألم الظهر، لكن بشكلٍ عام تُعدّ تقنيات التخدير الحديثة آمنةً بشكلٍ كبير
ولمعرفة المزيد عن مضاعفات استئصال الغدة الدرقية يمكن قراءة المقال الآتي: (مضاعفات إزالة الغدة الدرقية).
يحرص الطاقم الطبي على تقديم الرعاية الصحية اللازمة للخاضع لعملية استئصال الغدة الدرقية، بالإضافة لإجراء بعد الفحوصات والاختبارات للتأكد من سلامته، وقبل خروجه من المستشفى يحدد الطبيب موعداً للمصاب لمراجعته مرة أخرى للاطمئنان على شفاء جرح العملية، وإجراء بعض الفحوصات الأخرى للتأكد من تعافيه بشكل سليم، وعدا عن ذلك يُنصح المصاب بمراجعة الطبيب واستئارته في حال ظهور أي من الأعراض والعلامات التالية في مرحلة التعافي والشفاء بعد الخضوع لاستئصال الغدة الدرقية:
فيما يأتي بيانٌ لبعض النصائح التي قد تُساهم في عملية تسريع تعافي المريض بعد جراحة استئصال الغدة الدرقية: