ما هي طريقة الجمع والقصر للمسافر.
الجمع والقصر للمسافر
شرع الله -سبحانه وتعالى- للمسافر أن يقصرُ، ويجمع في الصلاة؛ ترغيباً له في أداء الفرائض، وتخفيفاً عليه، ورفعاً للحرج والمَشقّة التي قد تطرأ عليه، وتيسيراً عليه في أداء حقٍّ من حقوق الله، فيُقبل على أداءِ الواجب وهو مُرتاحٌ غيرُ نافر، ومنعاً للتقصير، أو الإهمال فيه، أو أن تكون المَشقّة الحاصلة سبباً في ترك الفريضة، وقد كان من الصحابة -رضوان الله عليهم- في سفرهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَن يقصر الصلاة، ومنهم من يُتِمّها، ولم يَعِب أحدٌ على أحدٍ فِعله، وقد ثبت ذلك في صحيح مسلم، وغيره، والسفر في الشرع سبب للتخفيف، والتيسير، والترخُّص للمسلمين؛ فبه يُعذَر المُكلَّفون، ويُرفَع الحرج عنهم في بعض أحكام التكليف، وجواز القصر مشروع للمسافر فقط، ومما يدل على مشروعية القصر قوله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ)، ومما يدل على مشروعية جمع الصلاة ما رواه ابن عباس -رضي الله عنه-، حيث قال: (جمعَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بينَ الظُّهرِ والعصرِ والمغربِ والعشاءِ بالمدينةِ من غيرِ خوفٍ ولا مطرٍ).
كيفيّة الجمع والقصر للمسافر
إذا نوى المسافر الجَمع بين الصلوات، فإنّ له أن يجمع بين صلاتَي الظهر والعصر معاً، والمغرب والعشاء معاً؛ فيُصلّي الظهر مع العصر في وقت الظهر، وهذا يُسمّى (جَمع تقديم)، أو يُصلّي الظهر والعصر في وقت العصر، وهذا يُسمّى (جَمعَ تأخير)، وكذلك إن أراد الجمع بين صلاتَي المغرب والعشاء، فإمّا أن يُقدِّم؛ فيُصلّي المغرب والعشاء في وقت المغرب، أو أن يُؤخّر فيُصلّيهما في وَقت العِشاء، مع مراعاة الترتيب في الأَحوال المَذكورة كُلّها؛ أي أن يُصلّي الظهر قبل العصر، والمغرب قبل العشاء، ولا يجوز الجمع بين صلاتَي العشاء والفجر، ولا بين صلاتَي الفجر والظهر، ولا العصر والمغرب معاً.
أمّا قصر الصلاة في السفر فتكون بأن يُصلّي الظهر ركعتَين بدلاً من أربع، وكذا العصر، والعشاء، ولا يجوز له أن يقصر كلّاً من صلاتَي المغرب، والفجر؛ إذ إنّ عليه أن يُصلّي المغرب ثلاثاً، والفجر اثنتَين.
متى يجوز جمع وقصر الصلاة للمسافر
شروط الجمع في السفر
لا بُدّ للسفر المُبيح للجمع من عدد من الشروط، وهي:
-
أن تكون المسافة المقطوعة في السفر ممّا يُبيح القصر.
-
أن يمضي في سفره ويجدّ فيه، وهذا الشرط هو المشهور عند الإمام مالك، وفي رواية عن الإمام أحمد.
-
أن يكون سفراً مُباحاً، أو سفراً لطاعة، والسفر أنواع، بيانها كما يأتي:
-
السفر المُحرَّم: وهو الذي يقصد فيه المسافر فِعل ما حرَّمه الله، كقطع الطريق، والاتِّجار في المُحرَّمات، ونحوها.
-
السفر الواجب: كالسفر لأداء فريضة الحجّ، أو الجهاد الواجب.
-
السفر المُستحَبّ: كالسفر لأداء عمرة التطوُّع، أو أداء عبادة، ونحوها.
-
السفر المُباح: ويشمل كلّ أمر مُباح شرعاً.
-
السفر المكروه: مثل سفر المرء وحيداً بلا رِفقة إلّا إذا اضطرَّ إلى ذلك.
وقد ذهب الحنابلة إلى أنّ ترك الجمع في السفر أفضل من الإتيان به؛ فهو غير مُستحَبّ عندهم، وكذلك الشافعيّة؛ فهم يرون أنّ ترك الجمع أفضل من الإتيان به، على خِلاف القصر؛ فالأفضل الإتيان به، وذهب المالكية إلى أنّ أداء كلّ صلاة في وقتها أفضل من الجمع.
شروط القصر في السفر
يجب أن تتحقّق في القصر أثناء السفر عدّة شروط كي يُباح، وهي:
-
تقدير المسافة التي تُبيح للمسافر أن يقصر في صلاته ب(80.5كم)، وهذا مُتَّفق عليه في المذهب المالكيّ، والشافعيّ، والحنبليّ، عدا الحنفيّ.
-
وجود نيّة السفر شرط من شروط القصر؛ فإن خرج المسافر من بيته دون أن يدري إلى أين سيذهب، فليس له أن يقصر ولو قطع مسافة القصر؛ إذ إنّه لم يَنوِ أن يقطع مسافة القصر، وذلك باتِّفاق الفقهاء.
-
السفر المُباح، وقد اتّفق الشافعية، والحنابلة على أنّ المسافر سفراً مُحرَّماً ليس له أن يقصر، وإن قصر، فإنّ صلاته لم تنعقد، وقد خالف في ذلك المالكية، والحنفية.
-
عدم اقتداء المسافر الذي يقصر صلاته بالمُقيم، وعدم الاقتداء بالمسافر المُتِمّ صلاتَه؛ فإن اقتدى بهما وجب عليه أن يتمّ الصلاة، سواء كان ذلك في وقت الصلاة، أو خارج وقتها، وقد اتّفق على ذلك المالكية، والشافعية، والحنابلة، وخالف الحنفية.
-
عدم وجود نيّة للإقامة، فإذا نوى المسافر الإقامة فإنّه يمتنع عن القصر.
والقصر عند الإمام مالك أفضل من الإتمام، والقصر أفضل عند الشافعية على العموم، وإن كان إماماً يقتدي به الناس في الصلاة؛ فالعمل بالرخصة أفضل حتى لا يَشُقَّ عليهم، ولكن إن كان سفره بمقدار يومَين، فالقَصر حينها أفضل، في حين أنّ القصر عند الحنفيّة أفضل من الإتمام، كما أنّ الحنابلة يَرون أنّ القصر أولى من الإتمام.
شرط المسافة في الجمع والقصر
يمكن للمُسافر أن يَقصُر من صلاته، ويجمعَ إذا كان سفره طويلاً، وللعلماء في مسألة مسافة القصر في السفر أقوال، كما يأتي:
-
ذهب الحنابلة إلى أنّ مسافة القصر لا تجوز في أقلّ من ثمانيةٍ وأربعين ميلاً، ويساوي الميل الواحد اثني عشر ألف قدم، وهو ما يعادل مسيرة يومَين مُعتدلَين، أو أربعة بُرد*.
-
اشترط الإمام مالك في السفر أن يكون ما يقارب مسيرة يومَين، أو يوم وليلة بسَير الجِمال، وأداء أعمال السفر من أكل، وشرب، ووضع للمتاع، والعبرة تكون بالمسافة المقطوعة، لا بالوقت الذي يستغرقه المسافر في قَطعها، وقالوا بأنّها مسافة الأربعة بُرد.
-
رأى الحنفية أنّ المسافر يجوز له أن يقصر إذا خرج من حدود بيوت المنطقة المسكونة مسافراً مَشياً على الأقدام، أو راكباً على الإبل مسيرة ثلاثة أيام ولياليهنّ يمشي باعتدال، أو ثلاث مراحل (والتي قدّروها بمئة وعشرين كيلومتراً)، ويبقى حُكم السفر مُلازماً له إلى أن يدخل البلد الذي يقصده، أو ينوي الإقامة فيه مدّة خمسة عشر يوماً، حتى وإن كان أقلّ من ذلك فهو في حُكم المسافر.
-
قال الشافعية أنّه يجوز للمسافر أن يقصر في الصلاة إذا كان السفر طويلاً، وقدّروا الطول بسَير يومَين مُعتدلَين، بمسافة ثمانية وأربعين ميلاً، أو أربعة بُرد*.
الجمع والقصر في الطائرة
يحرص المؤمن على أداء صلاته في وقتها، ولا يُخرجها عنه إلّا بعُذر؛ فلو دخل وقت الصلاة أثناء الوجود في الطائرة، فإنّه يُؤدّيها في الطائرة؛ محافظةً على أدائها، وخاصّة إذا امتنع إمكان أدائها في الوقت بعد النزول من الطائرة، أمّا لو كان في الإمكان إدراكها في حال كانت الرحلة قصيرة، فإنّه يُؤدّيها عند نزوله، وهو الأفضل إذا كانت الصلاة في الطائرة تتسبّب في عدم أداء الصلاة بهيئتها الكاملة. ويجوز للمسافر بالطائرة الجمع والقصر كغيره من المسافرين مع مراعاة الشروط المُتعلِّقة بالسفر، والمسافة التي سبق ذكرها.
وقت ابتداء المسافر بالجمع والقصر
اختلفت المذاهب في أيّ وقت يبتدئ فيه المسافر بالجمع والقصر، وبيان ذلك كما يأتي:
-
الشافعية: اشترطوا خروج المسافر من سور بلده إذا كان لبلده سورٌ محيطٌ به، أو الخروج من العُمران الذي يُعتبَر أنّه من سور بلده، أو ما يُسمّى بأنّه سور لهذه البلد، أو نهاية لعمران هذه البلد، وهذا في سفر البَرّ، أمّا في سفر البحر فيُشرَع للمسافر الجمع والقصر عند ابتداء جريان السفينة، أو القارب بعد ركوبه، والابتعاد عن الساحل.
-
المالكيّة: وعندهم روايتان في ذلك، على النحو الآتي:
-
أن يبتعد المسافر عن بيوت البلد الساكن فيها ولا يرى منها شيئاً عن يمينه أو شماله.
-
أن يبتعد المسافر مسافة ثلاثة أميال عن بيوت بلده، وأقلّ من ثلاثة أميال مُعتبَرٌ ضمن بلده وليس مُتعدِّياً لها.
-
الحنفيّة: اشترطوا أن يجاوز مكان إقامته، أو ما اتّصل به، أو اعتُبِر من ضمنه من أماكن، كمدافن الموتى، أو أماكن الدوابّ الخاصّة بالمدينة، إلّا أنّ البساتين المُتَّصِلة ببناء المدينة لا تُعَدّ من عُمرانها.
-
الحنابلة: يبدأ المسافر بأحكام السفر حين يفارق حدود ما عَمُر من مدينته، ويُشترَط العمران؛ فإن فارق العامر منها ووصل إلى الخارب منها الذي لا يسكنه أحد جاز له ابتداء الجمع والقصر، وإن كان في البادية فله أن يقصر حين يفارق خيام قومه.
موانع القصر للمسافر
ليس للمسافر أن يقصر من صلاته في عدد من الأحوال، بيانها كالآتي حسب المذاهب:
-
الحنفيّة: ليس للمسافر أن يقصر إذا:
-
نوى الإقامة في قرية، أو بلد مُعيَّن مدّة نصف شهر.
-
عاد إلى وطنه الذي هو مَحلّ إقامته الدائمة.
-
اقتدى بالمُقيم في الصلاة.
-
لم يقصد في سفره جهة مُعيَّنة.
-
المالكية: ليس للمسافر أن يقصر إذا:
-
دخل البلد الذي نوى الرجوع إليه، سواء كان مَحلّ إقامته، أم لا.
-
رجع إلى مَحلّ إقامته الدائمة، أو إلى مَحلّ وجود زوجته الداخل فيها قَبل قَطعه مسافةَ القصر.
-
دخل مَحلّ إقامته الدائمة أثناء سَفره مارّاً فيه.
-
نوى الإقامة في المكان الذي نزل فيه مدّة أربعة أيّام، أو عَلم أنّه سيُقيم أربعة أيام مع مَن سافر معه.
-
دخل مَحلّ وجود زوجته المدخول فيها؛ فمكان الزوجة كالوطن، أمّا إن دخل في مكان وجود أقارب له، كالأمّ، والأب، فإنّه يبقى في حُكم المسافر، وله أن يقصر.
-
الشافعية: ليس للمسافر أن يقصر إذا:
-
نوى الإقامة في المكان الذي نزل فيه مدّة أربعة أيام كاملة.
-
اقتدى في صلاته بمُقيم، أو بشخص مشكوك السفر.
-
لم يقصد في سفره جهة مُحدَّدة.
-
خرج في سفر مُحرَّم.
-
انقطع سفره أثناء صلاته.
-
لم ينوِ القصر عندما أحرمَ* في الصلاة.
-
الحنابلة: والموانع عندهم تتعلّق بالمسافر إذا:
-
دخل مَحلَّ إقامته الدائمة أثناء سفره، حتى وإن كان بلا حاجة.
-
دخل مَحلّ وجود زوجته، حتى وإن لم يكن وطنه، كما ليس له أن يقصر إذا مَرّ ببلد تزوّج فيه.
-
كان في مَحلّ إقامته وقت الصلاة، ثمّ سافر بعد دخول وقتها.
-
ذكرَ صلاةً فاتَته قبل السفر وهو في بلده، أو ذكرَ صلاةً فاتته في السفر بعد أن وصل إلى الحَضَر، فعليه هنا اتِّباع الأصل؛ أي إتمام الصلاة كالحَضر.
-
اقتدى بالمُقيم في الصلاة، أو بمَن شَكّ أنّه مسافر، فإن غلب على ظنّه أنّ الإمام الذي يقتدي به مُقيم، فإنّ عليه أن يتمّ ولو تبيّن بعد ذلك أنّه مسافر.
-
لم ينوِ القصر عند إحرامه للصلاة، فعليه أن يُتمّ.
-
شكَّ أثناء صلاته؛ هل نوى القصر، أم لم ينوِ، فيلزمه أن يُتمَّ الصلاة حتى ولو تذكَّر خلال صلاته أنّه نوى.
-
أخّرَ صلاته أثناء سفره بلا عُذر فخَرجَ وقتها.
-
تاب من سفر المعصية أثناء صلاته.
-
نوى إتمام صلاته بعد أن نوى قَصرها، فيجب عليه أن يُتمّها.
-
نوى أن يُقيم مُطلقاً بدون أن يُحدِّد زمناً مُعيَّناً لإقامته.
-
نوى الإقامة في مكان مدّة تستلزم منه أكثر من عشرين صلاة.
-
شكَّ في نيّته بما يمنع القصر من الموانع، فعليه الإتمام؛ لأنّه الأصل.
أمّا الحُكم في من فاتته صلاة وهو على سفر، فإنّ عليه أن يقضيَها ركعتَين في الحَضر، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، بينما يكون الحُكم في مَن فاتته في الحضر أن يقضيَها أربعاً في السفر، في حين يرى الحنابلة، والشافعية أنّ مَن فاتته صلاة قضاها أربعاً في السفر، أو الحَضر؛ لأنّ عِلّة القصرِ السفر، فإن زال بَطلت الرخصة.
مدة الإقامة التي تمنع حُكم السفر
يجوز للمسافر سفراً مُستمراً قَصر الصلاة، أو جمعها طالما كانت المسافة التي يقطعها مسافة سفر؛ فعلى سبيل المثال لو أنّ شخصاً ما يذهب كلّ يوم إلى عمله، وكانت مسافة وصوله إلى منطقة العمل مسافة سفر، فعندها يجوز له القصر والجمع إلى أن يصل إلى عمله، كما يجوز للمسافر الذي لم ينوِ الإقامة مدّة مُحدّدة في البلد الذي توجّه إليه أن يقصر ويجمع بالشروط التي تمّ بيانها سابقاً، أمّا مدّة الإقامة التي يُمنع على المسافر الترخُّص إذا نواها بعدها فإنّ فيها عدّة أقوال، هي:
-
الرأي الأول: ذهب الحنفية إلى اعتبار المدّة خمسة عشر يوماً غير يومَي الدخول والخروج إلى البلد.
-
الرأي الثاني: اعتبر المالكية والشافعية المدّة المُعتبَرة أربعة أيام غير يومَي الدخول والخروج.
-
الرأي الثالث: اعتبر الحنابلة المدّة التي تقطع في السفر أكثر من أربعة أيام مع يومَي الدخول والخروج.