إنّ للخَمْر عدّة معانٍ لغةً واصطلاحاً، وبيان ذلك فيما يأتي:
الإسلام هو دين التّوحيد، الذي بُعث به محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- للعالمين؛ ليُنير به عقول البشريّة، وينزعهم من حبّ الشّهوات والملذّات إلى حبّ الله تعالى، وليميّزهم بالعقل عن البهائم وسائر المخلوقات، فجاء الإسلام ليُحرّم ويجبّ عن النّاس كلّ ما لا ينفعهم ويضرّ بهم، فكان شُرب الخَمْرِ من الخبائث التي تعلّقت بها أرواح الصّحابة -رضي الله عنهم- قبل الإسلام وفي بداية الدّعوة، وشاء الله -تعالى- أن ينزعَ حبّ الخَمْر من النّفوس رويداً رويداً؛ ليُغرس حبّ الله -تعالى- -حبّ الإسلام في القلوب عِوضاً عن حبّ الخَمْر، فحرّمها الله -تعالى- على عباده على مراحل تتقبّلها عقولهم، وتنصاع لها قلوبهم، وبيان تلك المراحل فيما يأتي:
إنّ من أعظم نِعم الله -تعالى- على الإنسان العقل؛ ليستدلّ به إلى طريق الهدى، ويجُبّ عنه طرق الشّهوات والمُلهيات، ولمّا أدرك وسواس الهوى العقل الذي هو هبة الخالق لعباده في استقامتهم وهدايتهم، فكان شُرب الخَمْر هو السّبيل لإضلال العباد، وصدّهم عن ذكر خالقهم، فسلب منهم أثمن الأوقات، ونشر العداوة والبغضاء بين القلوب، وصدّهم عن الغاية الأسمى التي خُلقوا من أجلها وهي إعمار الأرض، والانشغال بذكر الله تعالى، والتقرّب إليه بالصّلاة والصّيام والقيام، فجاء الإسلام ليحفظ العباد ويصون عقولهم، فحُرّم الخَمْر تدريجيّاً؛ رِفقاً بالنّاس، حيث قال الله تعالى(إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ).
اتّفق فقهاء الأمّة على وجوب الحدّ على شارب الخَمْر، لِما ورد من أدلّة صحيحة تدّل على تحريمه في القرآن الكريم والسنّة النبويّة، والحدّ في شُرب الخَمْر يكون بالجَلْد، إلّا أنّ الفقهاء اختلفوا في مقدار الجَلْد، فجاء عن عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه عنه، أنّه قال: (جلدَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في الخَمْرِ وأبو بَكرٍ أربعينَ، وَكمَّلَها عمرُ ثمانينَ وَكلٌّ سُنَّةٌ)، فذهب الإمام الشافعيّ إلى القول بأنّ حدّ الشّرْب مقداره 40 جَلْدة، وذهب الإمام مالك وأبو حنيفة إلى القول بأنّ مقدار حدّ الشّرْب 80 جَلْدة
موسوعة موضوع