للصّوم تعاريف مُختلفة؛ لُغويّة واصطلاحيّة، وهي كما يأتي:
جعل الله -سبحانه وتعالى- للصِّيام العديد من الجوانب التي يتميّز بها عن سائر العبادات، لذلك فقد كان أجره مُضاعَفاً، كما كان للقيام به مُزيّةٌ خاصّةٌ عند الله سبحانه وتعالى؛ حيث ثبت في الحديث القُدسيّ الذي يرويه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن رّبه قال: قال الله: (كلُّ عملِ ابنِ آدمَ لهُ إلا الصِّيامَ، فإنَّه لي وأنا أُجْزي بهِ، والصِّيامُ جُنَّةٌ، وإذا كان يومُ صومِ أحدِكُم فلا يَرْفُثْ ولا يَصْخَبْ، فإنْ سابَّه أحدٌ أو قاتَلَهُ فلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صائم، والذي نفسُ محمّدٍ بيدهِ لَخَلوفِ فمِ الصّائمِ أطيبُ عندَ اللهِ من ريحِِ المسكِ، للصّائمِ فَرْحتانِ يفرَحْهُما؛ إذا أَفطرَ فَرِحَ، وإذا لقي ربَّه فَرِحَ بصومِهِ).
فالصّائم إن أدّى صيامه وأقامه بحقّه استحقّ بذلك الأجر من الله سبحانه وتعالى، وإن قصَّر في شيءٍ من أحكام الصِّيام نقص أجره، بل رُبّما تُؤدّي بعض الأعمال إلى إفطار الصّائم وفساد صيامه إن قام بها، فينبغي على الصّائم أن يتحرَّز لصيامه بما استطاع من العمل، واجتناب الأفعال جميعها التي رُبّما تؤدّي إلى فساد صيامه، وفيما يأتي بيان تلك الأمور التي تؤدّي إلى إفطار الصّائم إذا قام ببعضها في نهار رمضان.
إذا قام الصّائم بفعلٍ ما يؤدّي إلى انتقاض صومه، فلا يخلو أن يترتّب على ذلك الفعل قضاء الصِّيام فقط، أو قضاء الصِّيام مع الإثم، بل ربّما يترتّب عليه بالإضافة إلى قضاء صيامه دفع مبلغٍ من المال تكفيراً عن فعله ذلك، وفيما يأتي بيان الأعمال التي تؤدّي إلى انتقاض صيام الصّائم، وبيان ما يترتّب عليه من جرّاء تلك الأعمال؛ هل القضاء، أم الكفّارة، أم كلاهما؟
المقصود بالجِماع هُنا أن يأتي الصّائم زوجته فيجامعها في نهار رمضان جماعاً تامّاً أو ناقصاً، ذاكراً أنّه صائمٌ غير ناسٍ، قاصداً ذلك غير مُكرَه، فيجب على الصّائم في تلك الحالة أن يُتِمَّ صومه إلى وقت أذان المغرب، مع ترتُّب الإثم عليه، ويجب عليه لقاءَ ذلك الفعل أن يُحرِّر رقبةً؛ بأن يُعتِق عبداً بشرائه ثمّ جعله حُرّاً من العبوديّة، فإن لم يجد فعليه إطعام ستّين مسكيناً، بما يكفيهم ويسدُّ جوعهم يوماً واحداً لكلّ مسكين، فإن عجز عن ذلك لزِمه صيام شهرين مُتتاليين، لا يقطع بينهما بالإفطار ولو ليومٍ واحد، فإن قام بذلك لزمه أن يستأنف صيامه من أوّله.
ودليل ذلك ما ثبت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حيث رُوِي أنّ رجلاً جاءه، فقال: (هلكْتُ، فقال: وما ذاكَ؟ قال: وقعتُ بأهلي في رمضانَ، قال: تجِدُ رقبةً؟ قال: لا، قال: فهلْ تستطيعُ أن تصومَ شهريْنِ متتابعيْنِ؟ قال: لا، قال: فتستطيعُ أن تُطْعِمَ ستِّينَ مسكينًا؟ قال: لا، قال: فجاءَ رجلٌ من الأنصارِ بعِرْقٍ، والعِرْقُ المِكْتَلُ فيهِ تمرٌ، فقال: اذهبْ بهذا فتصدَّقْ بهِ، قال: على أحوجَ مِنَّا يا رسولَ اللهِ! والَّذي بعثكَ بالحقِّ ما بينَ لَابَتَيْهَا أهلَ بيتٍ أحوجَ مِنَّا، قال: اذهبْ فأَطْعِمْهُ أهلَكَ).
إن أكل الصّائم أو شرب في نهار رمضان عامداً قاصداً فِعل ذلك، غير مُكرَه ولا ناسٍ، فيكون قد قام بفعلٍ عظيمٍ يؤدّي إلى إفساد صيامه، وينقسم الأثر المُترتّب على أكل الصّائم أو شربه حسب قصده من ذلك إلى عدّة نقاط، وبناءً على تلك النّقاط يتحدّد ما عليه؛ قضاء، أو كفّارة، أو غير ذلك، وبيان ذلك فيما يأتي:
يُعدّ التّدخين في نهار رمضان مِن مُبطِلات الصِّيام كما يرى السّواد الأعظم من عُلَماء الأُمّة في هذا الوقت، وعلى رأسهم الدكتور نوح القضاة -رحِمه الله- المُفتي الأسبق للمملكة الأردنيّة الهاشميّة، فقد قال: إنّ التّدخين يُعدّ من مفطرات الصِّيام إذا فعله الصّائم في نهار رمضان غير ناسٍ ولا مُكرَه قاصداً ذلك، ويرى فضيلة الدكتور نوح -رحمه الله- أنَّ الصّائم إذا دخّن في نهار رمضان عامداً لزمه إتمام الصِّيام بأن يمتنع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات حتّى غروب الشمس، وعليه القضاء إذا انتهى رمضان، ويلحقه الإثم والعقوبة من الله لقاءَ ذلك، ويجب عليه إخراج الكفّارة بإطعام مسكين، أمّا دليل من يرى ذلك من العلماء فهو فيما يأتي:
تمرُّ المرأة بأحوالٍ تجعل الصِّيام في حقّها مُحرَّماً، والفطر عليها واجباً، مثل: الحيض، والنّفاس، أمّا الحيض فيكون بنزول دم رحم المرأة في أوقات مخصوصة من الشهر، ولكلّ امرأة عادتها المعلومة لها؛ فإن حاضت المرأة في نهار رمضان وجب عليها الإفطار دون الكفّارة ولا إثم عليها؛ لكون هذا الأمر خارجاً عن إرادتها، فإن انقضت حيضتها وانتهى رمضان وجب عليها القضاء؛ لتعويض الأيّام التي أفطرتها أثناء حيضها، وكذلك الأمر في النّفاس الذي يعقُب الولادة، فإن كانت المرأة حائضاً أو نفساء ثمّ صامت في رمضان أو غيره أثِمت، ووجب عليها الفطر والقضاء.
يُشار إلى أنّه يجب على المرأة الإفطار بمجرّد رؤية دم الحيض، أو الولادة ولو كان ذلك قبيل أذان المغرب ولو بدقائق، ووجب عليها القضاء تعويضاً عن ذلك اليوم وما يتبعه، كما يجب عليها الصِّيام بمجرّد الطّهر من الحيض إن كان طهرها خارج الصِّيام، ولو كان قبل أذان الفجر بدقيقة؛ فتغتسل وتُمسِك عن الطّعام، أمّا إن جاء طُهرها بعد أذان الفجر ولو بدقيقة فيجب عليها الفطر والقضاء، فإن شعرت بعلامات الحيض دون رؤية الدّم لم يجُز لها الفطر، ويجب عليها الاستمرار في الصِّيام إلى حين رؤية الدّم.
إنّ تناول الأدوية بأشكالها جميعها يؤدّي إلى إبطال الصِّيام ووجوب القضاء دون الكفّارة، سواءً كانت تلك الأدوية على هيئة شرابٍ أو على هيئة إبَرٍ كالمُغذّي، أو على هيئة قطرات علاجيّةٍ، مثل قطرتي: الأنف، والأذن، وقد اختلف العلماء في قطرة العين؛ فذهب فريقٌ إلى القول بأنّها مُفطِرةٌ للصّائم؛ وذلك أنّ منفذ العين يشترك مع الجوف، بينما يرى فريق آخر من العلماء أنّها لا تُفطِر الصّائم؛ لكون منفذ العين يختلف عن الجوف ولا يتّصل به، ويُشار إلى أنّه يُفرَّق في هذا الباب فيما إذا كان طريق دخول المادّة الدوائيّة من خلال المنافذ المعتبرة التي إن دخل منها شيءٌ يؤدّي إلى إفطار الصّائم، مثل: الفم، والحلق، والأنف؛ فقطرة الأنف إن استعملها الصّائم في نهار رمضان أفطر، ووجب عليه القضاء لكون ذلك المنفذ مشتركاً في المنفذ مع الجوف، وكذلك الحال في قطرة الأُذُن.
أمّا في الإبر العلاجيّة فإن كانت الإبرة ممّا يُؤخَذ في الوريد، ويقتات منه المريض بحيث يستغني عن الطّعام فإنّه يفطر إن أخذها، ويجب عليه القضاء، فإن كانت ممّا لا يتقوّى به الصّائم ولا تعطيه الطّاقة لمواصلة الصِّيام كالتي تُعطى في العضل فلا شيء عليه، وصيامه صحيح حتّى إن أخذها عن طريق الوريد|.
إذا نوى الصّائم الفطر في نهار رمضان حتّى لو لم يفطر، فإنّ صيامه يبطل ويجب عليه القضاء، ويترتّب عليه الإثم؛ لأنّ النية أهمّ ركنٍ في الصِّيام، وانتقاضها يؤدّي إلى انتقاض الصّوم، فإن تردّد الصّائم بين الفطر والصِّيام ولم يجزم بشيءٍ ثمّ استقرّ على مُتابعة الصِّيام فلا شيءَ عليه، إنّما يترتّب القضاء والإثم على من عزم على الإفطار ولو لم يفطر حقيقةً.
إذا قاء الصّائم في نهار رمضان فإنّ فعله لا يخرج عن أمرَين؛ فإمّا أن يذرعه القيء؛ أي يغلبه، فلا يقدر على الامتناع عنه، أو أن يستقيء عمداً بأن يحثَّ نفسه على ذلك؛ عن طريق إدخال شيءٍ في حلقه، فإن استقاء فقد فسد صيامه، ولزمه القضاء مع الإمساك عن الأكل والشُّرب، وإن ذرعه القيء فلا شيء عليه، ودليل ذلك ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (مَن ذرَعه القيءُ وهو صائمٌ فليس عليه قضاءٌ، ومَنِ استقاء فليَقْضِ).
يُقصَد بالاستمناء العادة السريَّة للرّجال أو النّساء على حدٍّ سواء، وهي مُمارسة الصّائم الجنسَ مع نفسه بشكلٍ فرديّ، بحيث يعمد الإنسان البالغ الصّائم إلى تحفيز عضوه التناسُليّ عن طريق العبث به استِجلاباً للشّهوة، فمَن استمنى في نهار رمضان حتّى وجد الشهوة، ونزل ماؤه سواءً كان ذكراً أم أنثى فقد فسد صيامه، ولزِمه القضاء مع الإثم، ووجب عليه الامتناع عن الطعام والشراب إلى نهاية الصِّيام.
إذا تناول الصّائم أيّ شيءٍ بإدخاله إلى جسمه من خلال المنافذ المعتبرة لذلك كالفم، وإن كان ممّا لا تميل إليه الطّباع، ولا يُتقوّى به في الصِّيام، مثل: الحجارة، والتُّراب، والغبار، فإنّ ذلك يؤدّي إلى إفساد صيامه، ولزوم القضاء عليه، وترتُّب الإثم إن كان عامداً، ولزمه إتمام الصِّيام ذلك اليوم
موسوعة موضوع