يجتهد المسلمون في فعل الطاعات وأداء العبادات في رمضان، فيحافظون على الصلاة، ويلتزمون قيام الليل، ويسعون لأداء العمرة، والاعتكاف في مساجد الله، وينفقون في سبيله سبحانه وتعالى ويصومون النهار، ويكثرون من الذكر والدعاء، فينهلون بذلك من كلّ ما شرع الله عزّ وجلّ لهم من عبادات وأمرهم بها، آملين أن يقبل الله منهم كل ذلك، ويُعينهم على الثبات عليه بعد رمضان.
المسلم بعد أدائه لطاعة ما من حج، أو صيام، أو صدقة، أو غيرها، يرجو من الله قبولها واحتسابها له، فقد كان عبد الله بن مسعود يقول: (أيّها المقبول هنيئاً لك، أيّها المردود جبَر الله مصيبتك)، وكان علي بي أبي طالب يقول كذلك بعد انقضاء مواسم الطاعات: (من المقبول فنهنّيه، ومن المحروم فنعزّيه؟)، وقد جعل الله تبارك وتعالى لقبول العمل من الإنسان علامات يأنس بها ويطمئن إليها، منها ما يأتي:
نهى الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين أن يكونوا مثل من قضت وقتاً طويلاً تغزل الصوف لتصنع منه ملبساً، ثمّ قامت بحلّه فجأة عندما قارب على الانتهاء، قال تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا)، ويشبه ذلك حال من يعودون سريعاً بعد رمضان إلى المعاصي والذنوب، ويتركون أشكال الطاعات كلها التي كانوا قد أحسنوا غزلها في رمضان بكل طاقتهم ووسعهم، إلا أنّهم ينقضونها مباشرة مع غروب شمس آخر أيام رمضان.
إذا تفكّر الإنسان في سبب عودته السريعة للمعاصي بعد رمضان، يجد أنّ انفلات الشياطين التي كانت مُصفَّدةً في رمضان تعدّ من أهم هذه الأسباب، فالشيطان حريص على دخول الإنسان إلى النار، وهو يعمل كلّ ما في وسعه من أجل إقناعه بفعل المعاصي واقتراف الآثام، ويغتاظ كل الغيظ بعد انتهاء رمضان لمّا يعلم أنّ الله سبحانه وتعالى قد غفر للمسلم الطائع في رمضان ذنوبه كلها، فيبدأ رحلة جديدة من الوسوسة والعمل على دفع المسلم للعصيان والبُعد عن طريق الله عز وجل، وحتى يتمكّن الإنسان من دفع مكائد الشيطان هذه فلا بدّ له من الثبات بعد رمضان، والاستمرار على الطاعة، والحرص على العبادات، وأول ما على الإنسان فعله حتى يتمكّن من الثبات أن يحافظ على عزيمته متوقّدة ومشتعلة، فالإنسان في رمضان يكون ممتلئاً بالطاقة الإيجابية والعزيمة على بذل الجهد والوسع في أداء العبادات، ومن أجل الثبات لا بدّ له من خمسة أمور، بيانها فيما يأتي:
ممّا يفعله الإنسان بعد رمضان من الطاعات ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهك (مَنْ صامَ رمضانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ ستّاً مِنْ شوَّالٍ، كانَ كصيامِ الدَّهْرِ)، وصيام هذه الأيام الستة من شهر شوال هو سُنة مُستحبَّة وليس بواجب على المسلم، إلا أنّ فيها أجراً عظيماً ولها فوائد كبيرة، وقد قال فقهاء الحنابلة والشافعية إنّ صيام ستة من شوال بعد صيام رمضان يعدل صيام سنة كاملة من الفرض، وقال العلماء إن في إتباع صيام رمضان بصيام ستة من شوال تعويضاً للنقص الحاصل من الصائم في صيام رمضان، فالإنسان لا شك أنّه يقصّر أو يذنب، ممّا ينقص من صيامه في رمضان فيأتي صيام ستة من شوال مكمّلاً هذا النقص ومعوّضاً إياه، واستدلوا لذلك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوَّلُ ما يُحاسَبُ الناسُ بِهِ يَوْمَ القيامَةِ مِنْ أعمالِهمُ الصلاةُ، يقولُ ربُّنا عزَّ وجلَّ لملائِكَتِهِ وهو أعلمُ: (انظروا في صلاةِ عبْدِي أتَمَّها أَمْ نَقَصَها؟ فَإِنْ كانتْ تامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كان انتقصَ منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي مِنْ تطَوُّعٍ؟ فإنْ كان له تَطَوُّعٌ قال: أتِمُّوا لعبدي فريضتَهُ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعمالُ على ذاكم).
موسوعة موضوع