ماهو أثر كورونا في مكانة الإدارة الحديثة بين العولمة والتباعد

الكاتب: رامي -
ماهو أثر كورونا في مكانة الإدارة الحديثة بين العولمة والتباعد
"

ماهو أثر كورونا في مكانة الإدارة الحديثة بين العولمة والتباعد

يجد المدقق لأحوال العالم هذه الأيام، أن الدول والشعوب تعيش أوقاتًا عسيرة، وأن العالم مقبل على فترة من أصعب الفترات التاريخية، بعدما أصبح في مواجهة خطيرة مع فيروس مجهول بين الالتزام بالعزلة المفروضة عن الحركة العالمية، وبين تفضيل الاستمرار في المضي بالمشاركة في عولمة نشاط هذه الحركة.

وكلاهما بالشكل الحالي لمجريات الأمور، يعد خيارًا صعبًا؛ لأنهما ليسا في صالح العالم حاليًا؛ ما يمثل موقفًا لم يتوقعه أحد بعدما أصيب العالم لفترة غير قصيرة بغرور حضارته وقوة تسليحه، فاندفع فاقدًا للوعي في مسار هستيري إلى التدمير، دون سبب وجيه أو داع حقيقي.

حركة دول العالم تبدو كمن من وقع في مأزق؛ فمعطيات الواقع المضطرب أصبحت تفرض نفسها بشدة، وتتطلب قدرًا كبيرًا من شجاعة المواجهة لاختيار سلوك طريق ذات معالم محددة برؤية واضحة، في ظل الاعتقاد السائد بأن دول العالم لن تتقدم بدون إدارة راقية حديثة لا تذوب مضامينها في أشكالها.

مناخ الإدارة الحديثة

وحيث إن مناخ الإدارة الحديثة لا يطور الثروات البشرية، ويجعلها قادرة على إدارة وتنفيذ برامج التنمية فقط، بل يجعلها أيضًا قادرة على العمل بالأساليب الديمقراطية على المستوى الإداري والتنفيذي والسياسي، فيمكن تحديد قياس مدى نجاح القائد الإداري في عمله من خلال قدرته على تحويل رؤية المستقبل إلى واقع ملموس، مع مواصلة تفاعله الإيجابي مع المسؤولين على رسالة المؤسسة، دون أن يفقد مكانه في المقدمة، ولا يغالي في موقعه المتقدم، بدعوى الحرص على البروز أمام الآخرين في صورة المثال والقدوة، كما أن القائد الإداري العصري هو الذي يمارس مهامه وفق قناعة راسخة بأن مقدرته القيادية تتوقف في الوقت الذي تتوقف فيه رغبته في التعلم؛ لذلك تراه لا يكف عن تأهيل نفسه.

تتطلب عمليات التدريب للتأهيل المهني والوظيفي: تبادل الخبرات والتجارب، وتنظيم الندوات وإقامة المؤتمرات، وعقد اللقاءات ودوام التواصل والاتصال يبين النظراء من المختصين والخبراء من مختلف دول العالم. وكانت مظاهر العولمة الشائعة وتطبيقاتها المتنامية دليلًا على مدى ما قطعته البشرية من قفزات عملاقة في مسار التقارب بين الأفراد والشعوب والأمم؛ حتى جرى تقدير أطول المسافات الفاصلة بين الأمم بالدقائق.

الإدارة بالأساليب

وعليه وجب أن تكون للإدارة الحديثة أنماطها التي تناسب طبيعة العصر وتتجاوب مع متطلباته، وكان منها الإدارة بالأساليب التي يهتم فيها الجهاز الإداري بالأساليب على حساب الأهداف وبغلبة الشكل على المضمون، لكنه نمط إداري مضلل؛ لأنه يخفي المشاكل رغم وجودها؛ أي إن هذا النمط يخدم أهداف الإدارة العليا دون النظر إلى أهداف المؤسسة.

الإدارة بالأهداف

ومنها أيضا الإدارة بالأهداف؛ حيث يقسم الهدف الاستراتيجي في رسالة المؤسسة إلى عدة أهداف تكتيكية، توزع على الإدارات، ثم يقسم كل هدف منها إلى عدة أهداف صغيرة يحولها رؤساء الأقسام إلى مهام في شكل خطط مبسطة لتحقيق الهدف. ومن الطبيعي أن يحدث انفصال بين أهداف الإدارة العليا وأهداف الإدارات الأدنى؛ حيث تتطلب كل هذه الجوانب مهارات فنية وعلاقات إنسانية نراها تتفاوت بين البشر؛ إذ يرى المختصون أنَّ &rdquo تفتيت &rdquo الأهداف هو سر فشل هذا النمط كمنهج إداري؛ لعدم وضوح الرؤية على كافة المستويات داخل المؤسسة.

الإدارة بالرؤية المشتركة

وهناك الإدارة بالرؤية المشتركة، وهو أسلوب إداري بسيط وآثاره عميقة؛ لأنه يتم فيها الاهتمام بالوسائل والأهداف بشكل شمولي دون تقسيم الأهداف الاستراتيجية، بل بالتقسيم لأدوار وأدوات للوصول إلى الأهداف التي تعد كلها في هذه الحالة أهدافًا تكتيكية. والإدارة بالرؤية تحول كل القائمين على العمل إلى شركاء، لكل منهم مهارة التعبير عن آرائه الشخصية وتقبل آراء الآخرين، شريطة ألا تمنعهم وحدة الهدف عن مهارة ومرونة التحول عند الضرورة.

مما سبق يتضح الحجم المطلوب على مستوى علاقات العمل المهنية والوظيفية في الإدارات الحديثة على مختلف أنماطها، وكلها مرتبة وفق العلاقة &ldquoرئيس ــ مرؤوس&rdquo، وقائمة على التواصل المستمر لتمرير التعليمات والمعلومات، وعلى الاتصال الدائم والمباشر لتوجيه العمل في مراحل الإعداد والتنفيذ والتنسيق والمتابعة، والذي أصبح الآن محفوفًا بكثير من المخاطر بعد انتشار فيروس &ldquoكورونا&rdquo وتحوله إلى وباء عالمي مميت وسريع الانتشار.

علاقات العمل

ولنا أن نتصور وضع علاقات العمل داخل الإدارات بعدما أصبحت أقرب مسافة مسموح بها بين شخصين لا تقل عن متر أو أكثر ، وبعد منع أي تجمع للأفراد يزيد عن شخصين، وبعدما بلغت العدوى بكورونا مستويات غير مسبوقة، أثارت الذعر ودفعت نحو فرض الحظر المنزلي على أفراد الشعب، ثم التخلي عن خدمات الملايين من العمال والموظفين لحصر انتشار الفيروس، وإغلاق مدن بكاملها، وفرض حظر التجول فيها، مع فرض قيود غير طبيعية على علاقات الأفراد بإلزامهم بالتباعد المهني والاجتماعي.

لقد قضى هذا الفيروس المجهول على معظم سبلالتواصلالممكنة بين الأمم، بعدما أدت إصابة قطاعات النقل الجوي والبري والبحري بالشلل الكامل، وتمزقت الخريطة الوطنية الداخلية للدول، وتباعدت الحدود الإقليمية بينها رغم ثباتها الجغرافي، وتراجعت مردودية العمل بفقدان ملايين الوظائف في مختلف المجالات، ولم يعد الحديث عن أنماط الإدارة الحديثة ذا قيمة أو جدوى، بعدما فقدت الإدارات أكثر من 50% من موظفيها؛ وبالتالي انخفض سقف طموح المؤسسات وتراجع كثير منها عن أهداف كانت محددة قبل ظهور الفيروس.

هذا يعني أن ثمة مشاريع كان قد شُرع فيها على أرض الواقع، وأخرى استهلكت أموالًا كبيرة، يمكن ألا يجد أغلبها طريقه نحو التجسيد؛ وهي خسائر ضخمة نلمسها في تراجع مؤشرات البورصات العالمية، وفقدان كثير من الدول مصادر هامة لدخلها القومي في وقت وجهت فيه ما كان لديها نحو تعزيز وسائل الوقاية ومواد التطهير والتعقيم على أوسع نطاق. ويصعب تقدير أرقام للخسائر المالية التي تكبدها الاقتصاد العالمي بعدما تعدت الملايين من الدولارات؛ لأنها ما تزال متواصلة، وأصابت اقتصاد معظم دول العالم بالانكماش الذي قد لا يمكن تدارك آثاره السلبية العميقة سريعًا.

"
شارك المقالة:
430 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook