التشبيه المقلوب هو: جعل المشبه مشبها به، بادعاء أن وجه الشبه فيه (أي في المشبه) أكمل وأقوى وأظهر ويسميه ابن جني في كتابه الخصائص: "غلبة الفروع على الأصول" ويقول: "هذا فصل من فصول العربية طريف ولا نكاد نجد شيئاً من ذلك إلا والغرض فيه المبالغة" وذكر قول ذو الرمة:
ورمل كأوراك العذارى قطعته إذا ألبسته المظلمات الحنادس
وقال عنه عبد القاهر: "وقد يقصد الشاعر على عادة التخيل أن يوهم في الشيء القاصر عن نظيره في الصفة أنه زائد عليه، وحينئذ يجعل الفرع أصلا ويشبه الزائد بالناقص ويكون الغرض في الحقيقة إعلاء شأن ذلك الناقص أي هو بالغ إلى حيث صار أصلا للشيء الكامل في ذلك الباب.
وقد عرض ابن الأثير في كتابه "المثل السائر" لهذا النوع من التشبيه وسماه الطرد والعكس فقال: "واعلم أن من التشبيه ضربا يسمى الطرد والعكس وهو أن يجعل المشبه به مشبها ، والمشبه مشبها به"
ومما جاء منه قول البحتري:
في طلعة البدر شيء من محاسنها وللقضيب نصيب من تثنيها
فإن العادة والعرف أن يشبه الوجه الحسن بالبدر والقدّ بالقضيب، فلما عكس البحتري القضية في ذلك جاء أيضا لائقا.
وقال: "وهو موضع من علم البيان حسن الموقع لطيف المأخذ" ومعنى كونه مقلوباً: أن تجعل ما لوجه فيه أتم مشبها ليتوهم السامع أن المشبه به "المقصود به المبالغة" أتم في وجه الشبه من المشبه "الذي أصله المشبه به" اعتماداً على القاعدة المقررة من أن الوجه أتم في المشبه به."
الأمثلة: قول الشاعر:
وأرض كأخلاق الكرام قطعتها وقد كحل الليل السماك فأبصرا
وقوله تعالى حكاية عن مستحلي الربا: "إنما البيع مثل الربا" .
خالفوا ذهابا منهم إلى جعل الربا في الحلّ أقوى حالاً من البيع لأن الكلام في الربا لا في البيع.
وقول محمد بن وهيب الحميري:
وبدا الصباح كأن غرته وجه الخليفة حين يمتدح
قصد إيهام أن وجه الخليفة أعرف وأشهر وأتم وأكمل في الوضوح والضياء من الصباح، فاستقام له ذلك بحسب نيته.
يعني شبه غرة الصباح "أوله" وقت الشروق بوجه الخليفة حين يمتدح ، والأصل أن يشبه وجه الخليفة بوجه الصبح لكنه أراد أن يوهم السامع أن المشبه به أكمل في الصفة من المشبه.
مثال آخر: قوله تعالى: "أفمن يخلق كمن لا يخلق" الآية توبخ عبدة الأوثان فهل من لا يخلق كم يخلق ، هنا عكس لأنهم اهتموا بالأصنام أكثر من الله في الاهتمام والعبادة وصار بزعم هؤلاء أقوى وأتم وهم يعلمون أنها لا تخلق ولا تبصر ولا تعي شيئا ، فعدل عن الظاهر وهو أفمن لا يخلق كمن يخلق لمزيد من التوبيخ.
وقد اتخذ التشبيه المقلوب لأغراض كثيرة كما مر من المبالغة أو التوبيخ أو... الخ, لما يحويه من مبالغة واضحة لم يجد فيه الشعراء مقنعاً فابن المعتز يقول: يكاد البدر يشبهه وتكاد الشمس تحكيه.
فهو يصرح بأن البدر لا يشبهه بل يكاد فقط.
ومجنون ليلى يقول:
كاد الغزال يكونها لولا الشوى ونشوز قرنه
والغزال يقرب منها لو لم تكن فيه هذه العيوب الطبيعية،
ويقول البديع الهمذاني:
ويكاد يحكيك صــوب الغيث منسجمـــا لو كان طلق المحيا يمطـــر الذهبا
والدهر لو لم يخن والشمس لو نطقت والليث لو لم يصد والبحر لو عذبا
فكل هذه الأشياء الليث والدهر والبحر تكاد تحكي الممدوح لو أنها خلت من عيوب فيها، فهي لا تنفك عنها ولا تستطيع أن تقارب الممدوح لأن الشمس لا تنطق والليث لو لم يصد ويفترس الفريسة فإن الممدوح ذكي لا يقع تحت خديعة، والبحر لو عذب من الملح فلو تبرأت هذه الموصوفات من العيوب لكادت أن تقارب الممدوح.
فالشاعر يشترط لقرب هذه المحاكاة هذه الشروط المستحيلة التحقيق ، فهذه التشبيهات المقلوبة المجردة، لم تحقق بغية الشعراء في المبالغة فضموا إليها أشياء تزيدها مبالغة على مبالغتها.
وقد ذكر االبلاغيون أن التشبيه المقلوب لا يرد في كل الأمثلة إلا بشروط:
ويقرب من هذا النوع ما أطلق عليه "تشبيه التفضيل" وهو أن يشبه شيء بشيء لفظا أو تقديراً ثم يعدل عن التشبيه لا دعاء أن المشبه أفضل من المشبه به، ومن ذلك: حسبت جماله بدراً منيراً وأين البدر من ذاك الجمال
وقول الآخر:من قاس جدواك يوما بالسحب أخطأ مدحك
السحب تعطي وتبكي وأن تعطي وتضحك