تُعدُّ الرضاعة الطبيعيَّة الطريقة الطبيعيَّة لتغذية الطفل، إلا أنَّ ذلك لا يعني سهولة الأمر، إذ تواجه جميع الأمهات تقريباً بعض التحدِّيات عند البدء بها، وبعد ذلك تكون للأمهات القدرة على الاعتماد على الرضاعة الطبيعيَّة بشكلٍ خاصٍّ، أو على الأقلِّ تزويد الطفل بجزء من حليب الثدي، إلا أنَّ العديد منهنَّ يتساءلن في وقت مبكِّر خلال فترة ما بعد الولادة حول ما إذا كانت كميَّة حليب الثدي المزوَّدة للطفل كافية له أم لا.
إذ تشعر العديد من الأمهات بالقلق تجاه كميَّات الحليب وخاصَّة في المراحل المبكِّرة من الرضاعة الطبيعيَّة، وبالرغم من أنَّ معظم الأمهات ينتجن كميَّات كافية للطفل من الحليب، فإنَّ النساء اللواتي توقَّفن عن الرضاعة الطبيعيَّة غالباً ما يُصرِّحن بأنَّ السبب في ذلك هو أنَّه لم يكن لديهنَّ ما يكفي من الحليب، وفي الحقيقة تُعدُّ مستويات الحليب منخفضة في حال كانت كميَّات الحليب المنتجة لا توافق احتياجات الطفل اللازمة لنموِّه، وينبغي التنبيه إلى أنَّه في حال الشعور بالقلق تجاه مستويات الحليب فمن الضروري مراجعة الطبيب أو مستشار الرضاعة الطبيعيَّة أو غيرهم من مقدِّمي الرعاية الصحيَّة للحصول على النصيحة، إذ إنَّ انخفاض مستويات الحليب عادةً ما يكون حالة مؤقَّتة تتطلَّب الدعم المناسب حتى تتحسَّن
هناك بعض الأمور الطبيعيَّة التي تحدث عند البدء بالرضاعة الطبيعيَّة، ففي الأسابيع الأولى وحتى الشهر الأوَّل من بعد الولادة تشعر الأم بأنَّ الثدي أصبح أكثر رخاوة وأصغر حجماً، وهذا لا يعني أنَّ مستويات الحليب قليلة ولا تناسب احتياجات الطفل، إلا أنَّ هذا الأمر من الطبيعي حدوثه، كما قد يزداد عدد مرَّات رضاعة الطفل في بعض الأحيان بهدف زيادة تدفُّق الحليب، وهذا أيضاً أمر طبيعي ولا يدلُّ على وجود مشكلة في تدفُّق الحليب أو مستوياته، إذ تُعرف هذه التغذية بالتغذية العنقوديَّة (بالإنجليزية: cluster feeding)، ومن الجدير بالذكر أنَّ قلَّة الحليب لدى الأم المرضع قد تُعزى إلى تأخُّر تدفُّق الحليب من الثدي، إذ إنَّ هذا التأخُّر في بعض الأحيان يؤدِّي مع مرور الوقت إلى انخفاض إنتاج الحليب بشكلٍ بطيء أو بشكلٍ مفاجئ، وإنَّ وجود مشكلة حقيقيَّة في مستويات الحليب وتدفُّقه تتسبَّب في ظهور علامات الجوع والانزعاج على الطفل، بالإضافة إلى ضعف اكتساب الوزن.
ويجدر التنبيه إلى أنَّ مشكلة قلَّة الحليب لدى الأم المرضع لها العديد من الأسباب المختلفة، منها ما هو متعلِّق بالأم ومنها ما هو متعلِّق بالطفل، وفي بعض الأحيان تكون الأسباب متعلِّقة بكلا الطرفين وهذا ما يحتاج إلى تقييم، ومن الضروري تنفيذ استراتيجيَّة لعلاج هذه المشاكل من خلال اتباع بعض التوجيهات المهنيَّة، وبغضِّ النظر عن سبب المشكلة يجب التأكُّد من حصول الطفل على كميَّة كافية من الطعام في كلِّ الأوقات طوال فترة علاج مشكلة قلَّة الحليب، إذ إنَّ الطفل يحتاج إلى تناول الطعام.
تُعدُّ عدم رضاعة الطفل من الثدي بشكل صحيح من أكثر أسباب انخفاض تدفُّق الحليب الشائعة، إذ إنَّ عملية سحب الحليب من الثدي تُنبِّه الجسم بإنتاج المزيد من الحليب، وعليه فإنَّ عدم التصاق الطفل بالثدي بالطريقة الصحيحة لا يسمح للطفل بسحب الحليب إلى خارج الثدي بشكلٍ جيِّد، ممَّا يؤدِّي إلى انخفاض مستوى الحليب لدى الأم، لذلك ينبغي تقييم وضعيَّة التصاق الطفل بالثدي في حال عدم التأكُّد من التصاقه بالشكل المطلوب، كما قد تساعد الأم على ذلك استشارة الطبيب أو الممرِّض أو مجموعة الرضاعة الطبيعيَّة المحليَّة.
ينتج الثدي الحليب بشكلٍ مستمرٍّ، ويعتمد معدَّل الإنتاج على مدى تفريغ الثدي منه، إذ يزيد إنتاج الحليب عندما يكون الثدي فارغاً أو قارب على الفراغ، ويقلُّ إنتاج الحليب عندما يكون الثدي ممتلئاً،لذلك فإنَّ تكرار الرضاعة الطبيعيَّة وخاصَّة خلال الأسابيع الأولى يساعد على تدفُّق الحليب بشكلٍ قويٍّ وصحِّي ويؤمِّن الحليب الكافي للطفل، إذ إنَّ عدم الإرضاع بشكلٍ متكرِّر يُعدُّ سبباً شائعاً لانخفاض مستويات الحليب لدى الأم، إذ إنَّ إرضاع الطفل المتكرِّر يزيد من تحفيز الجسم لإنتاج الحليب، وفي الحقيقة يحتاج معظم حديثي الولادة إلى الرضاعة كلَّ 2-3 ساعات خلال اليوم والليلة، ففي حال وضع جدول يومي للرضاعة والسماح للطفل بالنوم لفترات ممتدَّة أو إعطائه المصَّاصة أو ما يُعرَف باللهاية ما بين أوقات الرضاعة، فإنَّ ذلك يُقلِّل على الأم فرص الرضاعة الطبيعيَّة لتحفيز الثدي لإنتاج المزيد من الحليب، كما أنَّ إعطاءه الحليب الصناعي بين فترات الرضاعة الطبيعيَّة يمنع الطفل من الحصول على ما يكفيه من الحليب، لذلك من الأفضل ممارسة الرضاعة الطبيعيَّة عند الحاجة، أي عند ظهور علامات الجوع على الطفل، وفي حال كان الطفل كثير النوم يُنصح بإيقاظه كلَّ 3 ساعات على الأقلِّ للرضاعة.
ويجدر العلم أنَّ فترات الرضاعة القصيرة لا تسمح للثدي بإفراغ محتوياته من الحليب بشكلٍ كافٍ، وبالتالي فإنَّ عدم التفريغ الكامل للثدي لا يُحفِّز إنتاج المزيد من الحليب، فمثلًا عند وضع الطفل لمدَّة 5 دقائق على كلِّ ثدي، فإنَّ ذلك لا يساعد الطفل على الحصول على العناصر الغذائيَّة التي تقف وراء ما يكفيه من الحليب، كما أنَّ بذل الوقت في مصِّ الطفل اللهاية يُقلِّل من الوقت الذي يستغرقه الطفل في الرضاعة وسحب الحليب من الثدي، وهذا بدوره يُقلِّل من إنتاج الحليب، ويحدث ذلك لدى بعض الأطفال وليس جميعهم.
إنَّ قلَّة المعرفة بأهميَّة اللبأ (بالإنجليزية: Colostrum) الذي ينتجه الثدي خلال الأيام الأولى من حياة الطفل تؤدِّي إلى إدراك العديد من الأمهات بأنَّهن لا يمتلكن ما يكفي من الحليب لأطفالهنَّ، وينتج عن ذلك استخدام الحليب الصناعي في وقت مبكِّر وغير ضروري، وعادةً ما يفهمن الأمهات أطوار التغذية العنقوديَّة بشكلٍ خاطئ في المراحل المتأخِّرة من النموِّ، ممَّا يؤدِّي إلى اللجوء لاستخدام الحليب الصناعي والمكمِّلات في وقت مبكِّر، وإنَّ هذا الاستخدام المبكِّر يؤدِّي إلى استغراق الطفل وقتاً أقلَّ على الثدي أثناء الرضاعة الطبيعيَّة، ونتيجة لذلك يقلُّ تحفيز الهرمونات المنتجة للحليب، إذ ينتج عن انخفاض تحفيز الهرمونات التقليل من كميَّات الحليب المسحوبة من الثدي، وهذا يعطي إشارة للجسم لإنتاج كميَّات أقلَّ من الحليب كتغذية راجعة سلبيَّة، وتُعدُّ هذه الدورة المستمرَّة بين استخدام الحليب الصناعي وقلَّة الرضاعة الطبيعيَّة أحد الأسباب الرئيسيَّة لانخفاض مستويات الحليب لدى الأم بعد الولادة، وفي حال كانت هناك حاجة طبيَّة لاستخدام الحليب الصناعي أو المكمِّلات فإنَّ على الأم البدء بسحب الحليب باستخدام مضخَّة الحليب، وذلك بهدف تعزيز إنتاج المزيد من الحليب.
إنَّ إبعاد الأم عن طفلها يؤدِّي إلى حدوث توتُّرات عاطفيَّة وفيسيولوجيَّة لدى الأم، فعلى سبيل المثال عند إدخال الطفل إلى وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة (بالإنجليزية: Neonatal intensive care unit)، إذ من الضروري أن تزور الأم طفلها بشكلٍ متكرِّر، وتلمس جلده إن أمكن وكان ذلك مسموحاً طبِّياً، ولمنع تأخُّر نزول الحليب أو انخفاض مستوياته ينبغي على الأم سحب الحليب من الثدي في أقرب وقت ممكن، إذ إنَّ زيادة مستويات التوتُّر لدى الأم تؤدِّي إلى انخفاض مستويات الحليب بشكلٍ مفاجئ.
إنَّ الإصابة ببعض المشاكل، مثل: مرض السكَّري، وارتفاع ضغط الدم، وانخفاض أو ارتفاع مستويات هرمون الغدَّة الدرقيَّة، ومتلازمة تكيُّس المبايض (بالإنجليزية: Polycystic ovary syndrome)، وغيرها من المشاكل الهرمونيَّة يمكن أن تساهم في انخفاض مستويات الحليب، ويُعزى ذلك إلى أنَّ عمليَّة إنتاج الحليب تعتمد على الإشارات الهرمونيَّة التي تُرسَل إلى الثدي، وتجدر الإشارة إلى أنَّ علاج هذه المشاكل الصحيَّة يساعد على زيادة إنتاج الحليب في بعض الحالات، وقد تحتاج الأم إلى استخدام المكمِّلات الغذائيَّة.
هناك بعض الأدوية التي تُقلِّل من إنتاج الحليب، لذلك عند ملاحظة انخفاض في تدفُّق الحليب عند البدء باستخدام هذه الأدوية ينبغي تقييم حالة الأم الصحيَّة، كما يجب على الأم إخبار مقدِّم الرعاية الصحيَّة أنَّها مرضعة، إذ يمكنه أن يوصي باستخدام بدائل أفضل من هذه الأدوية، وتتضمَّن هذه الأدوية ما يأتي:
يُعرَف النسيج الغدِّي (بالإنجليزية: Glandular tissue) على أنَّه النسيج الذي ينتج الحليب في الثدي، ويؤدِّي نقصان هذا النسيج في الثدي إلى عدم إنتاج كميَّة كافية من الحليب، وتعاني من هذه الحالة نسبة قليلة من النساء، وعلى الرغم من أنَّ الثدي في هذه الحالة لا يستطيع إنتاج كميَّات كافية من الحليب لإشباع الطفل، إلا أنَّ الخبر السار أنَّه لا يزال لدى هؤلاء النسوة القدرة على إرضاع أطفالهنَّ رضاعة طبيعيَّة،وفي هذا السياق يجدر العلم أنَّ القنوات الحليبيَّة تنمو مع كلِّ حمل، كما تُحفِّز الرضاعة الطبيعيَّة نموَّ المزيد من القنوات والأنسجة، لذلك يمكن أن تقلَّ هذه المشكلة مع الطفل الثاني أو الثالث.
تتضمَّن الأسباب الأخرى لقلَّة الحليب لدى الأم المرضع ما يأتي:
تتضمَّن أسباب قلَّة الحليب المتعلِّقة بالطفل ما يأتي:
تنبغي مراجعة الطبيب في حال نفي الأسباب المذكورة أعلاه، إذ إنَّ الطفل يلتصق ويرضع بشكلٍ صحيح، كما أنَّه يرضع كلَّ ساعتين إلى ثلاث ساعات على مدار اليوم، وبالرغم من ذلك كلِّه لا تزال مستويات الحليب منخفضة، ولم تلاحظ الأم أيَّة زيادة في تدفُّق الحليب، إذ من الممكن أن يكون سبب انخفاض مستويات الحليب هو وجود مشكلة صحيَّة، لذلك من الضروري أن تزور الأم الطبيب لمعرفة السبب الكامن وراء عدم إنتاج كميَّات كافية من الحليب وعلاجه، ويمكن القول أنَّ العديد من المسبِّبات لمستويات الحليب المنخفضة يمكن علاجها بشكلٍ ناجح، بينما في حالات نادرة توجد مسبِّبات لا يمكن علاجها، وحينها تضطر الأم إلى إعطاء طفلها المكمِّلات للتأكُّد من حصوله على ما يكفي من التغذية، ولكنها تستطيع الاستمرار في إرضاع طفلها رضاعة طبيعيَّة.