ماهي الرقصات الشعبية في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
ماهي الرقصات الشعبية في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

ماهي الرقصات الشعبية في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.

 
 العرضة: 
 
العرضة من أكثر الرقصات شعبيةً وذيوعًا في منطقة الباحة، وهي معروفة منذ القِدم وتتم ممارستها في جميع أنحاء المنطقة؛ في الريف وفي البادية، وفي السراة وتهامة. وقد كانت العرضة قديمًا تُقام لجمع المحاربين للقتال، فعندما يطرأ أمر ما يستدعي جمع الناس لصد هجوم أو القيام بهجوم تُقرع الطبول والزيرة (جميع زير) ويأتي المحاربون بأسلحتهم، وينتظمون في الصفوف، ويتم استعراضهم من قِبَل كبير القوم أو شيخهم، وربما لهذا السبب سُميت (العرضة) بهذا الاسم. وللعرضة شعراؤها المشهورون الذين كانوا في الماضي يبثون الحماس في نفوس المحاربين، ويرفعون معنوياتهم وروحهم القتالية. أما في العهد السعودي إذ انتشر الأمن والاستقرار فقد أصبحت العرضة تُمارَس في حفلات الزواج، وفي حفلات الختان، والخطوبة أحيانًا، وفي الأعياد، وعند النـزول في المنازل الجديدة. وقد امتدت بعض صور فن العرضة المنتشر في المنطقة وألحانه إلى كثير من المناطق المجاورة مثل القبائل الواقعة جنوب الطائف، وقبائل منطقة عسير المختلفة، ولهذه المناطق رقصات وعرضات مشابهة في بعض الوجوه لما هو شائع في منطقة الباحة.
 
وتعتمد رقصة العرضة على توافر مجموعة من العناصر، وإذا غاب أو ضعف أحد هذه العناصر غابت العرضة أو ضعفت، وتتمثل تلك العناصر فيما يأتي:
 
1 - الزير وإيقاعاته المختلفة:
 
ولقد كان الشائع في السابق أن يُستخدم زير واحد فقط، أما في السنوات الأخيرة من بدايات القرن الخامس عشر الهجري/الحادي والعشرين الميلادي فأصبح استخدام أكثر من زير هو الشائع، وغالبًا ما تكون ثلاثة، ولم يكن الذي يدق (يقرع) الزير في الماضي شخصًا محترفًا، ولم يكن يُعطى أجرًا على عمله، أما في السنوات الأخيرة فقد أصبح لدق الزير فرق متخصصة يتم حجزها مسبقًا، وتتقاضى على ذلك أجرًا ربما يكون مرتفعًا أحيانًا.
 
2 - الشاعر:
 
وهو العنصر الثاني من العناصر المهمة في العرضة، فلا يمكن أن تقوم عرضة من دون شاعر، وكان الناس في الماضي يكفيهم شاعر أو شاعران، أما في العقود الأخيرة فقد انتشرت إقامة الحفلات بوجود عدد من الشعراء لا يقل عن ثلاثة، وأصبح الشعر عملاً احترافيًّا، له فرسانه المشهورون في منطقة الباحة والمناطق المجاورة، ويستمد الحفل قوته أحيانًا من قوة الشعراء الذين يحيونه، وأصبح عطاء الشعراء أمرًا متعارفًا عليه بين الناس، ويتفاوت هذا العطاء بين شاعر وآخر حسب مكانته، وقد يكون عطاءً كبيرًا لبعض الشعراء. وكلما كانت المسافة التي يقطعها الشاعر طويلة للوصول إلى الحفل كان عطاؤه أكثر، فأعلى العطاءات ما يُقدَّم للشعراء القادمين من مناطق بعيدة مثل المنطقة الشرقية وتبوك والرياض، تليها جدة ومكة والطائف.
 
وشعر العرضة في منطقة الباحة يعتمد على الرمز والتورية، وعلى إخفاء المعاني بحيث لا يفهمها إلا الشعراء أو من لديهم حس شعري، فقد يهجو الشاعر شخصًا ما بطريقة خفية، وقد يوصل معنى من المعاني السلبية إلى زميله الشاعر الآخر بطريق التورية، فقد يتحدث الشاعر عن الشمس في حالة الغروب ويقصد بها عجوزًا أو شاعرًا كبيرًا في السن، وقد يتحدث عن الناقة أو البكرة ويقصد بها امرأة أو فتاة، وقد يتحدث عن الذئب ويقصد بذلك تشبيه إنسان ما به... وهكذا. وأغراض شعر العرضة في منطقة الباحة تتمثل في المدح، والفخر، والوصف، والحكمة، والنصيحة، والرثاء، والعتاب، ونادرًا ما يتعرض الشعراء للغزل، وإذا كان يوجد هجاء فإنه يتم بطريقة خفية وغير ملحوظة إلا للخاصة.
 
والشعر - كما هو معروف - موهبة تصقلها الممارسة والتجربة والمراس، والشعراء الكبار المعاصرون في منطقة الباحة يُعَدون على الأصابع، ومن الشعراء القدماء الذين اشتُهروا في منطقة الباحة خلال القرن ونصف القرن الماضيين وانتقلوا إلى الدار الآخرة: محمد بن ثامرة الثوابي، والغبيشي، وعلي جماح، والزبير، وابن عيسى، والزرقوي، وعيفان الجعيرة، وهؤلاء هم شعراء الجيل الأول. أما شعراء الجيل الثاني الذين عاش بعضهم إلى عهد قريب فمنهم أبو شمال، وعوضة بن عبيدي،، وأبو غرازين، والمالحي، وأبو جعيدي، وطريخم، والعُسيس، ومحسن السلقة، وابن عقار، وابن خماش، وجمعان الجوفاني، وجمعان البراق. ومن الذين لا يزالون على قيد الحياة ولهم شعبية كبيرة وحضورهم مؤثر في الحفلات وفي الجمهور: عبدالله بن عيضة البيضاني، وعبدالواحد بن سعود الزهراني، وإبراهيم بن محمد الشيخي، وصالح اللخمي، وهذَّال، وعطية بن صالح السلطاني، وعلي بن خميس البيضاني، وأحمد الدرمحي، وعلي اليزيدي، وأبو علاج، وابن شرف. ومن الشعراء الكبار الذين قلت مشاركاتهم بعد أن كان لهم دور كبير ومشهور في إحياء العرضة وتطويرها: محمد بن مصلح، وسالم الفديم، ومحمد الغويد، وخرصان، وسعود بن سحبان، وعبدالرزاق بن سعيد المشهور بـ (أبو رزق)، وعلي بن عواض الزهيري، وقد قلَّت مشاركاتهم أو انقطعت لأسباب مختلفة منها قناعاتهم، وظروفهم الصحية وتقدمهم في السن.
 
3 - الكثافة العددية:
 
لكي تقوم العرضة لا بد من وجود عدد كبير من الحضور والمتفرجين لا يقل عن خمسين شخصًا، وكلما زاد العدد كانت العرضة أكثر حماسًا وكان الشعراء أكثر إبداعًا وقدرة على توليد المعاني الجديدة. أما إذا كان العدد قليلاً فإن العرضة تكون ضعيفة، ومدتها الزمنية في الغالب تكون قصيرة. وكما أن العدد القليل يفسد العرضة فإن الأعداد الكبيرة والزحام قد يفسدانها ويعطلان مجرياتها.
 
4 - الرقَّاصون:
 
يمثل الرقص في العرضة جانبًا من جوانب الفروسية والشجاعة، إذ يحمل (الرقَّاص) في يده سيفًا أو خنجرًا طويلاً (جنبية) ويمثل بعض حركات القتال في المعركة، ويبث الحماس في نفوس الآخرين. وقد تحول الرقص في العقود الأخيرة إلى عملية لضبط إيقاع العرضة، وتوحيد حركة المشاركين فيها، وذلك باتباع حركات الرقَّاص، فإذا قفز إلى أعلى فعلوا مثله، وإذا كان في حركة نـزول تبعوه في ذلك، وأفضل العرضات ما كان فيها عدد من الرقَّاصين يناسب عدد المشاركين في العرضة، وما كان ثنائيًّا، أو رباعيًّا، أو سُداسيًّا.
 
5 - الجانب الفني:
 
أصبح الجانب الفني في العقود الأخيرة من الجوانب المهمة في نجاح العرضة، ونقصد به هنا مكبرات الصوت وما فيها من وضوح وتغطية لجميع الأمكنة التي يوجد فيها العارضون، وكذلك الإضاءة، والتسجيل بوساطة (الفيديو) أو (الكاسيت) لحفظ العرضة وتداولها، وإعادة المشاهدة وسماع القصائد، وإعادة النظر في مجريات الحفل، وقد أصبح التسجيل بوساطة (الفيديو) و (الكاسيت) عملاً احترافيًّا له شركاته ومؤسساته، وتتقاضى على تصوير الحفل وتسجيله أجرًا، وكلما زاد عدد (الكاميرات) زاد الأجر.
 
6 - المكان:
 
ويُعد المكان الفسيح الواسع من متطلبات العرضة. وقد تكفلت قصور الأفراح بتخصيص ميادين كبيرة لهذا الغرض، وأصبحت تتنافس في تزويدها بما تحتاجه من متطلبات، ففي كثير منها مدرجات تشبه مدرجات ملاعب كرة القدم لتستوعب أكبر عدد من المتفرجين، وفيها منصات مرتفعة في وسط الميدان للشعراء وضاربي الزير؛ ليكونوا في مكان مرتفع ويروا صفوف العرضة وليراهم المشاركون فيها، وفيها مكبرات صوت ثابتة في الزوايا وفي الأمكنة المرتفعة.
 
 الملعبة: 
 
الملعبة من الفنون الشعبية التي كانت منتشرة بكثرة في منطقة الباحة، وخصوصًا قبل عام 1395هـ/1975م، ففي تلك الفترة لم تكن الكهرباء ومكبرات الصوت منتشرة، وكانت أعداد المشاركين في الاحتفالات قليلة نسبيًّا، ولهذا كانوا يعمدون إلى الملعبة التي تُمارَس داخل المساكن والمجالس الكبيرة، حيث يمكن توفير الإضاءة بوساطة (الأتاريك) والفوانيس، وإيصال الصوت إلى المشاركين بيسر وسهولة.
 
وتتميز الملعبة بإيقاعها السريع، وعدم تحرك الصفوف من أمكنتها، وتتكون من صفين متقابلين؛ أحدهما يغني بآخر قصيدة البدع، والآخر يغني بآخر قصيدة الرد، ويتحرك أفراد الصف مع بعضهم إلى أعلى وإلى أسفل وكأنهم رجل واحد، وعدم توافقهم يمكن ملاحظته، ويُعد ذلك خللاً ونقصًا في أدائهم، ولهذا يعمدون إلى وضع كبار السن ومن يجيد الرقص في وسط الصف؛ كي يتبعهم ويقتدي بهم الآخرون. والملعبة هي المحك الذي يُظهر قدرات الشعراء وإمكاناتهم، وسرعتهم في إعداد القصائد وبنائها. وللملعبة طَروقها وألحانها الخاصة، وهي ليست كثيرة، وأشهرها ما عرف بطَرق - أو لحن - (المجالسي)، ومعظم أشعار الملعبة المعروفة تتم على هذا اللحن. وفي نهاية القصيدة يتغير إيقاع الزير قليلاً، وبناءً عليه يقفز أفراد الصف إلى أعلى ويبدؤون بالتصفيق المتناسق المنتظم على إيقاع الزير، وتبدأ حركتهم في التباطؤ رويدًا رويدًا حتى يقفوا تمامًا، وعندها يشرع الشاعر في تقديم قصيدة جديدة. وفي الغالب لا تتم الملعبة إلا بشاعرين أو أكثر، ولا تتم بشاعر واحد إلا إذا كان مقتدرًا ومتمكنًا ويجد مساعدة من الحضور بالمشاركة من وقت إلى آخر بقصيدة، وبإطالة أمد الغناء بالقصيدة.
 
وهذه نماذج من أشعار الملعبة:
 
من شعر الملعبة محاورة دارت بين الشاعرين محمد بن مسيفر الغامدي، ومحمد بن مساعد الزهيري المشهور بـ (البس) نختار منها ما يأتي:
 
(البدع من محمد بن مسيفر)
يا خي محمد شفت تمر النخل بالذوب حالي
في حزَّة المصياف ما تخرفون الَّا بلح قار
لا هوب من تمر اهل بيشه ولا من حقّْ روني (1)
 
(الرد من محمد البس)
قال الزهيري وش معا صُفَّتي بذو بحالي
إن جيت باسمع واتصينق فلا ودِّي بالاحقار (2)
وان جيت با ناصح خباث المذاهب حقَّروني
 
(البدع من محمد بن مسيفر)
أنا بدعت الهيض (3) حاضر ولا ختّ امتهالي (4)
ذريت علم الصدق بين القبايل لا بني سار (5)
والتمر يُقطع من عذوقه ولا به شَيّ بوني (6)
 
(الرد من محمد البس)
يا صاحبي عندك دعاوي ولا ختَّمتها لي (7)
إن كان من زهران رُحنا نقودك لا بني سار
وان كان من صبيان غامد فغامد شيِّبوني
 
معاني الكلمات:
 
(1) حق روني: من (رنية). (2) الاحقار: الاحتقار وعدم احترام الغير. (3) الهيض: الشعر. (4) ختّ: أخذت، امتهالي: مهلة وتأخر. (5) لا بني سار: إذا بُني بناءً جيدًا سار بين الناس وانتشر. (6) شي بوني: أي أن التمر متشابه وليس فيه بون واختلاف. (7) ختَّمتها لي: أنهيتها وجعلت لها خاتمة.
 
المعنى العام:
 
قيل: (إن المعنى في قلب الشاعر)، وربما كان بين الشاعرين موضوع خاص يدور الحوار حوله، وربما كان ذلك المعنى يدور حول رغبة ابن مسيفر في الزواج، ويريد من الشاعر (البس) مساعدته في ذلك. والتمر في القصيدة ربما يرمز به الشاعر لامرأة رآها ولا يعرف من أي الأسر هي، فهي ليست من تمر (بيشة) ولا من تمر (رنية)، أي أن أوصافها غريبة ولا تشير إلى أسرة معينة من الأسر المعروفة. فردَّ عليه (البس) يخبره أنه يعاني من أبناء جيله الذين أزروا بحاله، ولا يرغب في مجاراتهم، ولا يرغب في أن يُنظر إليه باحتقار، وإذا قدم النصيحة فإن السيئين من القوم سوف يحتقرونه، وكأنه يحذره من تلك المرأة من طرف خفي. وفي القصيدة الثانية يلح ابن مسيفر على طلبه، وعلى أنه في عجلة من أمره وأن زواجه لا يقبل التأجيل، وأنه صادق في عزمه ونيته على الزواج، ويريد أن يصل إلى طلبه. ويرد عليه (البس) مشيرًا إلى أنه لم يتبين طلبه بوضوح، ولكن إذا كان طلبه في الزواج من زهران فسوف يأخذه إلى قرية بني سار وهي من أشهر قرى زهران وترمز إلى بقية القرى، وإذا كان طلبه من غامد فقد واجه مع غامد مصاعب كثيرة شاب رأسه بسببها. ويُلاحَظ في القصيدتين التزام الشاعرين بـ (الشقر) وهو الجناس التام في نهاية كل بيت من كل قصيدة.
 
ومن قصائد اللعب للشاعر عبدالله بن محمد الفقيه من قرية (رُباع)، وهو من الشعراء المجيدين في فنون الشعر الشعبي المختلفة، ولكنه مقل:
 
(البدع)
يا بُنّ ما قاربوه أهل الخيانه وله واز (1)
ما فاده الَّا الذي عدّ الدراهم وذا عه (2)
يزين وقت المطر، وان كان وقت الجها زين (3)
له تاجرٍ ربي اكثر مرزقه واغنياته (4)
 
(الرد)
قدَّام يتكلم الرادي بلندن والاهواز
واليوم كلٍّ معه في البيت رادي وذاعه
جهاز ما يكفي المطرب يركِّب جهازين
ما يعجب ابن آدم الَّا هرجته واغنياته
 
معاني الكلمات:
 
(1) وله واز: له من يحوزه ويحافظ عليه. (2) وذا عه: الذي فيه وعي. (3) الجها: وقت الصحو. (4) اغنياته: جمع غنى، ضد الفقر.
 
المعنى العام:
 
في البدع يرمز الشاعر لمحبوبته بالبنّ؛ لتعلق الناس به وشوقهم إليه، ورغبتهم فيه بين وقت وآخر، ويصفه بأنه مصان من أهل الخيانة، وفي أيدٍ أمينة تحميه وتحافظ عليه (ويقصد بذلك أسرتها)، ولا يمكن أن يحصل عليه إلا من لديه أموال كثيرة ويتمتع بوعي وحكمة، وشجر البن يصبح جميلاً وقت المطر، وإن كان يمكن ملاحظة جماله في وقت الصحو، والمطر هنا كناية عن وجود النعمة والراحة والخير. أما في الرد فيتحدث الشاعر عن انتشار المذياع ودخوله إلى كل منـزل، واكتفاء الناس بالاستماع إلى برامجه وأغانيه بدلاً من تبادل الزيارات، والأحاديث مع الأقرباء والأصدقاء.
 
ومن شعراء المنطقة الذي اشتُهروا بشعر الغزل على طَرق الملعبة (أو طَرق المجالسي كما يسميه بعضهم) الشاعر جارالله بن محمد الفقيه من قرية (رُباع) وهو أخ للشاعر عبدالله بن محمد الفقيه الذي قدمنا له القصيدة السابقة. ونختار من شعره الغزلي القصيدة الآتية:  
 
(البدع)
يقول جارالله يا وجه القمر وابتسامه
معَ سهيل اليماني زاد نورك وبهواك (1)
لا اشْرف زُحل واشرف المرِّيخ واشرف عطارد
ما لي وما للنجوم، اعرف كما الزُّّهر ميَّات (2)
لا طلْعتْ الشمس يا مسكين فاحسن تفيَّه
حبيب قلبي نويت آقدّرهْ من عيوني
راعي حجابٍ كما ريش النعام المظاليل (3)
والصدر زهرٍ، وغطَّت عالنهود الجدايل (4)
والعمر (5) عودٍ قنا، واحسن من الموز رافه (6)
والثغر مثل البرد، وعيون عوَّام ع الما (7)
وقايد الصيد مالعدوان يحميه ربه
اصبر على حكم ربي يا علي يا ابن فرحه
في الارض يبدي الشجر والزرع والناس نعمه (8)
ما ابغي اللحُف وانت عزلت اللحف يَبَلْ حافي (9)
خذتوه شغله وطرفي مايلٍ لامحٍ له
 
معاني الكلمات:
 
(1) بهواك: بهاؤك ونورك. (2) اعرف كما الزُّهر ميَّات: أي أعرف من النساء مئات يشبهن النجوم الزواهر. (3) المظاليل: ذات الظل، كناية عن الطول. (4) الجدايل: الشعر المجدول. (5) العمر: القوام. (6) الموز رافه: أكثر نعومةً ولينًا من الموز. (7) عوام ع الما: العوام حشرة تعوم على الماء لها عيون جميلة، ويعتقد الناس أنها تنظف الماء وتقتل الجراثيم الأخرى. (8) نعمه: كثيرون. (9) يبل حافي: أي يا صاحب اللُّحُف، واللحاف هو الغطاء المحشو بالقطن.
 
(الرد)
يا صيد عيسان (1) في وسط الكبد هبت سامه (2)
والقلب مشغول في قبضك وبسْطك وبهْوَاك
ما ارخصت روحك مع القناص واللي يطارد
ما احسن رقاب الضبا والعين تقتل برميات
لا شفت وجهك عملت الخير واحسنت فيَّه
يا سيدي في انتظارك والحرس منعيوني (3)
أبات سهران وآهوجس معك لا مضى ليل
يوم آتلهمك يطلع في فوادي جدايل (4)
من حبَّه الله سوَّى له رسومٍ زرافه (5)
شفت الإشارة بنظرة عين ما خذت علما (6)
توقف الموتر اللي سايقه ماهرٍ به
واللي يشوف القمر جا له في القلب فرحه
والله لولا المزا (7) لاصيح وادعيه باسمه
لو قال حط الكنادر سرت ويلاه (8) حافي
قلبي معك يا قمر والعهد باقي محلَّه
 
معاني الكلمات:
 
(1) عيسان: جبل يقع شرق وادي بيدة في منطقة الباحة كان مشهورًا بكثرة غزلانه وظبائه. (2) سامه: وسم وعلامة. (3) منعيوني: منعوني من الوصول إليك. (4) جدايل: هموم تشتت الذهن والفؤاد. (5) زرافه: ظريفة وجميلة. (6) ما خذت علما: أي كفتني الإشارة عن الكلام والإعلام بوساطته. (7) المزا: الحياء. (8) ويلاه: جهته ونحوه.
 
المعنى العام:
 
القصيدة بجزئيها غزل ووصف للمحبوب، وقد استقى الشاعر تشبيهاته من البيئة المحلية مثل عود القنا، وصيد جبل عيسان، والبَرَد، وفي القصيدتين كثير من التشبيهات، وتدلان على لوعة الشاعر وهيامه بمن يحب.
 
 المسحباني:
 
المسحباني من الألوان الشعبية المعروفة في منطقة الباحة وبخاصة في السراة وتهامة، وهو لون يعتمد على الإيقاع البطيء وتقدُّم الراقصين خطوة إلى الأمام وتأخرهم خطوة إلى الخلف، وهو يشبه (الخطوة) في منطقة عسير، وغالبًا ما يمارسه الناس بعد نهاية العرضة أو الملعبة، ويختلف عن العرضة والملعبة بأن الصفوف تغني بآخر بيت في قصيدة العرضة والملعبة، أما المسحباني فتتكون قصائده من بيتين أو ثلاثة في الغالب، وعلى الصف الأول من الراقصين أن يغنوا بقصيدة البدع كاملة، وعلى الصف الثاني أن يغنوا بقصيدة الرد كاملة. ومن نماذج شعره ما يأتي:  
 
(البدع)
يا صيد يرعى حيا بيْش (1)
من بين صبيا وميدي (2)
ما يشربْ مايٍ مجنِّب (3)
 
(الرد)
تضيِّعون الحيا بيش؟! (4)
إن كان ميدك وميدي (5)
شدِّدْ وعدِّدْ وجنِّب (6)
 
معاني الكلمات:  
 
(1) حيا بيش: الحيا: المرعى، و (بيش) المدينة المعروفة في منطقة جازان. (2) صبيا وميدي: اسمان لمدينتين في جنوب غرب الجزيرة العربية. (3) مجنِّب: ماء ملوث وغير نظيف، وكلمة (مجنِّب) مأخوذة من الجنابة؛ للدلالة على عدم الطهارة والنظافة. (4) الحيا بيش؟: الحيا: الحياء، وبيش: تساؤل بمعنى بأي شيء؟ أي يجب المحافظة على الحياء والشرف بأي ثمن كان. (5) ميدك وميدي: أي إن كان المقصود أنا وأنت. (6) جنِّب: ابتعد.
 
المعنى العام:
 
القسم الأول من القصيدة يصف نوعًا خاصًا من الصيد يرعى الكلأ الجيد الذي تنبته أودية (بيش) وجبالها، ويشرب الماء الصافي غير الملوث، ويقصد بذلك النساء المصونات ذوات الدين والعفاف والشرف والاستقامة، وفي القسم الثاني تدعو القصيدة إلى الالتزام بالأدب، وعدم كشف ستر الآخرين والتعريض بنسائهم.
 
وللشاعر عبدالله الزرقوي من قرية (الزرقاء) القصيدة الآتية:
 
(البدع)
مركب الدُّخَّان يمشي والعَجل به (1)
فوق موج البحر لا مدُّوا شراعه
جوبه الطليان، واهل الليل ماني (2)
 
(الرد من الشاعر عبدالله الحازري)
يا صحيبي هات علمك والعجل به (3)
قبل يا جي الموت فانّ الموت راعه (4)
بالنهار امشي غبا والليل اماني (5)
 
معاني الكلمات:
 
(1) مركب الدخان: السفن التي تسير على البخار، والعجل: العجلات. (2) الطليان: الإيطاليون، الليل ماني: أهل ألمانيا. (3) العجل به: أسرع وأعجل به. (4) الموت راعه: أي أنه يخشى أن يأتي الموت المروع دون أن يعرف جواب صاحبه. (5) أمشي غبا: أمشي متخفيًا، والليل اماني: من الأمان والأمن، فالليل يستر من يسري فيه.
 
ومن نماذج شعر المسحباني ما قاله الشاعر علي جماح الغامدي، وهو من أشهر شعراء الشعر الشعبي في منطقة الباحة:
 
(البدع)
صلُّوا معي يا مصلِّين على النبي بدر معلوم
جبريل وضع له جناحه
 
(الرد)
يصلى جهنم مصلين تسمع لها قدر معلوم
يا رب عنها انج ناحه
 
ففي الجزء الأول من القصيدة يدعو الشاعر إلى الصلاة على النبي البدر المنير صلى الله عليه وسلم الذي وضع له جبريل - عليه السلام - جناحه، وفي الرد يحذر من جهنم التي نارها حامية على المصطلين بها، ويسأل الله النجاة منها ومن حرها.
 
ومن الذين أجادوا في شعر المسحباني الشاعر المشهور محمد بن ثامرة الزهراني، ومن قصائده في هذا الفن نختار ما يأتي:  
 
(البدع)
 
 
إن  آهلك   (1) يا بو الدلال الذي احْنى     مــن  فــوق لباتهــا احناهــا
يا  مـا درجنـا لـك وياما لمحنا (2)     وعينـــك اللـــي رمحناهـــا
(الرد)
 
 
مـا  شـي قـرونٍ طايلـه لو نطحنا     ولَّا فكنــــــا نطحناهـــــا
يـا اللـه جـزاك الحـمد طحنا وقمنا     والشـيمة   (3) مــا قـطّ طحناهـا
معاني الكلمات:
 
(1) إن آهلك: هنيئًا لك. (2) لمحنا: نظرنا. (3) الشيمة: الشهامة والنخوة والحمية.
 
المعنى العام:
 
في القسم الأول يصف من يحب، ويقول له: هنيئًا لك بدلالك الذي جعلك تحني الشعر من فوق اللبات، وكم سرت على الأقدام رغبة في النظر إليك وأن تقابل عيني عينك؛ لأن حديث العيون يحمل في طياته معاني كثيرة لا تنقلها الكلمات. وفي الرد يتحدث عن محدودية قدراته، وأنه لا يملك قرونًا تساعده على المناطحة، ويشكر الله على أنه على كثرة عثراته في الحياة ونهوضه منها لم يتخلَّ عن شهامته ونخوته وحميته.
 
وللمسحباني طَرق ولحن آخر نختار منه هذه القصيدة للشاعر علي بن خماش من قرية (رُباع)، وردَّ عليه فيها الشاعر سعيد بن عيسى من قرية القوارير:  
 
(البدع من ابن خماش)
أيا محض من سمحات منجور (1)
لها راعيٍ ودَّى رعيَّه
كما رازقي لا فرعنا (2)
إلى ما رعت برٍّ وشاعيب (3)
يداوي حليب الوبل هَب لِي (4)
 
(الرد من ابن عيسى)
يقول ابن عيسى آضيق من جور
في آلوديه والدار عيَّه (5)
ومن ذا يهاوش لا فرعنا (6)؟!
ولا عاد نقوى اهل المشاعيب
وكنِّي مضيِّع وابله ابْلي (7)
 
معاني الكلمات:
 
(1) سمحات: الإبل. (2) فرعنا: اخترنا الفُرْعَة وهو الأحسن والأجود. والرازقي: أجود أنواع العنب الأسود، فهو يشبِّه حليب الإبل بالعنب الجيد. (3) بَرٍّ وشاعيب: البَر: الخلاء الفسيح غير المعمور. شاعيب: شعاب. (4) هَب لي: أعطني. (5) عيَّه: عَيِيٌّ لا يمكن التفاهم معه. (6) فرعنا: فصلنا بين المتقاتلين. (7) ابله: من البله. أبلي: أبتلي الغير.
 
المعنى العام:
 
في البدع يتحدث علي بن خماش عن محبوبته ويصفها بأنها تشبه حليب الإبل في بياضه ونقائه وحلاوته، وأنها في رعاية أيدٍ أمينة تحرسها من عبث العابثين، ويصفها بأنها تشبه العنب الرازقي في حلاوتها وفي كونها دواء للعلل والأمراض. أما سعيد بن عيسى فيتحدث في الرد عن أحوال المجتمع، وأنه يغضب من الجور وتجاوز الحدود من قبل أناس يتصفون بالعيِّ، ولا يمكن التفاهم معهم، ولا يستخدمون عقولهم بل عضلاتهم، ويقول: لا بد أن يوجد عقلاء يتدخلون لإطفاء الفتن، ويوقفون الشر والخلافات؛ لأننا لم نعد نتحمل تجاوزات أهل المشاعيب وأخطاءهم وهم الذين يبحثون عن الفتن والقتال. وفي هذا الوسط الاجتماعي المحموم كأنني شخص أضاع شيئًا ثمينًا، أو أبله يبتلي الناس بشروره وتجاوزاته.
 
الهرموج:
 
الهرموج فن شعبي عُرف في تهامة من منطقة الباحة، وهو يشبه إلى حدٍّ ما المسحباني، ومن قصائد هذا الفن ما قاله الشاعر هيَّاس الرويبي الزهراني من قرية (لقط) بتهامة والذي تُوفي عام 1360هـ/1941م:
 
(البدع)
يا زير شِلّ الصوت وين انت ساري
هوت نجوم الثريَّا
 
(الرد)
حلفت ما تمضي عليك العجاري (1)
وراس هيَّاس حيّا
 
معاني الكلمات:
 
العجاري: جمع أعجر وهو الملتوي، ويعني الخطأ والضيم.
 
المعنى العام:
 
يخاطب الزير ويطلب منه الاستمرار في رفع الصوت، وهذا كناية عن رغبته في استمرار الرقص، وأن الوقت مناسب لذلك، وفي الرد يُقسم بأنه لن يقبل بالخطأ ولن ينصاع للظلم ما دام على قيد الحياة.
 
وكانت للشاعر محمد المدسوس رغبة في الزواج من فتاة اسمها (فطيمة) وكانت شاعرة، ولكي تقنعه بعدم رغبتها في الزواج وأنها تود التفرغ لخدمة والدها المسن قالت على طَرق الهرموج:  
 
(البدع)
محمد المدسوس يا قاسي الراس (1)
يوم المحاجي اقربوها (2)
 
(الرد)
فطيمه ما تلمح الحيّ من الناس (3)
يا الله لها حوب ابوها (4)
 
معاني الكلمات:
 
(1) قاسي الرأس: الشجاع الصلب في المواقف الحاسمة. (2) المحاجي: متاريس الحرب، واقربوها: أي هيؤوها للحرب. (3) تلمح: تنظر وترجو، أي ليس لها رغبة في أحد. (4) حوب: حسب، أي أنها حسب تصرف أبيها وفي خدمته فقط.
 
المعنى العام:
 
الشاعرة هنا وصفت الشاعر محمد المدسوس بالشجاعة والصلابة وقت الحروب والشدائد، واعتذرت له بعدم رغبتها في الزواج منه أو من غيره؛ لأنها تود أن تتفرغ لخدمة أبيها الطاعن في السن، فرفضها للزواج ليس لِعيبٍ في المتقدم لها، وإنما لسبب أسري هو برها بأبيها ورغبتها في خدمته.
 
شارك المقالة:
92 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook