ماهي النقوش الصفوية بمنطقة الحدود الشمالية في المملكة العربية السعودية.
تتحدث النقوش الصفوية التي وجدت في المنطقة حول مدينة عرعر، والعويصي، ووادي الشاظي وبدينة، عن جوانب من الحياة الدينية والاجتماعية التي سادت في المنطقة. وهذه النقوش على درجة كبيرة من الأهمية لدارسي تاريخ منطقة الحدود الشمالية وآثارها، وذلك لانتشارها في أرجاء كثيرة من المنطقة، ولكونها المصدر الرئيس الذي يمد بمعلومات عن تاريخ المنطقة قبل الإسلام في ظل ندرة الآثار الشاخصة التي تنتمي إلى هذه الفترة. وقد وجد هذا النوع من النقوش مدونًا على الصخور في شمالي الجزيرة العربية في كل من: سورية والأردن وشمالي المملكة العربية السعودية. والتسمية لا تدل على اسم لقبيلة أو فئة من الناس تربطها رابطة سياسية، بل هي نسبة إلى حرة الصفا في سورية، وهي المنطقة التي عثر فيها على أقدم النماذج لهذه النقوش. ويبدو أن هذا الخط قد استخدمته قبائل متنقلة في صحارى المنطقة طلبًا للكلأ والماء.
وقد اعتنى بدراسة هذه النقوش في المنطقة عدد من الباحثين في الأعوام: 1389،1387،1412،1391،1390، 1424هـ / 1967،1969 ، 1991، 2003م
ومن خلال دراسة النقوش الصفوية يتضح وجود تشابه كبير بين أسماء المعبودات التي عرفت لدى الأنباط، وتلك الوارد ذكرها في النقوش الصفوية، حيث يذكر النقش (جرغ1أ) الذي وجد بالقرب من مدينة عرعر اسم المعبود (ذي الشرى)، عندما سجل (وتر) شوقه إلى (أرش) ويقرأ النص كما يأتي:
لوتر فتى أخي ابن قدم وتشوق إلى إراش بنت أخته وإلى حنان وإلى عم فيالات ويا دشر سلامًا وقبولاً لآل بلقي.
وفي نقش آخر يطلب مكول بن حديدان من دشر (ذي الشرى) أن يخلصه من شدة وقعت عليه.
لمكول بن حديدان وشتا (بهذا المكان) يا دشر خلاصًا
أما عبدليأ بن عرك فهو يطلب السلام من دشر (ذي الشرى) كما سجل ذلك في النقش الذي وجد في منطقة عرعر، ويقرأ:
لعبدليأ بن عرك بن جفيفة ذي آل آصر وولد فيالات ويا دشر سلامًا
ودشر هو المعبود الوثني (ذو الشرى) وهو صنم قيل: إنه كان لبني الحارث بن يشكر بن مبشر من الأزد ، وهو المعبود الرئيس لدى الأنباط، وقد ورد ذكره في نقوش البتراء ومدائن صالح وتيماء وسيناء، ويعده الرومان معبود العرب، وذكر أنه معبود الملك، ويصفه بعض العلماء بأنه معبود الأسرة الحاكمة النبطية التي تعتقد أنه هو الذي يفصل النهار من الليل، طبقًا لأحد نصوص الحجر الموسوم برقم (h2)
كذلك ورد ضمن النقوش الصفوية المنتشرة في المنطقة اسم المعبودة (مناة)، و (منت): هي الصيغة الصفوية لاسم المعبودة مناة المعروفة في المصادر العربية، كما أن التسمي بأسماء المعبودات كان أمرًا معروفًا لدى الصفويين، حيث ورد في النقش الذي كتبه شب بن مناة:
لشب بن (مناة) بن مرء يغوث بن وائلة وبنى على جحش
وتظهر مناة بكثرة في النقوش النبطية الشمالية، وقد ورد ذكرها ضمن نقوش الحجر التي تكتب على واجهات المقابر وتتضمن الحديث عن الملكية الشخصية للمقبرة وحقوق الدفن بها، كما تتضمن الإشارة إلى العقوبة واللعنة التي ستلحق بمن يتعرض للمقبرة، كما ورد في النقش (H19) عندما طلب صاحبه الطبيب كهلان أن تحل لعنة (ذي الشرى) و (مناة) على كل من يغير ما كتب على المقبرة، وقد ورد أيضًا ذكر مناة في نقوش أخرى في الحجر (H 31,34) . وقد ذكر ابن الكلبي أنها من أقدم الأصنام عند العرب، وأنهم كانوا يتسمون بها، فيقال: عبد مناة، وزيد مناة، وأنها كانت منصوبة على ساحل البحر بقديد بين المدينة ومكة .
كما ورد ضمن النقوش أيضًا اسم (ود)، حيث ذكر في أحد النقوش الصفوية أن قبرًا قد بناه ود بن غوث:
لود بن غوث بن محارب وبنى قبرًا
وود اسم لصنم معروف ورد ذكره في القرآن، وقد ذكره ابن الكلبي بقوله: "واتخذت كلب ودًا بدومة الجندل"
كما ورد ذكر (اللات) في عدد من النقوش؛ إذ ورد تارة لطلب السلام كما في النقوش (جرغ 10،27،106) ارة أخرى لطلب الغوث (ج ر غ 30) ، وثالثة لطلب السلام والقبول (ج ر غ 53، 78)
وقد عَبدَ الأنباط اللاتَ، وهي معبودة عرفت في البتراء، وإذا صحت نتائج الدراسات التي أجريت في معبد الأسد المجنح في البتراء فإن اللات قد تكون المعبودة الرئيسة في المدينة حيث تمت مقارنتها بأفروديت، وهي قرينة (ذي الشرى) الرئيسة كما في النقوش الصفوية. كما ورد ذكرها في نقوش مدائن صالح (16H) وفي حوران وفي نقوش بصرى، وكانت مشهورة ومنتشرة في شمال المنطقة العربية بأسرها كما في النقوش اللحيانية أيضًا