لقد نشأت المدن اليمنية في مناطق توافرت فيها كل المقومات الطبيعية اللازمة للحياة والاستمرار، فأقيمت المدن في القيعان وعلى سفوح الجبال والوديان الشرقية وعلى السهول الساحلية، كما برزت مدن أخرى أقيمت في قيعان المرتفعات الغربية عندما انتقل الثقل السياسي إليها، بفضل انتعاش الملاحة البحرية.
وينبغي الإشارة إلى أن هناك مدناً قامت على القيعان والأودية الداخلية تزامن بناؤها مع تلك المدن التي أنشئت على أطراف الأودية الشرقية، إن لم تكن أقدم منها، فقد كشفت البعثات الأثرية عن مدن قامت على المنحدرات الشرقية للمرتفعات الغربية يرجع تاريخها إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، كما يطلق على المدينة اليمنية القديمة لفظ (هجر أو هجرن)، حيث تردد هذا الاسم في كثير من النصوص النقشية.
لقد دلت الآثار المعمارية التي بقيت شاخصة تقاوم عوادي الزمن والإنسان أو تلك التي كشفت عنها التنقيبات الأثرية عن تفاعل إيجابي بين المعمار اليميني القديم وبين البيئة المحيطة به وعناصرها الأساسية، حيث كانت مادة البناء تلعب دوراً أساسياً في تحديد شكل وحجم ووظيفة المبنى، فضلاً عن مدى توافرها وعملية الحصول عليها وطريقة تصنيعها وملاءمتها للظروف المناخية.
حيث نجد أن المعماري قد استخدم ما توفر في بيئته من مواد الإنشاء كالأحجار بمختلف أنواعها والآجر واللبن والخشب بشكل واسع بعد أن طوقها وفقاً لظروف البيئة والمناخ، فبقليل من الجهد والابتكار استطاع أن يتغلب على كثير من المعضلات الفنية والهندسية التي كانت تواجهه أثناء عملية البناء المستمرة خاصة.