إذا نظرنا إلى المشكلات المختلفة التي تعترض نجاح المؤسسات، وإلى العقبات الإدارية التي تعرقل مسيرة نجاحها، فقد نجد أن حل كثير من هذه المشكلات يكمن في الحاجة إلى المدير المنصت ، فالصورة التقليدية للمدير الذي يديم الحديث منفردًا، ولا يسمع إلا صوت نفسه لم تعد ذات جدوى في الحقبة الراهنة التي تخضع لتغيرات جذرية اقتصاديًا، واجتماعيًا، وسياسيًا.
إذا اتبع المدير استراتيجية الصمت/الكلام في الوقت المناسب؛ أي أن يصمت وقتما يكون الصمت واجبًا، ويتكلم عندما يكون الكلام ضروريًا، فسيجني من وراء هذه الاستراتيجية العديد من المزايا.
ولعل أبرز هذه المزايا وأهمها هو أن موظفيه ومرؤوسيه سيثقون به ثقة كبيرة، ناهيك عن أن هذا المدير المنصت سيكون أكثر دراية ودراسة للمشكلات التي تعترض المؤسسة، وبالتالي سيكون الأقدر على حلها، فهو ذاك الشخص القادر على التنبؤ بالمشكلات قبل وقوعها، وبالتالي سيحاول تلافيها قدر الجهد والمُستطاع.
إن المدير الصامت (أي ذاك الذي يحسن استخدام الاستراتيجية التي أشرنا إليها أعلاه) سيكون أولاً، راغبًا في تلقي المعلومات؛ فهو يعلم أن هذه المعلومات هي ذخيرته الحية لمواجهة المشكلات ومحاولة حلها، كما أنه سيكون أكثر انتباهًا؛ لأنه لا يشوش على نفسه بكلام لا جدوى ولا طائل منه، ناهيك عن أنه، وهذا هو الأهم، سيكون قادرًا على تلقي المعلومات وتاليًا استخدامها بشكل جيد.
يخلق المدير المنصت، ودون أن يدري، بيئة عمل مثالية؛ فكونه محبًا لتلقي المعلومات سيجد نفسه منفتحًا على كل الآراء، وبالتالي سيشعر كل فرد من أفراد الشركة أو كل فرد من موظفيه بالحرية التامة في أن يقول ما يريد.
صحيح أن الرغبة في التعلم وتلقي المعلومات كامنة وموجودة لدينا جميعًا، لكن المنصتين وحدهم هم من يمكنهم استخدام هذه الرغبة الاستخدام الأمثل، والمدير الصامت يدرك جزمًا أن هؤلاء الآخرين هم مصدر معلوماته، وبالتالي سيشعرهم بالاحترام والتقدير، وهذا وحده كافٍ لإنجاح خططه الإدارية، وبالتالي الدفع بالشركة قُدمًا.
إن الذي اقتنع قناعة تامة بأن الآخرين هم مصدر معلوماته، وأن نجاحه معتمد على سماع كلماتهم، سيجد نفسه، طوال الوقت، منتبهًا لما يُقال، ويزن كل كلمة من هذه الكلمات بميزان دقيق، ليس هذا فحسب، بل ستراه يحاول دائمًا تعديل الطريقة التي يتلقى بها المعلومات من الآخرين؛ أملاً في الحصول على أكبر قدر من هذه المعلومات.
يقع بعض المدراء المنصتون في فخ الانتقائية، أي أنهم ينتقون من كلام الآخرين فقط ما يصادف هوى في أنفسهم، وهذه الطريقة تفقدهم الكثير من المعلومات التي قد تكون أهم من تلك التي يرغبون/ ينتظرون سماعها، بل الأكثر من هذا أنها تفقدهم احترام مرؤوسيهم، بل قد يشعر الموظفون بأنهم عُرضة لسوء استخدام من نوع ما.
إن الطريقة المثالية في الإنصات أن يعطي المدير لنفسه الفرصة الكافية لسماع القصة كاملة وبكل تفاصيلها، دون تقييم الكلام ولا المتكلم، ثم يعطي رد الفعل المناسب لهذه المعلومات التي تلقاها لتوه، غير هذا لن يكون لإنصاته جدوى.
إن تلقي المعلومات في حذ ذاته ليس كافيًا بل ليس هو المطلوب، إنما هو مجرد أداة أو ذريعة لاتخاذ القرار الصحيح، المبني على هذه المعلومات.
ولكي تحفز الآخرين على التحدث معك، وتزويدك بما تحتاجه من معلومات وتفاصيل حول عملك الحالي؛ فعليك أن تشعرهم بأهمية هذه المعلومات، وبتقديرك لهم، ففي هذه الحالة سيثقون في أنك تستخدم هذه المعلومات بشكل جيد، وأن جهودهم ستسفر في نهاية المطاف عن الدفع بالشركة إلى الأمام، وهو ما سيصب في مصلحة الجميع فيما بعد.