الحجّ رُكن من أركان الإسلام، وهو فرضٌ على المسلم المستطيع مرّة واحدة في العمر؛ قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، وقد اتّفق الفقهاء على فرضيّته؛ لورود الأدلّة على ذلك في الكتاب، والسنّة؛ ففي فرضيّته مرّة واحدة في العمر قال -صلّى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ قدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ، فَحُجُّوا، فَقالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يا رَسولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حتَّى قالَهَا ثَلَاثًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لو قُلتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَما اسْتَطَعْتُمْ)، وقد يكون الحجّ واجباً على المسلم أكثر من مرّة، كأن ينذر أن يحجّ، وبذلك يجب عليه الوفاء بالنَّذْر، وقد يكون الحجّ مُحرَّماً عليه، كأن يخرج إلى الحجّ بمالٍ حرام، وقد يكون مكروهاً، كأن يخرج إليه وأبواه في حاجة إلى مَن يخدمهما، ونحوه.
وردَت عدّة أقوال في العام الذي فرض الله -تعالى- فيه الحَجّ، ومنها أنّه فُرِض في العام الخامس من الهجرة وممن نقل ذلك أبو الفرج الجوزي، وعلى الرغم من أنّه فُرِض في العام الخامس من الهجرة، إلّا أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- خرج إلى مكّة في العام السابع للهجرة؛ لقضاء العمرة، وخرج في العام الثامن إلى مكّة؛ فاتحاً، وبعثَ في العام التاسع قافلةً؛ للحجّ، وجعل عليها أبا بكر الصدّيق -رضي الله عنه- أميراً، إلّا أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حجّ في العام العاشر من الهجرة؛ أي أنّه أخَّرَه مدّة، ولم يخرج إلى الحجّ على الفور، وقِيل إنّ الحجّ فُرض سنة ستٍّ للهجرة وممن نقل ذلك النووي، وقِيل سنة ثمان وممن قال بذلك ابن الرفعة، وقِيل في العام التاسع وممن قال بذلك الماوردي، وقِيل في العاشر وممن قال بذلك الإمام ابن قيم الجوزيّة، كما وقِيل إنّه فُرِض قبل الهجرة وقال بذلك الجويني في كتاب نهاية المطلب.
وقد بيّن ابن عثيمين أنّ الحجّ فُرِض في العام التاسع من الهجرة؛ لأنّ مكّة كانت قبل ذلك تحت ولاية المشركين، وعندما فتح المسلمون مكّة في العام الثامن، مكثوا في مكّة شهر رمضان وأوائل شهر شوّال، ثمّ خرجوا لقتال ثقيف، وانتهى القتال في شهر ذي القعدة، فلم يُفرَض الحجّ إلّا في السنة التاسعة من الهجرة، وقد استدلّ من قال بهذا القول بأنّ آية وجوب الحجّ في القرآن الكريم نزلت في عام الوفود؛ أي في العام التاسع من الهجرة، وهي قوله -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا).
الحجّ رُكن عظيم، وطاعة جليلة فَرَضها الله -تعالى- على عباده، وجعل فيها العديد من الحِكَم والمنافع العديدة، والتي يُذكَر منها ما يأتي:
موسوعة موضوع