يعرِّف العلماء القرآن الكريم على أنّه كتاب الله سبحانه وتعالى المُنزّل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف والمنقول بالتواتر الخالي من الشبهة، وهو عند عامّة أهل العلم يشمل النظم والمعنى، وقد سمّى الله تبارك وتعالى القرآن بالكثير من الأسماء، فمنها الكتاب، ومنها الفرقان، ومنها الذكر، والموعظة، والرحمة، والشفاء، والهدى، والنور، أمّا اسم المصحف فقد كان أوّل من أطلقه على القرآن الكريم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما جمعه، فالمصحف هو ما جُمع فيه القرآن الكريم، ويُعدّ القرآن الكريم الأصل الأول من أصول الشريعة الإسلامية، وهو حجّةٌ بكلّ الأحوال، لأنّ حجية غيره من المصادر إنّما تَثبُت به وتُبنى عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم إنّما يخبر عن الله عز وجل، وقد صار قوله عليه السلام حجةً بما ورد في القرآن الكريم من قول الله تعالى (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وكذلك أصل الإجماع وأصل القياس.
ويتميز القرآن الكريم بعددٍ من الخصائص، منها أنّه محفوظٌ من التحريف بالزيادة أو النقصان ومن الضياع كذلك، فقد تولّى الله عز وجل مهمّة حفظه بنفسه، وقد هيّأ لحفظه أسباباً كنزوله في أمّة معتادة على الحفظ، فالعرب منذ القدم معتادون على حفظ القصائد والخطب الطويلة، كما هيّأ في الأمّة علماء مجتهدين في حفظه وتعليمه لأبنائهم وتلاميذهم، وهم مقبلون على تدارسه، وكتابته، ونقله بأسانيد متصلة، ولذلك فأئمة القرّاء من عصر الصحابة إلى هذا اليوم كُثر، وممّا حفظ الله سبحانه وتعالى به كتابه جعله سهلاً مُيّسراً للحفظ، ويدلّ على ذلك كثرة الحفاظ للقرآن الكريم، ومن خصائص القرآن الكريم أيضاً أنه خاتم الكتب السماوية وآخرها، وهو المهيمن عليها، أي الحاكم على ما فيها، فما وافقه كان حقاً وما خالفه فإمّا أن يكون منسوخاً، وإمّا أن يكون مُحرّفاً باطلاً، كما أنه يحفظ ما فيها من أصول الشرائع وينسخ غير المحكم منها، ويختصّ القرآن أيضاً بكونه كتاباً معجزاً، تحدى الله سبحانه وتعالى به الإنس والجن، كما يختص ببلاغته وجمال أسلوبه إلى درجة عدم حصول الملل بتكراره وتلاوته.
نزل القرآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام منجّماً، أي مفرّقاً لا مجتمعاً، واستمرّت مدة نزوله ثلاثاً وعشرين سنة، قال الله تعالى في ذلك (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلً)، وكان جبريل في كلّ عامٍ يعرض القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة، إلّا في عام وفاته فقد عرضه عليه مرتين، وقد قال الإمام ابن كثير رحمه الله في ذلك أنّ المراد من عرض جبريل عليه السلام القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم مقابلته بما أوحاه إليه عن الله عز وجل، فيُبقي على ما بقي ويُذهب ما نسخ توكيداً، أو استثباتاً وحفظاً، وفي نزول القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفرّقاّ حكمٌ عديدة، وفيما يأتي بيانها:
لم يكن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من آيات القرآن الكريم مقدارٌ ثابتٌ في كلّ مرة، فأحياناً تنزل آيةٌ واحدةٌ فقط، وأحياناً تنزل بعض آية، وتارةً تنزل خمس آياتٍ معاً كما حصل في الآيات الخمس الأولى من سورة الضحى، وتارةً تنزل عشرُ آياتٍ دفعةً واحدة كما حصل عند نزول آيات حادثة الإفك في سورة النور، وكما نزلت العشر آياتٍ الأولى من سورة المؤمنون أيضاً، كما نزلت بعض السور كاملةً دفعةً واحدة، كسورة الفاتحة، وبعض قصار السور، ونزلت المعوذتان معاً أيضاً.
موسوعة موضوع