مذكرة الألم

الكاتب: المدير -
مذكرة الألم
"مذكرة الألم

 

حين أُصيبت صديقتي بوعكة صحية مؤلمة، أرسلت لها مذكرتي التي كلما حاصرني اليأس وازدحمت في قلبي المشاعر، فتحتُها وقرأتُ ما فيها من كلمات؛ لتحيي الأمل في قلبي وتجدِّده، ولَمَّا كان لوقْع هذه الأحرف في صدري وصدرها وقعُ العافية للمريض، والغيث الهنيء للأرض القاحلة، رأيت أن أَطرحها للجميع؛ لتكون بلسمًا شافيًا للألآم التي تسكن في القلوب، فيُبددها بفضل الله ولطفه، جمعتُها من كتابات واقتباسات متفرقة، جزى الله كل من كتب فيها حرفًا خير الجزاء.

 

تمر بي ليال شديدة وسنوات عجاف، تفتقر روحي خلالها إلى شيء يعيد لها البهجة والسرور، أجاهد فيها لأن أبتسمَ، أشعر أنني أبقى على قيد الحياة بصعوبة، ثم أقرأ: إن هذا لرزقنا ماله من نفاد،فأشعُر أن الله تعالى بلطفه يرعاني دائمًا، وأن هناك من يقوِّم اعوجاجَ طريقي، ويرشدني حيث الأمان، ويوجهني إلى مصدر النور والطمأنينة، لذلك كلما أعياكِ همُّكِ يا صديقتي وخُيِّل إليك أن أبواب الحلول مغلقة، ونوافذ الفرج مؤصَدة، امسحي على قلبك بقوله تعالى: ? قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ? [الأنعام: 64]، فـ? اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ? [الزمر: 62]، سيخلق لك كل ما هو خيرٌ لك، سيخلق لك اليسر كما خلق العسر: ? إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ? [الشرح: 6]، مع وليس بعد، طمئِني قلبك، فالله أرحم مِن أن يجعل الأحزان فوق قلبك مُتتابعة، الفرج قادم لا محالة بإذن الله، لقد قال سبحانه: ? وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ? [البقرة: 155]، ووعده حق، ? وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ? [الكهف: 45]، ضعي في ذهنك أنه أثناء حزن يعقوب عليه السلام، كان هناك من يرعى يوسف عليه السلم؛ ليكون ملكًا، لعل الله سبحانه حين أخَّرها عليكِ، أرادها أجمل مما لو جاءتْ باكرًا، دائما يا صديقتي اسْتَقْبِلي أقْدَارك بنفسٍ راضية، فاللهُ يعلمُ وأنتم لا تعلمون، وتوكلي عليه، ‏ ? وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ? [آل عمران: 122]؛ لأن التوكل على الله ليس خيارًا؛ إنه فريضةُ الحياة فليس من حق القلب أن يعتمدَ على أحد، أو يتعلَّق بشيء سوى الله.


يا رفيقة القلب، لقد كان موسى عليه السلام أفضل إنسان في ذلك الزمان، وكانت مهنته الرعي، إن لم يفتح لك الله من الدنيا، فليس معناه أنكِ لستِ بعزيزة عنده، فإنه سبحانه وتعالى إذا أراد شيئًا سيصنعه لكِ ولو توقَّعته مستحيلًا، لقد كان سيدنا موسى يستخدم عصاته للغنم: ‏ ? وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي ? [طه: 18]، فجعلها الله آية من الآيات التي لا تنسى، وتذكري أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.


هل فكرتِ يومًا بما شعرت به السيدة مريم عليها السلام في ذلك اليوم العصيب؟! ? فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي ? [مريم: 24]، الفرح قد يأتيكِ من جهة الألم، أحسني ظنكِ بربك فيكفيكِ ما أهمَّك!


لا يَهولنكِ واقعك أبدًا يا رفيقتي، فقد يفصلكِ عن الفرج لحظة، ففي قصة سيدنا موسى عليه السلام ليلة باردة، وتيه في الصحراء، قبيل لحظات فقط مِن تكليم ? جل جلاله له!


لا تحزني يا صديقتي، فالحُزن لا يغير شيئًا ولا يحل أمرًا، فقط يُفسد حياتك، ويجعلك واقفة في نفس المكان، حاربِيه بحُسن الظن بالله، وضَعيها قاعدة في حياتك أن الله جل جلاله الذي خلق الكون بصغيره وكبيره أتظنين أنه ينسَاك؟


يا صديقتي، كل الأحزان والدموع التي على خديكِ الآن أرجو أن تكون في موازين حسناتك، فرفقًا بقلبكِ، وتذكري ? وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ? [الأعراف: 156]، ومهما كان ثقيلًا ما تمرين به، يبقى له أمدٌ ومقدار، فلا تعطيه أكثر من وقته ولا أكبر من حجمه!


يا جميلة الروح، إن الله تعالى لا يبتليك بشيء إلا به خيرٌ لك، حتى وإن ظننتِ العكس، فالحنين ابتلاء، والفِراق ابتلاء، والمرض ابتلاء، والموت ابتلاء، كل أمر يزعجكِ ويعكِّر صفو حياتك ابتلاء، لكن ? أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ? [الزمر: 36]، هل عندك شك في ذلك؟!

 

وحده الله يسمع، ويعلم، ويفرج، ويبسط، ويرزق، ويستجيب، سيعوِّضكِ الله، ويعطيكِ الله، ويغنيكِ عن كل العباد، ويجبر قلبكِ، ولا يفهمكِ ويفهم ضَعفكِ وقلَّة حيلتكِ إلا الله، فعليكِ أن ترجي من الله ما لم يتوقَّعه عقلك، ‏فالفرج يأتي في أحلك الظروف، في اللحظة التي تسبق يأسكِ بقليل: ? إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [فصلت: 39]،‏ وإذا جاءكِ اليأس ليحدِّثكِ عن المستحيل؛ فحدِّثيه عن قدرة ربِّ العالمين؛ قال تعالى: ? إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ? [يس: 82]، إن موسى الرضيع عليه السلام لم يغرق وهو في قمة ضَعفه، وغرق فرعون وهو في قمة جبروته، سلِّمي أمرَكِ للخالق، واطمئني فلن يُصيبك إلا ما كتبه الله لك.


‏لا تقولي: كيف سيحدث المستحيل؟! فعندما قالها زكريا ومريم عليهما السلام، كان الرد ‏ ? هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ? [مريم: 9]، ألم تستشعري قدرة الله هنا: ? وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ? [طه: 105]، فكيف بهمِّك الصغير؟!
‏كم من همومٍ وآلامٍ كنا نظنُّ أنها استوطنت فينا، أزالها الله رغم ظنوننا! يا صديقتي، لا تتركي الدعاء الزَميه، وثقي أن الدعاء يغيِّر مجرى القدر.


هل تظنين يا صديقتي أنك تَحُطين رَحلك ببابِ اللهِ ثُم ترجعين خائبة؟! يا صديقتي حين تأوين إلى الله، فإنك تأوين إلى ركن شديد، تَحسَّسي لُطف الله في كل تأخيرٍ لمطلوب ترجينه، وفي كل حدثٍ صادف، وفي كل أمرٍ مُيسَّر، وفي جلِّ أمرك، وكم لله من لطفٍ خفيٍّ غابَ عنه إدراكُك.


إن الله يُعطيكِ ما دام قلبك لم يَملَّ الطلب، وإن كرمَ الله أوسعُ من خيالك، وأرحبُ من أمانيك.

 

هل تدعين الله كثيرًا وتطلبين تحقيق أُمنيتك، لكنها طالت؟ لا تحزني ولا تيئسي ولا تُحبَطي، ثقي دائمًا أن طلبكِ ودعاءك وخضُوعك، لا يذهبُ سدًى، فدُعاء المؤمن لا يُرد، سيُستجاب أو سيُدفع عنكِ به بلاء، أو يؤخَّر لكِ في الآخرة، لا تقنطي أبدًا.


‏صدقيني سيَستجيب الله سبحانه، فالله الذي فرَّج كُرباتك الكثيرة في سنينٍ طويلة، الله الذي علَّمكِ كيف يطمئن قلبكِ وكيف تسعدين، سيعطيك ما يناسبك ويرضيكِ.


وفي الختام، قولي لكل ما يصيبك: ? أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ? [التين: 8]، حينها ترتاح نفسك وتهدأ، لن تضيق بكِ الحياة ما دُمتِ تعبدين ربًّا، قال في كتابه: ? وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ? [الأعراف: 156]، في أمان الله يا رفيقة الروح.


"
شارك المقالة:
24 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook