تعد السنة الأولى من حياة الطفل من اللحظات الجميلة والرائعة التي يعيشها الوالدين مع أطفالهم، فخلال الأشهر الأولى بعد ولادته سيعتمد الطفل الرضيع بشكلٍ تامّ على والديه في الحصول على الرعاية وتلبية احتياجاته، وفي غضون 12 شهراً سيبدأ المولود الجديد بالتأقلم مع العالم الجديد، وسيتحول إلى طفل صغير يبدأ بالمشي والحديث وتظهر عليه العلامات الأولى من الاستقلال، ومن المُثير للدهشة أنّ معدل نمو الأطفال خلال السنة الأولى من حياتهم يكون سريعًا، بما في ذلك التغييرات الملحوظة على زيادة الطول والوزن، ويمر الأطفال أيضًا بمراحل تطور وإنجاز رئيسية، والتي يشار إليها بمصطلح المعالم التطورية (بالإنجليزيّة: Developmental milestones).
يعرف عادةً مصطلح النمو البدني (بالإنجليزيّة: Physical growth) على أنه زيادة في حجم الجسم؛ مثل الطول أو القامة، والوزن، وفي حجم الأعضاء، ومن الجدير بالذكر أنّ معدل نمو الأطفال منذ الولادة حتى بلوغهم السنة أو السنتين يكون سريعًا ومُلاحظًا، ثم يبدأ نموهم بالتباطؤ، وتقلّ حاجة الطفل من السعرات الحرارية وقد يلاحظ الوالدان انخفاضًا في شهية الطفل.
في الحقيقة، معظم الأطفال حديثي الولادة والذين يتمتعون بصحّة جيدة تزداد أوزانهم إلى نحو الضعف عندما يبلغون الأربعة أشهر الأولى من حياتهم، وتكون أوزانهم قد ازدادت بنحو ثلاثة أضعاف عند بلوغهم السّنة من العمر، وتجدر الإشارة إلى أنّ كل طفل ينمو وفق سرعةٍ خاصّة به، وقد تحدث أيضًا تقلبات وتغيرات نمو لدى الطّفل تتمثل بتغير سرعة زيادة الوزن، لهذا السبب قد لا يبقى الطفل ضمن نفس الرتبة المئوية (بالإنجليزية: Percentile) للوزن أو الطول في كلّ مرة يتم إحضاره فيها إلى الطبيب، وفي حال كان الطفل ذو حجمٍ كبير عند الولادة -أيّ أعلى من المدى الطبيعي للوزن- فمن المحتمل أن ينمو ببطء شديد خلال الأشهر القليلة الأولى، ومن المحتمل أن يُصبح وزنه قريباً من وزن الأطفال الآخرين في سِنّه بحلول ستة الى ثمانية أشهر من عمره، أمّا إذا كان الطفل صغير الحجم بسبب الولادة المُبكرة، فقد يصِل إلى الوزن الطبيعي خلال السّنة الأولى من حياته، ويُمكن القول أنّ أفضل طريقة لتتبع نمو الطفل وزيادة وزنه تتمثل بزيارة الطبيب بشكلٍ دوري بحيث يتضمّن ذلك إخضاع الطفل لفحوصات منتظمة لتسجيل المؤشرات المُرتبطة بنمو الطفل والتأكد من صحّة نموه، ويتضمّن ذلك قياس وزنه، وطوله، ومحيط رأسه، بحيث تتمّ مُقارنة القياسات مع مخططات النمو القياسية.
يتم قياس طول الأطفال الصغار الذين لا يستطيعون الوقوف بوضعهم على سطح مستو في وضعية الاستلقاء على ظهورهم، وغالباً ما يتم استخدام جهاز قياس الطول مُخصّص لذلك؛ مثل طاولة قياس الطول المعروفة بستاديومتر أو مقياس المنحنيات (بالإنجليزية: Stadiometer)، أما بالنسبة للأطفال الذين يستطيعون الوقوف فيتمّ قياس الطول لديهم باستخدام جهاز القياس الرأسي (بالإنجليزية: vertical measuring scale)، وفي الحقيقة يختلف مدى الزيادة الطبيعية في أطوال الأطفال من فئةٍ عمرية إلى أخرى، فعلى سبيل المثال؛ يزداد طول الطفل الرضيع بشكلٍ طبيعي بنحو 30% ببلوغه عمر 5 أشهر وأكثر من 50% ببلوغه السنة، وبشكلٍ عامّ يكتسب الطّفل الرضيع حوالي 25 سنتيمتر خلال السنة الأولى من العمر، ويبلغ طوله عند إتمامه الخمس سنوات ضعف طوله عند الولادة.
يُمكن تعريف محيط الرأس (بالإنجليزية: Head circumference) على أنه قياس محيط أكبر مساحة لرأس الطفل، ويُعدّ هذا القياس من الفحوصات الروتينية المهمّة، إذ يعكس حجم الرأس حجم الدماغ، وهذا بحدّ ذاته يُتيح للأطباء معرفة ما إذا كان دماغ الطفل ينمو بمعدلٍ طبيعي أم لا، وتتم عملية أخذ القراءة بعد وضع شريط القياس فوق الحاجبين والأذنين وحول الجزء الخلفي من الرأس، ويقوم الطبيب بتسجيل القياسات ومقارنتها مع القياسات السّابقة، ومع القراءات الطبيعية للأطفال من نفس العمر، وفي حال كان قياس محيط الرأس أعلى من الطبيعي أو ازداد حجم الرأس بشكلٍ أسرع من المعتاد فقد يدل ذلك على وجود بعض المشاكل الصحية، بما في ذلك تراكم السوائل في الدماغ وهو ما يسمى بالاستسقاء الدماغي (بالإنجليزية: Hydrocephalus)، أمّا في الحالات التي يكون فيها قياس محيط رأس الطفل أقل من الطبيعي أو يكون معدل نمو الدماغ بطيء فقد يدل ذلك على وجود هناك خلل في نمو الدماغ ويطلق على هذه الحالة مصطلح صغر الرأس (بالإنجليزية: Microcephaly).
تبدأ الأسنان بالظهور لدى معظم الأطفال ببلوغهم عمر الستة أشهر، بحيث تكون الأسنان الأمامية السفلية أو ما تُسمى بالقواطع المركزية الأمامية السفلية (بالإنجليزية: Bottom central incisors) هي أول ما يظهر في فم الطفل، وكقاعدة عامة، لكلّ ستة أشهر من عمر الطفل يبزغ حوالي أربعة أسنان، وفي معظم الأحيان يتضمّن نمو الأسنان خلال السّنة الأولى من عمر الطفل تطوّر القواطع المركزية والجانبية فقط، وبشكلٍ عام يحدث بزوغ الأسنان عند الفتيات في وقتٍ أبكر مُقارنةً بالذكور.
يُمكن تعريف ردّ الفعل (بالإنجليزية: Reflexes) على أنّه استجابة لمُحفز أو حركات تحدث بصورةٍ لا إرادية، ويُمكن ملاحظة بعض الحركات العفوية والتي تحدث كجزء من النشاط الطبيعي للطفل، أمّا ردود الفعل الأخرى فقد تحدث كاستجابة لبعض الإجراءات، ويقوم الطبيب بفحص ردود الفعل للطفل لتحديد ما إذا كان الدماغ والجهاز العصبي يعملان بشكلٍ جيدٍ أم لا، ومن الجدير ذكره أنّ بعض ردود الفعل ينحصر حدوثها في فتراتٍ مُحدّدة من نمو الطّفل، وفيما يأتي ذكر لبعض ردود الفعل الطبيعية التي تظهر عند الأطفال حديثي الولادة:
يُساعد ردّ فعل التقام الحلمة أو المنعكس التجذيري (بالإنجليزية: Rooting reflex) حديثي الولادة في عملية الرضاعة؛ سواء أكانت الرضاعة طبيعية أم بواسطة زجاجة الحليب، حيثُ يقوم الطفل الرضيع بتحريك رأسه باتجاه أيّ شيء يلامس طرف فمه حتى يعثر عليه، وفي الغالب يستمر هذا النّوع من ردود الفعل حتّى الشهر الرابع من عمر الطّفل.
كما ذكرنا سابقاً يُساعد ردّ فعل التقام الحلمة الطفل في عملية الرضاعة، وبشكلٍ تلقائي عند لمس سقف فم الطفل، سيبدأ الطفل بالامتصاص، ويُعرف ردّ الفعل الذي يُمكّن الطّفل من الاستعداد للمصّ علميًا بمصطلح ردّ فعل المصّ المنعكس أو المص الانعكاسي (بالإنجليزية: Sucking reflex)، ويبدأ تطوّر هذا النّوع من ردود الفعل خلال الأسبوع الثاني والثلاثين من الحمل، ولا يتطوّر بالكامل حتّى بلوغ الأسبوع السادس والثلاثين من الحمل، لذلك يكون الأطفال الذين يولدون ولادةً مُبكرة ذو قدرةٍ ضعيفة أو غير ناضجة على مصّ الحليب، ويُمكن القول أنّ الأطفال لديهم أيضاً رد فعل منعكس اليد نحو الفم (بالإنجليزية: Hand-to-mouth reflex) يتماشى مع التقام الحلمة والمصّ، وقد يمتصّ الطّفل الأصابع أو اليدين، وفي بعض الأحيان يُمكن رؤية الجنين وهو يمتص إبهامه أثناء إجراء التصوير بالموجات فوق الصوتية.
يُساعد رد فعل مورو (بالإنجليزيّة: Moro reflex) بمُراقبة ردور فعل الرضيع؛ مثل حركات التمدد والانحناء عند تعريضه للمؤثرات الخارجية، وللكشف عن امتلاك الطفل هذا النّوع من ردود الفعل يقوم الطبيب برفع رأس الطفل بلطف ثم يتم إطلاق الرأس فجأة، وينبغي على الطبيب دعم الرأس بعد إطلاقه، وتكون الاستجابة الطبيعية للطفل هي قيامه بفتح يديه وتمديد أطرافه العلوية، يليه انحناء الأطراف العلوية للأمام بوضعية تُشبه الاحتضان بالإضافة إلى بكاء الطفل المسموع، ويزول هذا النّوع من ردود الفعل عادةً بعد ثلاث أو أربع أشهر من عمر الرضيع.
يحدث رد فعل القبض الراحي أو منعكس التشبث بالأصابع (بالإنجليزية: Grasping reflex) عندما يتم وضع الإصبع أو أيّ جسم آخر في راحة يد الرضيع المفتوحة، ستنقبض يد الرضيع حول الشيء أو الإصبع، وعند محاولة إزالته فسيترتب على ذلك زيادة إحكام الطّفل قبضة يده، وتجدر الإشارة إلى امتلاك الرُضّع حديثي الولادة قبضة قوية، ويُمكن مُلاحظة ذلك عند محاولة رفعه إذا أمسك الطّفل إصبعي الشخص بكلتا يديه.
يحدث المنعكس الطفولي غالانت المعروف أيضًا بمصطلح منعكس غالانت (بالإنجليزية: Galant reflex) عندما يقوم الطبيب بوضع الطفل الرضيع على بطنه ومن ثم يبدأ بالنقر أو تمرير إصبعه على جانب العمود الفقري للرضيع، وهذا ما يُسبّب انحناء الرضيع الجانبي باتجاه الموضع الذي تمّ تحفيز، بحركةٍ مُشابهة لحركة الرقص.
يُمكن ملاحظة منعكس الهبوط المفاجئ أو منعكس المظلة أو رد فعل المظلة الانعكاسي (بالإنجليزية: Parachute Reflex) في الرضع الأكبر سنًّا، عندما يتمّ حمل الطّفل في وضعٍ مستقيم ومن ثمّ تدوير جسم الطفل بشكلٍ سريع ليهبط نحو الأرض كما هو الحال في وضعية السقوط، وتكون ردة فعل الطّفل في هذه الحالة بمدّ ذراعيه إلى الأمام كما لو كان يتفادى السقوط، ويجدر بالذكر أنّ هذا النّوع من ردود الفعل يظهر قبل وقتٍ طويل من المشي.
يبدأ الطفل غالباً في تطوير العديد من المهارات خلال السّنة الأولى من عمره والتي سيستخدمها بقية حياته، ويجب التنويه إلى أنّ معدل التطوّر يختلف من طفلٍ لآخر، فقد يُصنّف الكثير من الأطفال ضمن الفئة الطبيعية بالرغم من تخلّفهم عن الآخرين بشكلٍ قليل في اكتساب بعض المهارات، وقد تتضمّن هذه الفئة أيضًا أفرادًا مُتقدمين على الآخرين بنواحٍ مُعينة، ومن الجدير بالذكر أنّ الأطفال الذين يولدون ولادةً مُبكّرةً لا يتبعون أُسس تطوّر الأطفال الذين ولدوا في الفترة المُقررة لذلك، فمن المُحتمل أن يستغرق الأطفال الذين وُلدوا قبل شهرٍ واحد من موعد ولادتهم شهرًا إضافيًا للحاق بأقرانهم. ويُمكن بيان أبرز المهارات فيما يأتي:
يقتصر الاهتمام بالطّفل في بداية حياته على إرضاعه، وتغيير الحفاضات له، وتهدئته في حال بدأ بالبكاء، ولكن سرعان ما يبدأ الطفل بالنمو والتطور واكتساب المهارات خلال فترة حياته، وهذا ما يستلزم تقديم المزيد من الرعاية، وفيما يأتي بيان لأبرز المهارات التي سيبدأ الطّفل باكتسابها منذُ الولادة وحتى ثلاثة شهور منه عمره:
يعتمد الأطفال في بداية حياتهم على البكاء كوسيلة تواصل بينهم وبين الأمهات، فقد يكون بكاء الطفل مؤشرًا على شعوره بالانزعاج، أو الجوع، أو الألم، أو بهدف لفت الانتباه، ويصِل معظم الأطفال حديثي الولادة إلى ذروة البكاء في حوالي الأسبوع السادس من حياتهم، ومن ثمّ يبدأ بكاؤهم بالانخفاض، وعند بلوغهم عمر الثلاثة أشهر قد يبكي الأطفال عادةً بما مجموعة حوالي 60 دقيقة في اليوم الواحد، ومن الجدير بالذكر بكاء بعض الأطفال أكثر من غيرهم، وقد يكون ذلك دلالة على إصابتهم بالمغص (بالإنجليزية: Colic)، ويتّسم البكاء في حالات المغص ببدئه وانتهاء دون سبب واضح لذلك، واستمراره لمدة ثلاث ساعات على الأقل في اليوم، بحيث يحدث على مدى ثلاثة أيام على الأقل في الأسبوع، ويستمر لمدة ثلاث أسابيع إلى ثلاث شهور، وكثيراً ما تشعر الأم بشيء من الإحباط والإرهاق حين تجد صعوبة في تهدئة طفلها، ولكن بمجرد حمل الطفل فقد يشعر بالأمان والطمأنينة، وتعدّ هذه الطريقة فعّالة في كثير من الأحيان لتهدئة الطفل.
يُمكن بيان تطوّر المهارات لدى الطفل الرضيع خلال المرحلة ما بين الشهر الرابع وحتى السادس على النّحو الآتي:
ينمو الطفل بشكلٍ أكبر وتتطور لديه المهارات الحركية بحيث يستطيع الحبو، والوقوف بثبات، والجلوس بدون دعم، والاستناد على جسم ما ليتمكن من الوقوف وحده، كما تنمو لديهم القدرة على تمييز الغرباء عن غيرهم فقد تبدو عليهم علامات الخوف عند وجود شخص غريب غير مألوف لديه، ويتشبث بأبويه أو بالأشخاص المعتاد عليهم، ولديه ألعابه المفضلة، كما قد يلاحظ عليه تقليده للأصوات وإيماءات الآخرين، ويبدأ بفهم معنى كلمة "لا"، كما يُصدر الكثير من الأصوات المختلفة، ويكون قادراً على استخدام أصابعه للإشارة إلى الأشياء، ويستطيع نقل الأشياء بسهولة من جهة إلى أخرى، ويقوم بالبحث عن الأشياء التي تم تخبئتها أمامه، ويستطيع التقاط الأشياء، ويراقب مسار الأشياء عند سقوطها.
يستطيع الطّفل في هذا العمر أن يقف بمفرده دون مساعدة أحد والمشي وهو يستند للأشياء بيد واحدة، كما قد يبدأ بمحاولة خطو خطواته الأولى وحده، ويستخدم الإبهام والسبابة بدقة ليلتقط الأشياء، ويمكنه أن يمسك كتلة ما أو مكعب في كل يد وقد يضربهما معاً، ويستطيع وضع مكعبين فوق بعضهم البعض، كما يستخدم كلتا يديه ليلتقط الطعام ويضعه في فمه، وحول مهارات الاتصال واللغة فقد ينطق بكلمة أو كلمتين بالإضافة إلى كلمتي "ماما" و"بابا"، ويُشير إلى الأشياء، وقد يبدأ بالثرثرة وإصدار أصوات قد تحاكي ما يسمعه من كلمات، ويبدأ بفهم الأسئلة البسيطة، ويُظهر البعض حبهم تجاه قراءة القصص المصورة والنظر إليها، وينفذ الأوامر، وعندما يكتسب مهارة جديدة كالمشي والوقوف يشعر بالفخر، ويبدأ بتقليد الأطفال الأكبر سنّاً والبالغين، وقد يبكي تجاه أفعال الآخرين؛ كبكائه عند مغادرة والدته الغرفة، ويكرر السلوكيات التي تؤدي إلى النتيجة المطلوب، مثل إسقاط لعبة عن حافة طاولة بحيث يمكن لمن يجالسه التقاطها وإعادتها للحافة.